أصدر الأستاذ عبد الصمد العشاب، محافظ خزانة عبد الله كنون في طنجة، كتاباً قيّماً بعنوان (في قلب الحركة الوطنية : مجموعة رسائل موجهة إلى الأستاذ عبد الله كنون من زعماء الحركة الوطنية ومسيريها). وصدر الكتاب الذي يقع في 206 صفحات، ضمن منشورات (مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي) التي يرأسها الأستاذ محمد مصطفى الريسوني. ويضم الكتاب رسائل كتبها إلى عبد الله كنون شخصيات مهمة منها شكيب أرسلان، وعلال الفاسي، ومحمد بن الحسن الوزاني، وعبد الخالق الطريس، ومحمد داود، وسعيد حجي، والطيب بنونة، وعبد السلام بنونة، ومحمد بنونة، ومحمد اليزيدي، والحبيب ثامر، ومحمد الطنجي، والحاج الحسن بوعياد، ومحمد إبراهيم الكتاني، وأبو بكر القادري، ويونس بحري، وعبد الوهاب بنمنصور، ومحمد بن عبود، وعمر بن عبد الجليل، وأحمد بلمليح. ويشتمل الكتاب، إضافة إلى الرسائل، على وثائق مهمة، منها مشروع تنظيم كتلة العمل الوطني (النظام الداخلي)، وتقارير اللجنة السرية المكلفة بإصلاح الخلافات بين علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني عام 1936، وبرقية من جماعة من المواطنين بطنجة موجهة إلى الجنرال دكول رئيس الحكومة الفرنسية الحرة في البرازفيل، يطلبون فيها أن يعمل على تحرير الزعيم علال الفاسي من المنفى الذي يوجد في الكابون، ورسالة من جمعية طلبة شمال أفريقيا المسلمين بفرنسا مؤرخة في 4 أغسطس سنة 1936، تخبر كنون بعزم الجمعية على عقد مؤتمرها السادس في فاس وتطلب منه الدعاية للمؤتمر والمساهمة فيه، ورسالة أخرى من هذه الجمعية في شأن مد يد العون لها حتى تستطيع تلبية احتياجاتها. ويحتوي الكتاب على عشرين رسالة كتبها علال الفاسي إلى عبد الله كنون في فترات متعددة، الأولى بعثها من فاس مؤرخة في 9 نوفمبر سنة 1932، وموضوعها تخليد الذكرى الأربعينية لوفاة أمير الشعراء أحمد شوقي، وهو الحدث الأدبي الذي عرف في فاس بيوم شوقي، ويدعو فيها علال صديقه كنون للمشاركة في هذا الحفل الذي (اعتزم أبناء القرويين إقامته). وجاء في هذه الرسالة التي تعد بحق وثيقة أدبية ذات قيمة : «لنا الشرف أن نحيط علمكم بأن لفيفاً من أبناء القرويين قد قرر إقامة حفل عظيم بمناسبة ذكرى الأربعين لوفاة أمير الشعراء الشاعر الخالد أحمد شوقي بك، ذلك الفذ الذي خدم بشعره الأقطار العربية على السواء، وظل متغنياً بمجد العرب وتاريخ العرب وعظمة الإسلام طيلة حياته النشيطة، فكان حقاً على سائر العرب والمسلمين أن يقوموا بما له من واجب ويخلدوا ذكراه، اعترافاً بمكانته وتقديراً لقيمته الأدبية العليا، إذ في ذلك برهان ساطع على أن الأمة العربية قد دخلت في طور الشعور والإحساس بعظمتها، وما بعد ذلك إلا العمل على استرجاعها، وبما أن المغرب عضو من أعضاء تلك الأمة الحية، فيجب أن يقوم هو بدوره بالمشاركة في هذه الذكرى ويظهر للعالم بمظهره اللائق به من الناحية الأدبية». ومن الاحتفال بيوم شوقي، إلى إقامة صلاة الغائب على روح الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة (المنار). فقد كتب علال رسالة مؤرخة في 20 شتنبر سنة 1935، وهي الرسالة الثانية في هذه المجموعة، يدعو فيها كنون إلى إقامة صلاة الغائب في طنجة على روح السيد رشيد رضا، تقديراً لجهوده في خدمة قضايا العالم الإسلامي ونصرة الإسلام. أما الرسالة الثالثة فهي تدعو كنون إلى أن يشارك بنشيد وطني بمناسبة عيد العرش سنة 1935، لأن ( كتلة العمل الوطني قررت جعل مسابقة بين شعراء المغرب لوضع نشيد ملكي بمناسبة عيد العرش. وبما أنكم من هؤلاء الشعراء، فالرجاء منكم أن تشاركوا بوضع نشيد في الموضوع). وفي الرسالة الرابعة المؤرخة في 8 يناير 1935 يخبر علال أخاه كنون بعزم كتلة العمل الوطني على إقامة احتفال بذكرى السيد رشيد رضا في فاس، مقترحاً عليه موضوعاً للمساهمة في هذه الذكرى. يقول فيها : «لقد مرّ يوم الاحتفال بالمتنبي على أكمل ما كنا نرجوه، وقد ألقيت بنفسي بحثكم المفيد حسب رغبتكم، وقد رأيناه في (الرسالة) بعدُ منشوراً. أما الآن، فإني أخبركم بأنا اتفقنا على إقامة احتفال خاص بذكرى السيد رشيد رضا في محرم