سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العلوي: في 1948 زار الحسن الثاني وشقيقاته بيت جدتي فقلت لهم إنني «استقلالي مخزز» قال إن مومن الديوري درس معه في الثانوي وكان يأتي إلى القسم وبحوزته مسدس
مولاي اسماعيل العلوي، رجل اجتمعت فيه كل الهويات والتقت عنده كل التوجهات المتناقضة، بانسجام.. فهو الشريف العلوي، والمناضل الشيوعي، وخاله الإسلامي (عبد الكريم الخطيب)، وابن الباشا، أمه حفيدة الكباص، وزير الحرب والصدر الأعظم، وخاله الآخر (عبد الرحمان الخطيب) وزير الداخلية، وابن خالته (حسني بنسليمان) أقوى جنرالات المملكة... على «كرسي الاعتراف»، يُقر مولاي اسماعيل بأن شخصيته تأثرت بثلاث شخصيات: «أبي الذي ألهمني الجدية والاستقامة؛ وجدتي لأمي، للا مريم الكباص، التي كانت شخصية قوية، وكانت تحارب الخرافات إلى درجة أنها كانت تنكر وجود الجن؛ وخالي عبد الرحمن الخطيب (وزير الداخلية الأسبق) الذي ألهمني فكر الحداثة والعقلانية». على «كرسي الاعتراف»، يحكي مولاي اسماعيل عن الوعي الوطني الذي «داهمه» وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، عندما احتل العساكر الفرنسيون بيتهم في سلا، عقب انتفاضة يناير 1944، وكيف كانت الأميرات، كريمات محمد الخامس، يسألنه وهو طفل، عند زيارتهن لبيت جدته في الجديدة، عن انتمائه الحزبي فيجيب: «أنا حزبي مخزز» (يعني استقلالي حتى النخاع). ثم يتوقف مولاي اسماعيل طويلا عند استقطابه من طرف السينمائي حميد بناني إلى الحزب الشيوعي، وكيف أن والده، الرجل الصارم، لم يفاتحه في الموضوع، ولكنه بكى -في غيابه- بحرقة على تحول ابنه إلى الشيوعية. في «كرسي الاعتراف»، نتطرق مع مولاي اسماعيل العلوي إلى تجربته السياسية والإنسانية الغنية بالأحداث والأفكار. - إلى جانب عباس الفاسي الذي درس معك في فصل واحد، بالثانوية في القنيطرة (خلال الموسم الدراسي 1957 - 1958)، كان هناك مومن الديوري. وإذا علمنا بأن وجودك بهذه المدينة كان بسبب تعيين والدك، غداة الاستقلال، باشا عليها، وأن وجود عباس الفاسي كان بسبب والده الذي كان قاضيا هناك، فما الذي جاء بعائلة الديوري الفاسية إلى القنيطرة؟ صحيح، أصل عائلة الديوري من فاس، وأغلب الظن أن عائلته حلت بالمدينة لممارسة التجارة، فقد كان والده تاجرا كما كان من أقطاب الحركة الوطنية بالقنيطرة. - ما الذي كان يميز مومن الديوري، التلميذ، الذي سيصبح لاحقا من أشرس معارضي الحسن الثاني؟ (يضحك) «مومن كان تيعجبو التظاهر».. - التظاهر بمعنى الاحتجاج؟ لا، التظاهر بمعنى حب الظهور؛ إذ كان يأتي إلى الثانوية مدججا بسلاح ناري «فردي». لقد كان مومن الديوري، في تلك المرحلة، على اتصال بالأمريكيين في القاعدة العسكرية بالقنيطرة.. - هل كان لمومن الديوري وعي سياسي زائد عليكم، أنتم زملاء دراسته ومجايليه؟ مومن كان له وعي سياسي، لكنه لم يكن زائدا أو متميزا علينا. - هل كان حضوره إلى الثانوية حاملا سلاحا ناريا دليلا على اختيار سياسي، قوامه الكفاح المسلح، أو شيء من هذا القبيل؟ -- «هكذا وهكذا.. شغول الدراري» (يضحك). - هل اكتسبت وعيك السياسي الوطني في القنيطرة؟ لا، وعيي السياسي بدأ عندما كنا لانزال نقيم في سلا.. - هل سبق أن انتميت إلى حزب الاستقلال؟ لا، لم يحصل ذلك. لكن، دعني أحكي لك عن علاقتي بالحزب الوطني، أي حزب الاستقلال.. فقد كان سائق والدي في سلا هو سيدي احمد السهلي، الذي تحول اسمه بعد الاستقلال إلى احمد عازم، وأصبح -رحمه الله- من قياديي الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. هذا الرجل، الذي كنا نناديه «عزيزي احمد»، كان دائما يحسسنا بأدوار الحركة الوطنية ونضالاتها، كما كان يطلعنا على ما يجري في العالم بينما نحن، أنا وأخي، لم نتجاوز السابعة أو الثامنة من أعمارنا؛ وبقي الأمر على ذلك الحال لسنوات، فكان «عزيزي احمد» هو من أخبرنا باستقلال ليبيا في مطلع الخمسينيات، واستقلال أندونيسيا في 1954.. - لنعد إلى علاقتك بحزب الاستقلال.. بناء على ما سبق، كان لا بد أن يكون لانتماء «عزيزي احمد» إلى حزب الاستقلال تأثير علينا، أنا وأخي مولاي الطيب. وفي سنة 1948، وكان عمري حينها حوالي ثماني سنوات، زار مولاي الحسن (الحسن الثاني) وشقيقاته الأميرات دار جدتي في الجديدة. وقد حضّر جدي، الحاج عمر الخطيب، كلمة ترحيبية بالأمير، كلفني أنا بقراءتها، ولإقناعي بذلك «شراني جدي بإينخالين»، وإينخالين كان عبارة عن جوز مُحلى «كركاع بالسكر». المهم أنني قرأت تلك الكلمة الترحيبية «كيف بغا لي الله»، فكان الحسن الثاني يصحح لي كل خطإ أقع فيه أو لحن ألحنه. وعندما انتهيت قال لي «أرا بوسة»، فقبلته ثم انصرفت. وبعدها التقينا مع الأميرات.. - من من شقيقات الحسن الثاني رافقنه في هذه الزيارة؟ للا عائشة وللا مليكة، ولم أعد أذكر ما إن كانت معهن للا نزهة أو لا. بعد السلام عليهن بدأن يسألننا، أنا وإخوتي، قائلات: «انت من آشمن حزب»، فنرد عليهن: «أنا حزبي مخزز».. - المقصود بال»حزبي» هو المنتمي إلى حزب الاستقلال؟ نعم، ففي تلك الفترة كان هناك الحزب الوطني، حزب الاستقلال؛ والحزب القومي، حزب الشورى والاستقلال؛ فكان الاستقلاليون يسمّون بالحزبيين، والشوريون بالقوميين. - يعني أنك اكتسبت وعيك الوطني من سائق والدك أكثر مما اكتسبته من والدك؟ نعم، لأن والدي كان ذا شخصية قوية، وكنا نتهيب سؤالَه أو مجالسَته. لكن علاقتي السياسية بوالدي كان لها شكل آخر، فعندما كان عمري 11 عاما، أي سنة 1951، بدأت الأزمة الأولى بين القصر والإقامة العامة الفرنسية ممثلة في الجنرال جوان. وخلال تلك الأزمة، كان والدي يحمل الجرائد الفرنسية إلى المنزل، وبما أنه لم يكن يتقن الفرنسية جيدا، فقد كان يطلب مني، أنا ابن الحادية عشرة، أن أقرأ وأترجم له. لست أدري كيف كانت ترجمتي تلك، لكنني كنت أقرأ باستمرار كل الصحف الفرنسية. وبدوره، كان جدي لوالدتي، الحاج عمر الخطيب، يحمل معه، عندما يزورنا في منزلنا بسلا، عددا من الصحف منها: «L Intransigeant» و » L aurore» و»L Humanité». وقد كنتُ أنا فضوليا، فكنت أمد يدي نحو كل ما هو مكتوب وأقرؤه، وهذا أكسبني وعيا مبكرا؛ ففي 1948، تابعت، أولا بأول، ما جرى خلال اتفاقية جزيرة رودس اليونانية (مفاوضات جرت، بعد توقف حرب 1948، بين إسرائيل، من جهة، ومصر والأردن وسوريا ولبنان، من جهة أخرى، برعاية الأممالمتحدة). وخلال حرب 1948، كان هناك زعيمان هما: فوزي القوقجي (ضابط في الجيش السوري وقائد جيش الإنقاذ خلال حرب 1948)؛ واسماعيل.. (يحاول تذكر اسمه كاملا..). وقد كان أخي مولاي الطيب يعتبر نفسه هو فوزي القوقجي، فيما كنت أنا أتمثل شخصية القائد اسماعيل، لاعتبار واحد هو أن لي نفس اسمه.. اُنظر كيف كنا نحمل وعيا وطنيا وقوميا بهذا الحجم رغم حداثة عمرينا آنذاك، فقد كنا بالكاد بين السابعة والثامنة.