منذ بداية القرن الثامن عشر، بدأت موضة الجنسيات الأجنبية تجتاح طنجة، ومعها مناطق أخرى من الشمال. غير أن طنجة كانت الحاضرة الأقوى والمدينة التي تسيل لعاب العالم، لذلك تسابقت البلدان الأوروبية فيما بينها من أجل كسب ود أعيان المدينة وتجارها وحتى سكانها العاديين، فاكتسب عدد كبير من الناس جنسيات أجنبية كانوا يرون فيها الجبل الذي يأوون إليه فيعصمهم من الماء، أي أنها بمثابة الحصن الذي يحميهم من بطش وتعنت أفراد السلطة بالمغرب، والمتميزين بكثير من البطش والجبروت. أولى عمليات التجنيس في طنجة تمت مع الموظفين الذين كانوا يشتغلون في السفارات الأجنبية، وكان منحهم الجنسية بمثابة تكريم أو حماية لهم من التعسفات التي يمكن أن يلقوها من طرف السلطات المغربية. ويقول المؤرخ عبد الصمد العشاب، محافظ مكتبة عبد الله كنون بطنجة، إن مسألة حمل الجنسية الأجنبية في تلك الفترة في طنجة لم تكن تتعارض في نظر الكثيرين مع المواقف الوطنية، وأن عددا من العائلات التي كانت معروفة بمواقفها الوطنية كانت تحمل جنسيات أجنبية. ويحكي العشاب حادثة طريفة وقعت في عهد الحماية، حيث كان حسن الغسال، وهو أحد رواة الحديث في أحد مساجد طنجة يحمل الجنسية الإسبانية، وفي أحد الأيام استدعته السلطات المغربية من أجل غرض ما، فرفض وقال لها إنه يحمل الجنسية الإسبانية، وفي يوم الجمعة الموالي، وعندما كان راوي الحديث يستعد لصعود المنبر في المسجد لتلاوة أحاديث قبل مجيء الخطيب، نهض مصلون وطالبوه بالنزول وقالوا له: أنت إسباني.. انزل من المنبر لأنه لا مكان لك في المسجد بيننا. البلدان التي كانت تمنح جنسيتها بكثرة لأعيان وتجار طنجة هي هولندا وإسبانيا وبريطانيا. وتذكر المصادر التاريخية أن الفقيه سكيرج، المؤرخ المعروف، كان يحمل الجنسية الهولندية لأنه كان موظفا في سفارة هولندا بطنجة. أما عائلة المنبهي، التي نزحت من مراكش إلى طنجة، فكان أفرادها يحملون الجنسية البريطانية بالنظر إلى العلاقات الوثيقة لهذه العائلة من التاج البريطاني وقتها. الإسبان بدورهم، وبالنظر إلى القرب الجغرافي والروابط الثقافية واللغوية مع المدينة، منحوا رعايا طنجويين كثيرين جنسيتهم، ومن بينهم عائلة محمد وأحمد اقلعي، وهي عائلة توصف بوطنيتها، ولم تر في ذلك ما يتعارض مع حمل جنسية بلد أجنبي، ولا يزال عدد من أفراد هذه العائلة يحملون الجنسية الإسبانية إلى اليوم. الفرنسيون أيضا وزعوا جنسيتهم على تجار وأعيان طنجة، ثم الألمان ولكن بشكل قليل جدا. والعائلات الطنجوية التي حملت سابقا الجنسية الألمانية اندثرت اليوم، وهي في كل الأحوال لا تتعدى ثلاث أو أربع عائلات. كل الأثرياء والأعيان ورجال الأعمال في طنجة قبيل وخلال الحماية الدولية تجنسوا بجنسية البلدان التي كانت وصية على طنجة، وهذا كان يشبه حماية لمصالحهم التجارية والاقتصادية أولا، ولم يكن يعني أوتوماتيكيا «العمالة للاستعمار»، لكن هناك عدد من الذين حملوا هذه الجنسيات حملوا معها أيضا ولاءهم لهذه البلدان. يهود طنجة بأغنيائهم وفقرائهم حملوا جنسيات أجنبية، وهم الجالية الأكثر تجنيسا في المدينة، لأنهم كانوا يعتبرون ذلك حماية لهم عبر واجهتين، أولا حماية مصالحهم الاقتصادية والتجارية، وثانيا حماية معتقداتهم وتقاليدهم في وسط مسلم كانوا يعتبرونه مختلفا عنهم ويمكن أن يصبح معاديا لهم في أي وقت. ومن غريب ما كان يحدث وقتها أن باشا طنجة، الذي كان يقيم وقتها في «باب العصا» في منطقة القصبة، كان يأمر باستمرار باعتقال أشخاص يرى أنهم يخالفون القانون، وكلما مثل أمامه متهم إلا وفوجئ بأنه يحمل جنسية أجنبية فيخلي سبيله. في فترة الاستقلال، أو ما بعد الحماية، هاجر عدد كبير من اليهود الحاملين لجنسيات أجنبية رغم أنهم طنجويون أبا عن جد، لأنهم لم يستطيعوا التلاؤم مع الواقع الجديد، خصوصا وأن الناس صاروا يعتبرونهم أجانب، بينما المغاربة المجنسون لم تكن لهم عقدة اجتماعية، بل كانوا يتباهون بذلك. واليوم، بعد أزيد من 50 سنة بعد الاستقلال، لايزال الكثير من مسؤولي طنجة وبرلمانييها ورجال الأعمال يحملون جنسيات أجنبية، بينها جنسيات إسبانية وهولندية وفرنسية.