البرامج التلفزيونية في قنواتنا الوطنية ليست كلها حلكة وظلام، ليست كلها عبث.. هناك نقط ضوء كثيرة وعديدة تستحق الإبراز، تستحق التنوية من باب التشجيع و دعم الاستمرارية والبذل للوصول إلى نحو الأحسن الأرقى والأكثر مهنية، رغم إدراكنا للأعطاب الكثيرة التي تكبل عمل الزملاء الصحفيين هناك. بدليل أنه كلما غادر إسم مغربي ردهات دوزيم أو زنقة البريهي كلما تألق وصار نجما كبيرا. تحديد التميز في هذا الملف، ليس إنقاصا وتنقيصا من باقي البرامج المماثلة، المنافسة، إذا كان هناك تنافس، وإنما هو اختيار، قد تحكمه بعض الانطباعية الذاتية في جانب، لكن تحكمه في جوانب أخرى متعددة القواسم المشتركة التي تجمعنا، نحن كمشاهدين، للإنتاجات الوطنية، وتجمعنا نحن كإعلاميين مهتمين متابعين. وهي ما يخلفه التفاعل معها وردة الفعل تجاهها، ليس بعيون عادية أو بمتابعة تقنية صرفة وفنية محترفة، لكن بمتابعة ومشاهدة غير عادية بالتحديد.. تحددها ضوابط معينة تختلف باختلاف البرامج والخانات التي تصنف فيها هذه البرامج. هذه العناوين فرضت علينا نفسها خلال السنة التي مضت، كما فرضتها على مجموع المشاهدين المغاربة في الداخل والخارج، سواء من منطلق المحتوى الذي غذاها أو شكل عرضها الذي لفها. فكانت بذلك من البرامج ذات الصدى، التي احترمت بعضا من الآليات التلفزيونية في الإنجاز و عند العرض أيضا.. > البرامج الثقافية: «مشارف» شكل البرنامج الثقافي «مشارف»، الذي يعده ويقدمه الشاعر ياسين عدنان ويبث أسبوعيا على القناة الأولى، إحدى نقط الضوء الواضحة على مستوى البرمجة الثقافية التلفزيونية الوطنية. فقدم استطاع «مشارف» عبر حوارات تطبعها السلاسة والحيوية مُبَاشَرَةَ بعضا من أسئلة الفكر والثقافة المغربيين .. من خلال استضافته لفاعلين في المجال الثقافي المغربي أو العربي على خلفية إصدار كتاب جديد للضيف.. أو خلفية نقاش أدبي أو فني مشتعل في الساحة الثقافية .. الأهم من ذلك فقد تمكن «مشارف» وعبر مجموعة حلقاته الأسبوعية المتوالية من أن ينفتح على الفضاء الثقافي الوطني بتعدد تعبيراته ومشاربه.. حيث قدم على ضوئها معطيات جد وافية عن عدد من الوجوه الإبداعية بإسلوب جد مركز، لكنه وافٍ، مما مكن المتتبع من أن يُكَوِّنَ فكرة عن المشهد الثقافي المغربي والعربي والفاعلين فيه بإعطائهم الكلمة لأجل المساهمة في خلق نقاش يساعد في تقريب القضايا الفكرية والثقافية من المشاهد.... هذا بالإضافة إلى استحضاره لأهمية الكتاب في حياة اليومية للمواطن من خلال اقتراح عناوين وعرض بعض من محتواها بهدف تحبيبها من المشاهد. > البرامج الوثائقية: «أمودو» أثبت البرنامج الوثائقي«أمودو» الذي يبث على شاشة قناة «الأولى» السنة الفرطة، مثلما الأمر في سنواته السبع الماضية، أنه أحد البرامج التسجيلية الأمازيغية المغربية الناجحة على صعيد برامج تلفزتنا الوطنية برمتها، حيث يقوم عماده - تارة بأسلوب حكائي موفق، وتارة بأسلوب تجسيدي معبر.. - على التعريف بالمغرب العميق الذي لا يعرف عنه أبناوه أي شئ، هناك في الجبال النائية والصحاري العميقة التي لا تقتنصها عين مجردة أو صور كاميرا .. برنامح يفاجئ في كل حلقة من حلقاته المشاهد بجديد أعماله و«اكتشافاته»، يرفع من خلالها الحجاب عن أسرار ومعطيات تاريخية وحياتيه وأنماط عيش مختلفة وأمكنة طبيعية .. لا يكون المتتبع - أغلب المتتبعين - على علم بها .. ضبطُها صورةً ولَمُّ مساراتها لغةً فيه مجهود واضح ومميز.. > برامج المنوعات: «مسار» يعتبر البرنامج الفني المنوع «مسار» إحدى المحطات الشهرية الفنية المهمة على خريطة شبكة برامج القناة الثانية، بل التلفزيونية