وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والتساؤلات حول القرارات الأولى التي سوف يتخذها الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز تسلط الأضواء مجددا على الدور المركزي الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في المنطقة العربية، وفي العلاقات الدولية عموما. أكيد أن عبد الله بعد تربعه على العرش، بصفته كان ولي العهد، نجح في اجتياز مراحل كان بإمكانها أن تكون عصيبة بالنسبة إلى المملكة بعد بروز تنظيم القاعدة وهجومات الحادي عشر من شتنبر التي خطط لها ونفذها سعوديون، ثم بعد احتجاجات الربيع العربي التي لم تؤثر بشكل جوهري على الشأن الداخلي لكنها غيرت مؤقتا خريطة الحلفاء والأنظمة الموالية للمملكة السعودية في الشرق الأوسط. ونجحت المملكة السعودية في الحفاظ على تحالفها مع أمريكا، بل نجحت في تقويته، سواء تحت إدارة الرئيس جورج بوش أو الرئيس باراك أوباما، كما دعمت الحركات والأنظمة المعادية للإخوان المسلمين وللحركات الإسلامية القريبة من أطروحات الإخوان، بعد أن فازت هذه الأخيرة بانتخابات شفافة في تونس وفي مصر. وفي منطقة مضطربة جدا بالحروب الأهلية والإرهاب والاحتجاجات السياسية، يلعب النظام السعودي دور الفاعل الذي يسعى إلى الحفاظ على الاستقرار، لكن سياسته المحافظة تنفذ على حساب التغيير الديمقراطي، بل ساهمت في إجهاض التجارب الديمقراطية الفتية في المنطقة. واليوم، الملك سلمان يواجه نفس التحدي الأمني لأن المملكة السعودية تخشى مخاطر اضطرابات في الدول التي لها حدود مشتركة معها، مثل اليمن بعد تحركات مسلحي الحوثيين أو العراق بعد تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام («داعش»)، كما أنها تخشى تطور الأوضاع في سوريا حيث لم تنجح في إسقاط نظام بشار الأسد. ولازالت السعودية تخوض حربا باردة ضد قطر التي ساندت احتجاجات الربيع العربي والإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس، ومستمرة في مواجهة إيران وحلفائها في سورياوالعراق واليمن والدول الخليجية التي تتضمن أقليات شيعية ناشطة مثل البحرين. وأكيد أن سلمان بن عبد العزيز لن يمكنه أن يحافظ على نفوذ السعودية على الصعيد العربي والدولي إلا إذا استطاع أن يؤمن الموارد المالية الآتية من تصدير النفط في سوق عالمية تتميز بانخفاض أسعار النفط بما يناهز الستين في المائة، حيث انتقلت من 115 دولارا للبرميل في يونيو 2014 إلى 48 دولارا للبرميل اليوم، مع العلم بأن ميزانية الدولة عرفت خلال السنة المنصرمة عجزا ماليا يقدر بمبلغ 39 مليار دولار. والموارد النفطية سمحت للسعودية بأن تؤجل إلى أجل غير مسمى الإصلاحات الداخلية في بلد لا وجود فيه لانتخابات تشريعية ونظمت فيه انتخابات محلية ثلاث مرات فقط منذ تأسيس المملكة الحديثة سنة 1932، لكن في ظل وضع داخلي يتميز بضغوطات فئات واسعة، من الشباب والنساء، ترغب في التمتع بحقوق سياسية والمشاركة في الحياة السياسية، لا يمكن للنظام السعودي أن يستمر في تجاهل النداءات الداعية إلى الانفتاح والدمقرطة.