مولاي اسماعيل العلوي، رجل اجتمعت فيه كل الهويات والتقت عنده كل التوجهات المتناقضة، بانسجام.. فهو الشريف العلوي، والمناضل الشيوعي، وخاله الإسلامي (عبد الكريم الخطيب)، وابن الباشا، أمه حفيدة الكباص، وزير الحرب والصدر الأعظم، وخاله الآخر (عبد الرحمان الخطيب) وزير الداخلية، وابن خالته (حسني بنسليمان) أقوى جنرالات المملكة... على «كرسي الاعتراف»، يُقر مولاي اسماعيل بأن شخصيته تأثرت بثلاث شخصيات: «أبي الذي ألهمني الجدية والاستقامة؛ وجدتي لأمي، للا مريم الكباص، التي كانت شخصية قوية، وكانت تحارب الخرافات إلى درجة أنها كانت تنكر وجود الجن؛ وخالي عبد الرحمن الخطيب (وزير الداخلية الأسبق) الذي ألهمني فكر الحداثة والعقلانية». على «كرسي الاعتراف»، يحكي مولاي اسماعيل عن الوعي الوطني الذي «داهمه» وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، عندما احتل العساكر الفرنسيون بيتهم في سلا، عقب انتفاضة يناير 1944، وكيف كانت الأميرات، كريمات محمد الخامس، يسألنه وهو طفل، عند زيارتهن لبيت جدته في الجديدة، عن انتمائه الحزبي فيجيب: «أنا حزبي مخزز» (يعني استقلالي حتى النخاع). ثم يتوقف مولاي اسماعيل طويلا عند استقطابه من طرف السينمائي حميد بناني إلى الحزب الشيوعي، وكيف أن والده، الرجل الصارم، لم يفاتحه في الموضوع، ولكنه بكى -في غيابه- بحرقة على تحول ابنه إلى الشيوعية. في «كرسي الاعتراف»، نتطرق مع مولاي اسماعيل العلوي إلى تجربته السياسية والإنسانية الغنية بالأحداث والأفكار. - ما صلة القرابة التي تجمع بين الجنرال حسني بنسليمان وعبد الكريم بنسليمان، وزير البحر (وزير الخارجية) في عهد السلطان مولاي عبد العزيز، الذي نبش الجوطي والكتاني قبره، بعد تولية مولاي حفيظ العرش، ونكلا به انتقاما منه على موالاته لمولاي عبد العزيز الذي اتهم بفتح المغرب للأجانب؟ جد حسني بنسليمان، والد والده السي ادريس. وكما هو معلوم لدى العائلة والأقربين، فإن السي عبد الكريم بنسليمان لم يرزق بأولاد من زوجاته الحرائر، بل إن ابنيه الوحيدين كانا من زيجاته المتأخرة من «الخْدم». - بعد مجيء مولاي حفيظ العلوي إلى الحكم، في يونيو 1908، خلفا لأخيه مولاي عبد العزيز، تم تعيين والد جدتك لأمك، امحمد الكباص (الصدر الأعظم) نائبا للسلطان في طنجة، بالرغم من أنه كان مواليا للسلطان المعزول، مولاي عبد العزيز؛ اِحك لنا تفاصيل هذه العلاقة.. نعم، فبالرغم من أن السي امحمد الكباص كان، شأن خاله السي عبد الكريم بنسليمان، عزيزيا (مواليا للسلطان مولاي عبد العزيز) فقد احتفظ به مولاي حفيظ، كما سبق أن حكيت لك، وعينه نائبا له في طنجة، فكان وسيطا بين السلطة المركزية، أي المخزن، وممثلي الدول الأجنبية. وقد بقي السي امحمد الكباص في موقع المسؤولية هذا إلى ما بعد التوقيع على اتفاقية الحماية مع فرنسا بأزيد من أربع أو خمس سنوات. وفي نهاية 1916 وبداية 1917، تم تعيينه صدرا أعظم (وزير أول) في حكومة المولى يوسف بن الحسن، فانتقل إلى الدارالبيضاء ثم إلى الرباط، ومعه انتقل مساعده الأول، جدي لأمي الحاج عمر الخطيب. وحسب ما تتناقله العائلة من وقائع عن هذه المرحلة الانتقالية، فقد