الوطنية، من منطلق الفكرة النبيلة التي يقوم عليها، ومن منطلق العمل على استعادة مسارات ذاكرات وطنية لازالت على قيد الحياة.. ارتاى معد البرنامج ومنشطه الزميل عتيق بنشيكر، بل قد ارتأى ويرتئي الجميع، أنها أَهْلٌ بأن يحتفى بها رمزيا، على الأقل، على قيد الحياة قبل الممات .. كانت مجمل جلسات «مسار» السنة الماضية موفقة في الاختيار، وموفقة في دغدغة وإثارة الذاكرة الرياضية والفنية.. للمشاهدين لأجل إعادة بعض من الاعتبار لهؤلاء المكرمين، وفي ربط الصلة - هكذا يبدو - بهم خارج أرض الميدان وخارج فضاءات المسرح وغيرهما .. كانوا رجالا وكانوا نساء، بصموا، جميعا، عن تاريخ طويل من العطاء الدافق في مجال إبداعهم.. في جلسات حميمية، عفوية احتضنتها فقرات موسيقية وغنائية جد معبرة تحترم الذوق وتحترم الذاكرة وتحترم المشاهدين.. . > البرامج التحسيسية: «مداولة» البرنامج التلفزيوني التحسيسي الدرامي «مداولة» الذي تعده وتقدمه المستشارة رشيدة أحفوض، لازال يشكل، دون منازع، إحدى المحطات الشهرية المميزة جدا على شبكة برامج «الأولى »بالرغم منه أنه - كما يبدو - يشكو من ضعف في الإمكانيات ليرتقي إلى ما هو أبدع وأرقى - ، فهو إن كان يقوم على فكرة تحسيسية بسيطة، فإنها هادفة في أبعادها الإنسانية والاجتماعية والقانونية ... وتتمثل في تبسيط وتقريب جوانب قانونية هامة إلى المواطن عن طريق تعبير فني جد موفق من خلال معالجة ملفات واقعية باشرتها المحاكم الوطنية وقالت فيها العدالة كلمتها، وتشكيل أحداثها وسياقتها وحيثياتها دراميا من قبل ممثلين مغاربة محترفين، الشئ الذي كان له الأثر الإيجابي الفعال، من حيث الاستيعاب والفهم، وبالتالي بعض «النضج» القانوني لدى شرائح عريضة من المواطنين. > البرنامج الرياضي: «هواة» «هواة» البرنامج الرياضي الذي تقدمه قناة «الرياضية» يجسد، بحق، أحد البرامج الرياضية التلفزيونية الناجحة جدا التي تعمل على نقل نبض الرياضة الوطنية الحقيقي.. هاته الرياضة التي تعيش على إيقاع المآسي والنكبات المتتالية، بالرغم من المساحيق والمسكنات التي يحاول البعض تدارك الموقف بها. المتأمل في حلقات هذا البرنامج، الذي تقوم فكرته على استطلاع واقع فرق أقسام الهواة، التي من المفروض أن تشكل قاعدة كرة القدم الوطنية ورافعة قمتها الى الأعالي، تكشف عن واقع جد بئيس يكذب كل الافتراءات والخطابات الفارغة الجوفاء، التي تحاول أن تلمع المسار العادي لهذه الرياضية الشعبية... فقد نجح طاقم البرنامج الشاب في كل حلقاته ، بكل التلقائية التي لا تحتاج الى كبير عناء، في تصوير مشاهد متخلفة و تسجيل حقائق فوضوية حية .. أبرزت بوضوح حقيقة كرتنا وحقائق بعض مؤطريها، لكنها أبرزت نجاح فكرة البرنامج ونجاح تناولها ومعالجتها إعلاميا من قبل طاقم شاب كشف عن بعض الداء في انتظار الدواء. > البرامج الحوارية: «مباشرة معكم» مازال الذي يعطي للبرنامج الحواري «مباشرة معكم» على القناة الثانية تميزه ، هو راهنيته وتناوله للظواهر والملفات الآنية التي تطفو قضاياها على انشغالات الساحة الوطنية.. فقد استطاع معد ومقدم البرنامج، النصف الشهري، جامع گلحسن أن يكون حاضرا ومستحضرا لأغلب الملفات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأحيانا الرياضية الوطنية، التي اشتعل فيها فتيل النقاش هذه السنة واستأثرت باهتمام المواطن المغربي .. امتاز گلحسن في إدارة معظمها بطريقة سلسة كشفت عن تمكن من جوانب مهمة من الملفات المباشر مواضيعها، وعن تهييئ موفق قبل بثها.. > الروبرطاج: «مختفون» يصادف برنامج «مختفون» الذي تبثه القناة الثانية شهريا، ولازال، الإقبال الجماهيري