مؤتمر الجزيرة الخضراء هو أشهر مؤتمر في تاريخ المغرب. هذا المؤتمر لم يقتصر الاهتمام به على الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد مطلع القرن العشرين، بل أصبح أيضا محط اهتمام الكثير من المغاربة من الطبقات المتوسطة والفقيرة، والدليل على ذلك أنه حتى اليوم لا يزال الناس يستعملون مصطلح «شروط الخزيرات» حين يريدون تشبيه شيء مسلط على رقابهم وأوامر يجب أن ينفذوها رغم أنوفهم. جاء مؤتمر الخزيرات، أو الجزيرة الخضراء، مباشرة بعد الزيارة التي قام بها الإمبراطور الألماني غيوم الثاني إلى طنجة، والذي كان يروم من ورائها التشويش على الأطماع الأوروبية في المغرب. عقد مؤتمر الخزيرات ما بين 15 و17 يناير 1906، بمشاركة فرنساوإسبانيا وإنجلترا وألمانيا وبلجيكا والنمسا والدنمارك وإيطاليا وهولندا والبرتغال والسويد والولايات المتحدةالأمريكية، إضافة إلى المغرب. القرارات التي خرج بها هذا المؤتمر جعلت المغرب مجرد لعبة في أيدي هذه البلدان، ومن بين هذه القرارات: - إنشاء بنك رسمي تمتلك البلدان الأوروبية أسهمه ويخضع لإشراف دولي. - محاربة تهريب الأسلحة نحو المغرب. - تنظيم قطاع الضرائب والجمارك. - تقديم تسهيلات للتجار الأجانب. كانت هذه القرارات الكبرى التي تخفي في تفاصيلها قرارات أشد فتكا بالسيادة المغربية، وهذا ما جعل البلدان الطامعة في المغرب تعتبر ما صدر عن مؤتمر الخزيرات إشارة إلى البدء في احتلاله، مادام أن المخزن لم تبق له أية صلاحيات حقيقية سواء في تدبير الشؤون الداخلية للبلاد، أو في مجال السياسة الخارجية. بعد حوالي سنة من هذا المؤتمر، أي في 29 مارس 1907، احتلت فرنساوجدة، وفي 5 غشت 1907 احتلت مدينة الدارالبيضاء. ومن الغريب أن عملية احتلال وجدة جاءت بدعوى مقتل طبيب فرنسي في مراكش، واحتلال الدارالبيضاء جاء بعد احتجاج السكان على تمرير خط للسكك الحديدية مما أدى إلى مقتل العشرات من السكان بفعل القصف المدفعي الفرنسي. وفي فبراير 1907 تحركت إسبانيا، التي كانت تطمع باستمرار في احتلال شمال المغرب، واستولت على المناطق المحيطة بمدينة مليلية، من بينها راس كبدانة، أو راس الما. بعد احتلال الدارالبيضاء بحوالي عشرة أيام أفتى علماء فاس بعزل السلطان مولاي عبد العزيز بسبب عجزه عن تدبير شؤون البلاد ووقف التدخل الأجنبي، وبويع مولاي عبد الحفيظ سلطانا جديدا للبلاد. لكن السلطان عبد الحفيظ لم يستطع شيئا لأن الكعكة المغربية كانت قد تم توزيع أطرافها وأصبحت مسألة أكلها قضية وقت فقط. غير أن هذه الفترة أشعرت المغاربة بالخطر المحدق بالمغرب، وجرت محاولات لإصدار مشروع دستور، وصدرت في طنجة مجموعة من الصحف مثل «لسان المغرب» و«السعادة». اليقظة المؤقتة للمغاربة بعد عزل عبد العزيز وتولي عبد الحفيظ الحكم انتهت بعد أن أعلن السلطان الجديد اعترافه بكل المعاهدات السابقة مع الأوروبيين، ثم تلقى المزيد من القروض الأجنبية، مقابل تخلي المغرب عن مزيد من معالم سيادته، من بينها التنازل عن مداخيل الموانئ والتخلي عن احتكار المواد التجارية، كما بدأت إسبانيا استغلال مناجم الريف دون موافقة السلطات المغربية، وقامت باحتلال المزيد من المناطق المحيطة بسبتة. كانت إسبانيا تعرف أن ما تقوم به لا علاقة له بموافقة سلطان المغرب أو معارضته لأن مواقفه لم تعد لها أية قيمة، لذلك احتلت مدينتي العرائش والقصر الكبير سنة 1911، واستمرت في استغلال المزيد من مناجم شمال المغرب، لكن هذه المرة بموافقة من السلطان، الذي لم يكن يملك سوى الموافقة. بعد أن بدأت إسبانياوفرنسا في التوسع في المغرب في جميع المناطق، تحركت ألمانيا وأرسلت بارجة حربية إلى مدينة أكادير، وهو ما اعتبر إيذانا بنشوب أزمة دولية جديدة حول المغرب، إلى الحد الذي كان معه الكثيرون يتخوفون من نشوب حرب عالمية، غير أن هذه التخوفات تراجعت بعد أن عقدت ألمانياوفرنسا اتفاقية تنازلت بموجبها باريس لألمانيا عن أجزاء واسعة من الكونغو، مقابل ابتعاد ألمانيا عن المغرب. أدت هذه الأوضاع المتدهورة إلى تذمر عدد من القبائل، حيث حاصرت قبائل بني مطير مدينة فاس وبايعت المولى الزين، أخ السلطان عبد الحفيظ، سلطانا. وفي 17 أبريل 1911 احتلت فرنسا مدن الرباط ومكناس وتوسعت إلى مناطق أخرى من شرق المغرب. أمام هذا الوضع، لم يبق سوى التوقيع الرسمي لفرض الحماية على المغرب، أي غسل الجثة من أجل دفنها، فتم عقد معاهدة الحماية في مدينة فاس يوم 30 مارس 1912، بين عبد الحفيظ وسفير فرنسا في المغرب.