حدث أثناء نقل أثاث «رحيلْ» السي امحمد الكباص، من طنجة إلى الدارالبيضاء، عبر البحر، أن قصفت غواصة ألمانية السفينة المحملة بأثاث الكباص قرب سواحل العرائش فأغرقتها. وقد بقي السي امحمد الكباص يشغل المنصب الذي شغله إلى حدود سنة 1923 حيث طلب إعفاءه من الصدارة، واستقر بمدينة الجديدة. - لنعد قليلا.. فقد تعرف جدك لأمك، عمر الخطيب، الجزائري، على امحمد المقري «العلاف» (وزير الحرب) في منطقة جوج بغال الحدودية بين المغرب والجزائر، في سنة 1905، حيث كان الكباص مكلفا بترسيم الحدود مع فرنساالمحتلة للجزائر، وكان عمر الخطيب مترجما للفرنسيين.. تماما، وهذه المفاوضات انتهت برسم الخط الحدودي الممتدة من وادي كيس إلى ثنية بن ساس، أما الباقي فقد ظلت كل الأطراف تعتبر أنه مجرد فيافٍ خالية لا حاجة إلى ترسيمها، ولم ترسم أبدا إلى يومنا هذا، فحتى الاتفاق الذي تم بين الحسن الثاني والهواري بومدين (في 1972) فيه نقطة استفهام، ولو أن الأمور تغيرت الآن ولا يمكننا العودة بالتاريخ إلى الوراء.. - ما الذي تقصده بأن الاتفاق بين الحسن الثاني وهواري بومدين فيه نقطة استفهام؟ الحسن الثاني لم يحترم الدستور في هذه الاتفاقية، حيث إنه لم يعرض ما اتفق بصدده مع بومدين على البرلمان قبل التوقيع عليه. - لنعد إلى استقرار جدك لأمك عمر الخطيب بالمغرب ومصاهرته لامحمد الكباص، أحد أقوى رجالات المغرب حينها.. خلال المفاوضات التي أجراها السي امحمد الكباص مع الفرنسيين سنة 1905، كان جدي الحاج عمر الخطيب مترجما للفرنسيين؛ وكان، كما سبق أن حكيت لك، أديبا يبدع بالعربية والفرنسية، فأعجب السي امحمد الكباص بكفاءاته واقترح عليه الاشتغال معه، وهكذا رافقه إلى المغرب، بل الأكثر من هذا أن الكباص زوجه من ابنته للا مريم، حوالي سنة 1908، واستقر معه في طنجة؛ ولما عاد الكباص إلى الدارالبيضاءفالرباط، رافقه جدي وجدتي، إذ لم يكن السي امحمد الكباص يقوى على مفارقة ابنته، فقد كانت هي المسؤولة عن تسيير أمور بيته.. - وكانت ذات شخصية قوية كما يحكى عنها.. كانت ذات شخصية قوية جدا، وقلما رأيت نساء بقوة شخصيتها. - هل كان جدك عمر الخطيب يشتغل مع صهره الكباص مترجما من الفرنسية، خصوصا وأن هذا الأخير لم يكن يعرف، من اللغات الأجنبية، غير الإنجليزية التي درسها في بلدها الأصلي؟ نعم، كان عمله الأساسي، في الغالب، هو الترجمة من الفرنسية وإليها. وأذكر أنني عندما كنت صغيرا، زرت بيت جدتي في الجديدة، وكانت هناك خزانة تضم بعض الوثائق، التي تهم لباس الجيوش، وبعدما وعيت وربطت الأمور بسياقاتها، عرفت أن تلك الوثائق كانت تهم تنظيم الجيش النظامي (يضحك) «اللي ما كانش منظم كثير» والذي واجه حركة سيدي احمد الريسوني في الشمال. - وعندما انتقل الكباص إلى الرباط لشغل منصب الصدارة العظمى رافقه جدك وجدتك؟ انتقلا معه في البداية إلى الدارالبيضاء حيث مكثوا مدة من الزمن، ويوجد في الدارالبيضاء زقاق اسمه درب الكباص، وبعدها انتقلوا إلى الرباط، وفي 1923 انتقل الكباص ومعه «الكافلة» كلها إلى الجديدة، «ومازال كنعقل أنا» أن جدي الحاج عمر أصبح -في الجديدة- يترجم وثائق الخواص، وكان هذا هو مورد رزقه الذي يعيش منه.