المقبل مع عدم الإعلان عنه سلفاً، وقد اخترنا كتابة أبحاث عن السيد وتوزيعها على أشخاص معينين، أخوتكم في عدادهم، ونحن نقترح عليك كتابة الموضوع الآتي (الأسباب التي غيرت مجرى حياة السيد رشيد رضا) ...». إن (الرسالة) التي أشار علال إلى أن بحث كنون عن المتنبي نشر فيها، هي المجلة التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات. وهو الأمر الذي يؤكد لنا أن الحركة الوطنية المغربية ارتبطت بأقوى الوشائج بالنهضة الأدبية والثقافية في المشرق العربي في تلك الفترة المبكرة من تاريخ المغرب المعاصر. وبعد عودة علال من المنفى، كتب إلى كنون من فاس رسالة رقيقة متميزة مؤرخة في 28 يونيو 1946، تلقي الضوء على جانب من حياة كاتبها. يقول علال : «ألقى إليّ البريد ببرقيتكم أولاً وكتابكم ثانياً، وما أعربا إلا عما أعرفه من محبتكم الصادقة وودادكم المتين ووفائكم الذي لا يزول. وإن أطيب عزاء يجده الإنسان المنكوب (الإقامة في المنفى تسع سنوات)، هو هذا الشعور بأن له قلوباً كبيرة مثل قلبك تخفق بمحبته وتغمر صدق مودته، وتقدّر التضحية التي بذلها من أجل أمته. فأشكر لك أيها الأخ هذه العواطف النبيلة والإحساسات الجميلة، وأؤكد لأخوتك أنني على ما تعهده مني قرباً وبعداً، ثابتَ الوفاء، دائمَ الود، مستمرَ التقدير لأدبك والاحترام لمكانتك، وإنني بذلك لفخور. كما أكون سعيداً لو تفضلت أخوتك فقدمت لي نسخة من مؤلفاتك التي نشرت من بعدي (أي في فترة النفي)، خصوصاً (النبوغ المغربي في الأدب العربي) ...». وهي رسالة مؤثرة، كتبها علال بعد انقطاع عن مراسلة صديقه طيلة سنوات النفي. وتجدر الإشارة إلى أن كتاب النبوغ المغربي صدر سنة 1938 في تطوان، بعد مضي سنة من نفي علال إلى الكابون. ويدعو علال كنون في إحدى هذه الرسائل، إلى موافاة جريدة (الأطلس) التي ستصدرها الكتلة في الرباط، (بمراسلة منظمة عن ناحية طنجة وأخبارها وحوادثها، مع موافاتها بمقالاتكم الممتعة في الأدب والاجتماع والسياسة). وقد صدرت (الأطلس) في بداية سنة 1937، وتوقفت عن الصدور في شهر أكتوبر من السنة نفسها، وصدر منها 77 عدداً. وفي رسالة بعثها علال إلى كنون من القاهرة بتاريخ 24 شتنبر 1946، نقف على جانب من الاهتمامات التي كانت تشغل بال الزعيم أثناء إقامته في القاهرة. فقد جاء في هذه الرسالة : «فبناء على ما نشرته الصحف المصرية عن حوادث طنجة الأخيرة، أصدر مكتب الرابطة (رابطة الدفاع عن مراكش) بياناً وزع على جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتجدون نسخة من هذا البيان ضمن مجموعة القصاصات المصاحبة لهذه الرسالة، وقد بعثت لكم نسخاً متعددة منه بالبريد العادي ليوزع على الأهالي. ونودّ أن تبعثوا لنا معلومات كافية عن الأسباب المباشرة لتلك المظاهرات، وعن الهيئة التي تقوم بتنظيمها، وعن السبب الذي جعل الحكومة البريطانية تبعث حامية من جبل طارق، والغرض الحقيقي من إنزال هذه الحامية في طنجة، وعن زيارة حاملة الطائرات الأمريكية والأثر الذي أحدثته هذه الزيارة، وعن تعليق الدوائر المغربية والإسبانية على هذه الحوادث مجتمعة ومتفرقة. نودّ أن نعرف كل هذا لنكون على بينة من حقيقة الأمر في طنجة، وليكون عملنا هذا منسجماً مع عملكم هناك. لقد تتبعنا باعتناء تنقلكم في الجنوب والشمال واجتماعاتكم مع رجال حزبَيْ الاستقلال والإصلاح، ونودّ أن نعرف رأيكم بصراحة في الحالة الراهنة في المغرب». وتكشف لنا هذه الرسالة، ورسائل أخرى يضمها هذا الكتاب، عن جوانب غير معروفة على نطاق واسع، من حياة الأستاذ عبد الله كنون، تتعلق بنضاله الوطني وبجهوده في إطار الحركة الوطنية المغربية، فقد كان على صلة وثيقة بالزعيم علال. ونحن نقرأ في هذا الكتاب رسائل أخرى بعثها علال من القاهرة إلى كنون في فترة الأربعينيات تتناول النشاط الذي يقوم به مكتب المغرب العربي. إن هذه الرسائل العشرين تشكل وثائق تاريخية تلقي الضوء على مراحل مهمة من حياة كل من الأستاذ علال الفاسي والأستاذ عبد الله كنون. ولذلك فإن نشر هذه الرسائل مبادرة طيبة، وجامعها والمعلق عليها الذي قام بالتعريف بالأسماء الواردة فيها، يستحق منا التقدير كله.