الأخبار الآتية من دار البريهي هذه الأيام تنبئ دون أدنى شك أن حال التلفزيون المغربي لا يسر أكثر الناس تفاؤلا، ويؤشر ذلك على أن خاتمة العشر سنوات التي قضاها العرايشي على عرش هذا التلفزيون، لن تكون أحسن حالا من أولها ولو بشكل رمزي، إذا استحال تفعيل آليات المحاسبة والمراقبة. بين قنوات افتراضية، قطب مشلول، شركات لها «صفات» تفضيلية، واختلالات في الموارد البشرية، احتجاج هيئات وفعاليات المجتمع المدني، وبين انتقادات على أداء مكونات هذا القطب وصل مداها إلى قبة البرلمان، وبين تأمل «الهاكا» –إلى حين طبعا- في واقع القطب الذي أقرت تشكيله، يتوه المتتبع لمسار التلفزيون في كوابيس العرايشي المتنامية. آخر كوابيس العرايشي، إصراره على تقوية شركات إنتاج بعينها دون أخرى، تقوية وجدت التجلي الغريب في التأشير مرة أخرى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، على مشروع تلفزيوني «كوميدي» جديد بطله شخص استفاد من إنتاجات مغربية وصلت ميزانيتها إلى الملايير، بالتزامن مع بث برنامج «كوميديا» و«كوميديا شو»، ولا يخفى على المطلعين على حال هذه البرامج العلاقات المتشابكة والملتبسة التي تجمع بين الشركتين. علاقات ملتبسة ستتقوى إلى الدرجة التي تمنح معها مؤخرا إنتاجات جديدة لمقربين من شركة «سيغما» التي كان يرأسها فيصل لعرايشي. قبل أن يعين مديرا للإذاعة والتلفزة، هذا فضلا عن تذكير المغاربة بأن خمسة ملايير- دون احتساب قيمة الاشتغال بآليات الشركة الوطنية- التي وهبت لنبيل عيوش في المشروع الشهير الذي أشر عليه وزير الاتصال السابق نبيل بنعبد الله حينها، ماهي إلا بداية لمشاريع مشتركة، انطلقت بمنح عيوش هذه الأيام ترخيصا لإنتاج أفلام صنفت على أنها أفلام صناعية. هذا مع الابتعاد عن نقاش شركات إنتاج و«ترويج» أخرى خلقت السنة الماضية المشاكل والفوضى الصحفية و«التهافت» الإنتاجي نالها من سخاء العرايشي المفهوم والمبرر وفي هذا التوقيت الحاسم، جزيل العطاء. أغرب غرائب هذه المشاريع أن تمنح السلطة لممثل صار العلامة المميزة لدار البريهي مدعوما بشركة الإنتاج، ليقوم مقام المخرج عملية الكاستينغ، واتخاذ قرار بقبول هذا واستبعاد ذاك وفق المعايير الانطباعية التي اكتشف المشاهد المغربي مدى بساطتها، ولم يكتشف بعد أن بعض الأعمال تمت الموافقة عليها، دون أن تكتب بشكل كلي أو جزئي، مما يطرح السؤال: على أي «أساس» أشر على قبول إنتاجها»، في وقت راج الحديث مرة أخرى وبشكل صار معيبا عن اشتغال خلية الكتابة التي صارت المطية لكل التفاف على واقع الحال وكل تضليل مثير للشفقة في بعض الأحيان. هذا قليل من كثير يفترض كثير تأمل، وكثير اقتناع أن الواقع الشاذ للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، لا يحتاج إلى مسوغ، وكثير يقين كذلك بأن الخطوات الإيجابية والصحيحة تعبر عن أصحابها ولا تحتاج إلى «دلال».