الكثيف، بفعل الصدى الطيب الذي تتركه كل حلقاته التي تتركز على استطلاع مصير حالات إنسانية اختفت وتوارت عن الأنظار لسبب من الأسباب. استطلاع يبرز مجهودا محمودا يقوم به الزميل عادل بنموسى وفريقه الشاب الذي إن كان يقدم بواسطته خدمة إنسانية كبيرة للمفقودين وذويهم، فهو، كذلك، يكشف عن حس مهني عال من حيث طريقة عرض وتقديم المادة الإعلامية التي غالبا ما يتفاعل معها جمهور واسع من المشاهدين ... > برامج التحقيق: « 45 دقيقة» لفت برنامج التحقيق « 45 دقيقة» الذي تعرضه شهريا قناة «الأولى» في سنته الأولى التي مرت، لفت إليه الأنظار من منطلق المواضيع التي باشرها وقاربها من قبيل تلك الحلقة الخاصة عن منطقة «بويا عمر»، حيث كشف التحقيق عن فظاعات إنسانية حقيقية ترتكب، ليلا ونهارا، في حق مرضى عقليين ونفسيين.. وذلك بعرض صور صادمة قوية واستعراض أحداث مذهلة مدعمة بشهادات من عين المكان.. خلصت جميعها الى وجود خروقات سافرة ومس خطير بحقوق الإنسان .. إذ نجح الطاقم الصحفي للبرنامج، عبرها، في فضح أحد أساليب الاعتقادات الخاطئة المتعلقة بمعالجة المرضى النفسيين والعقليين.. بأحد«المراكز» بالمغرب، كما نجح في مباشرة هذا الموضوع، بلغة جد مبسطة ، هي اللهجة الدارجة بهدف مخاطبة المشاهدين حتى يكون التواصل متواصلا ومفهوما على نطاق واسع .. > منشط رياضي: هشام فرج «الرياضية» إمكانياته الصوتية، سرعة بديهته، إلمامه الرياضي واللغوي، كريزميته، هدؤه وحضوره أمام شاشة التلفزيون.. جعل منه واحدا من أبرز المنشطيين الرياضيين الشباب السنة التي مرت، بل كان أبرزهم. تمكن هشام فرج على مر أيام الموسم الرياضي الفارط والحالي من أن يجد له مكانه محترمة في متابعات المشاهدين الرياضيين سواء أثناء التنشيط الميداني للمباريات والمنافسات الرياضية أو في بلاطو القناة، حيث السلالة في التعبير والطلاقة في سرد المعلومة والانضباط في حفظ إيقاع التنشيط. > أفضل مقدم نشرة أخبار باللغة العربية: ياسين الإدريسي «الأولى» كشف السنة الماضية عن مؤهلات تعبيرية عربية، فرنسية وإسبانية مهمة، وعن كريزمية تلفزيونية ملحوظة، كما كشف عن سرعة بديهة في التعاطي مع المادة الخبرية أثناء تقديم نشرات الأخبار أو مع المعلومة اثناء إجراء حوارات طويلة أو قصيرة.. توج كل ذلك بامتلاك لغة فصيحة مضبوطة بنطق جد سليم، جعلت منه واحدا من بين أفضل مقدمي نشرات الأخبار التلفزيونية الشباب على المستوى الوطني > أفضل مقدمي نشرات الأخبار بالفرنسية: فدوى الحساني «القناة الثانية» حضور شخصي وإعلامي متوازن ومستمر مع طلاقة في النطق والتعبير وتمكن من الأليات اللغوية والحوارية وبديهة متوفدة وطريقة مميزة في طريقة إيصال المادة الخبرية إلى المشاهد.. تقدمها من بين أفضل مقدمات ومقدمي النشرات الاخبارية باللغة الفرنسية علي المستوى الوطني > برنامج اجتماعي منوع: «شهيوات بلادي» لازال برنامج «شهيوات بلادي»، الذي تعده وتقدمه شمشية يحظى براهنيته وبشعبيته التي تجعل منه أحد أفضل برامج الطبخ التلفزيوني على المستوى الوطني والمغاربي بل العربي. التميز لا نعتقد أنه يكمن في طريقة الإعداد و التهييئ اللذين تبقى لهما أهميتهما في هذا المجال، ولا في استعراض غنى وتنوع الطبخ بالمغرب، ولكن، أيضا، وهذا هو الأهم، في البحث والتنقيب والتوثيق الصوتي والمرئي لهذا المطبخ العريق كما الحديث، عبر تجوال البرنامج في كل مناطق المملكة وإبراز مؤهلاتها وتقنياتها المطبخية على هذا الصعيد.. وهذا الذي ما يعطي الفرادة لهذا البرنامج الذي يبقى بطريقتة إعداده وعرضه، رغم بساطتها، بعيدا عما هو استهلاكي لكنه قريب مما هو تسجيلي توثيقي...