التقى مؤرخون ومثقفون وأدباء من طنجة على مدى يومين من أجل المشاركة في تكريم المؤرخ ومحافظ مكتبة كنون، عبد الصمد العشاب، بمناسبة الذكرى المائية لولادة العلامة الراحل عبد الله كنون. واحتضن قصر مولاي عبد الحفيظ لقاء حضرته وجوه ثقافية وأدبية بارزة من طنجة، وقدموا شهادات في حق عبد الصمد العشاب، وهو رجل وصف بأنه محظوظ لأنه يحظى بتكريم أعماله الأدبية والإبداعية ومسيرته العلمية الحافلة وهو على قيد الحياة. وتحدث الشاعر والأديب الطنجاوي، أبو بكر اللمتوني، في كلمة تليت بالنسابة عنه خلال هذا اللقاء، عن الذكريات الجميلة التي جمعته بالعشاب خلال أيام الصبا والشاب، أيام كانا معا تلميذين للعلامة الراحل عبد الله كنون، خال عبد الصمد العشاب. وقال اللمتوني «أذكر الأيام الجميلة التي كانت أول عهدي به حين كان أستاذنا الجليل سيدي عبد الله كنون يستقبل في كل عيد أفواجا من الزائرين المعايدين، وكان ابن الأخت (العشاب) يساعد الخال في الترحيب والاحتفاء بهذه الأفواج، وكنت ألاحظ في جميع هذه الزيارات أن الخال شغوف بابن أخته وراض عنه، فرضيت عنه أنا أيضا في سري، واتخذته كما اتخذني أنا أيضا صديقا». وألقى اللمتوني قصيدة شعرية عربون صداقة في حق العشاب يقول مطلعها: إن يكن لي من يد في بلدي// فهي العشاب عبد الصمد كلما أوشكت أكبو مد لي// يده، لا فرغت منه يدي.. من جهته وجه عبد الهادي التازي، عضو أكاديمية المملكة المغربية، رسالة إلى الملتقى التكريمي، بعد أن تعذر عليه الحضور، وتضمنت الرسالة هدية من نوع خاص، وهي صور تاريخية ونادرة للراحل عبد الله كنون خلال زيارته للعاصمة العراقية بغداد سنة 1965 أثناء اجتماع لمجمع اللغة العربية. وفي كلمة للمختار محمد التمسماني، عاد بالذاكرة إلى سنة 1980، الفترة التي تعرف فيها على العشاب، عندما أوكلت لهذا الأخير مهمة مقرر ميزانية المجلس البلدي لطنجة، والتي وصفها بأنها «مهمة صعبة وشائكة وهي من المتشابهات التي تعمي مسالكها». وقال التمسماني في حق العشاب «إنه مثقف من أفذاذ المثقفين الذين تمتلكهم في علائق عصمة العلم وغزارة الاطلاع، وكاتب رفيق اليراع الذي يرن – وما خانه البيان- بكلام فصيح يزخر بالمعاني الهادفة التي تقطر في استواء وتنير البصائر بسراج رواسبها، وأديب يعد أحد رواد يقظة الثقافة في مدينة طنجة التي انبعثت منها حركة علمية أدبية أبرزت صورة «طنجة العالمة الأديبة»، وباحث لا يصرم حبل البحث وإن أجهده إجهادا، ومؤرخ يعمل في مثابرة لا يقوى عليها سوى المتين الدربة في التحصيل، ولقد أطل بإنتاج ناضج على مسارب التاريخ الذي اجتذب من ذاكرته دررا من غزير دفائنه، وصحافي يصيب الهدف في أدق المجالات التي يعالجها بكلمات مفكرة ولا يجري وراء الأحاديث العابثة التي تتصدع في زحمة الخلافات السياسية». أما كلمة أحمد حسن العمارتي، الوزير المفوض والمكلف بمهمة بالتشريفات الملكية والأوسمة، فركزت على ما أسداه العشاب من عمل فكري وأدبي وتاريخي، وما ساهم به من أجل إشعاع طنجة في مجال العلم والأدب، والدور الذي قامت به في احتضان الوطنيين الأحرار عندما كان المغرب يمر بفترات عصيبة. وقال العمارتي «كانت مدينة طنجة الملاذ الآمن للأحرار من أبناء المغرب الأشاوس المناهضين للمستعمر الدخيل، ومثّل أبناؤها وكبار القوم بها الدرع الواقي والحصن الحصين لمن يمم شطرها احتماء من نيران البطش واستعدادا للمقاومة من جديد واستردادا للكرامة واسترجاعا للحرية وتحقيقا للاستقلال». من جانبه أشار محمد عبد الحفيظ كنون، رئيس المجلس العلمي لطنجة، إلى أن عبد الصمد العشاب ينتمي إلى تلك النخبة الممتازة من أبناء الوطن الفضلاء، وأنه تربى في أحضان العلامة المرحوم عبد الله كنون، فنهل من عمله وسار على دربه ورافقه عقودا كان خلالها كاتبه وأمين سره. من جهته قال محمد عبد السلام شقور، باحث متخصص في تراث الغرب الإسلامي، إن العشاب «اطلع على كبريات القضايا العلمية وتعرّف إلى مشاهير علماء المغرب والمشرق وهو ما وسع من دائرة معارفه وكان من حوافز نشاطه العلمي، وأنه باحث عصامي عاش بين الكتب ومن أجل الكتاب والكتابة، شأنه في ذلك شأن كثير من العلماء المغاربة الذين أغنوا المكتبة المغربية حتى قبل نشأة الجامعة».