قال مراد زروق، مترجم وأستاذ بجامعة غرناطة، إن المترجمين لعبوا دائما دورا أساسيا في حوار الحضارات والثقافات، مضيفا أنهم وسطاء يقومون بوظيفتهم تحت إمرة أناس أكثر منهم سلطة على المستوى الدولي والوطني، وجاء كلام الخبير المغربي على هامش الملتقى الثاني لحوار الحضارات الذي نظمه مركز محمد السادس لحوار الحضارات بكوكيمبو(شمال الشيلي). وأشار زروق إلى أن عمل المترجمين رغم ذلك ليس رهينا بالأشخاص الذين يترجمون لهم ويتحكمون في الظروف الاقتصادية والسياسية، بل هو مرتبط أيضا بالسياقات السياسية، وهو ما يعني أن المترجمين هم وسطاء لغويون في التواصل بين الحضارات والثقافات. وأوضحت أنا بنديني، أستاذة بقسم العلوم اللاهوتية بالجامعة الكاثوليكية للشمال بالشيلي، أن الترجمة الدينية تحمل القدرة على اكتشاف وتقوية الروابط بين الحضارات الإنسانية وتوجيهها للتلاقي فيما بينها، مضيفة أن الديانات لا يمكنها أن تحل وحدها مشاكل البيئة والاقتصاد والسياسة للمجتمعات، بيد أن الديانات يمكنها أن تجد أساليبا للتلاقي تعجز العلوم السالفة الذكر عن العثور عليها، مما يتطلب آنذاك التفكير في العلاقات الإنسانية انطلاقا من بعدها الديني. وأشارت نيرمين بن ادريس، أستاذة جامعية مغربية، أن السياقات الدولية الحالية تتميز بحركيتها وتراجع مفهوم التفاهم في ظل ارتفاع عدة أصوات مطالبة بضرورة إرساء الحوار، مشيرة إلى أن التاريخ يشير أيضا إلى وجود عدة محاولات لخلق أجواء التفاهم بين الإسلام والغرب، مشيرة إلى وجود محاولة في القرون الوسطى قام بها المستشرق خوان دي سيغوبيا في ظل امتداد الإسلام آنذاك، إذ قام بترجمة للقرآن باللغات اللاتينية الثلاث من أجل فهم الإسلام بشكل جيد، وهي المهمة التي ساعده فيها الفقيه العربي عيسى ابن جابر، واللذان قاما بترجمة القرآن معا، مما يكشف عن تجربة مهمة من طرف اثنين من رجال الدين في القرون الوسطى اللذان حاولا مد الجسور بين الإسلام والمسيحية. وأضافت بن دريس أن مثل هذه التجارب المتمثلة في محاولة فهم كل طرف للآخر، يجب ألا تبقى رهينة الماضي، بل يلزم تكرارها في الحاضر أيضا. ومن جانبها، قالت فيلومينا لوبيس دي باروس، أستاذة بقسم التاريخ التابع لجامعة إيبورا البرتغالية أن مدينة لشبونة خلال القرن الثاني عشر تكشف عن نموذج من الوساطة التي قام بها بعض المثقفين بعد سيطرة المسيحيين على المدينة في ظل أجواء رفض لكل ما هو إسلامي بها، مشيرة إلى أن الحملات المسيحية لم تستطع محو طابعها الإسلامي، مما فرض تعايشا بين الإسلام والمسيحية على نفس الرقعة الجغرافية التي ولدت بها هوية جديدة هي خليط بين هويتين. وشددت أنا ماريا تابيا، مديرة الدراسات العبرية في جامعة الشيلي، على أن الديانات القديمة ولدت وفق مفهوم كلي يلغي التمييز بين الشرق والغرب ولا تتضمن أية إشارة إلى شيء اسمه صدام الحضارات، موضحة أن التعدد الذي نعيشه اليوم يجب أن يتحول إلى عامل إيجابي، مشيرة إلى أن التمرن على قبول الآخر الذي يحمل هوية مختلفة، مذكرة بقصة تلمودية تشير إلى رجل قام بإحداث ثقب في قارب بعرض البحر وعندما استهجن الركاب فعلته أخبرهم أن الثقب لا يوجد تحت مقعده، لكنهم اخبروه بأن الماء عندما سيغرق السفينة فالجميع سيهوى إلى قاع البحر. وأوضح مصطفى أمادي، أستاذ الأدب الإسباني بجامعة عين الشق بالدار البيضاء، أن تعليم لغة معينة يفترض تلقين مجموعة من القواعد الاجتماعية والقيم الثقافية، مما يبرز البعد الثقافي الكامن في كل لغة، مركزا على أن تعليم اللغات يساهم في إرساء أسس الحوار بين الثقافات ويفتح الأعين على أبعادها الإنسانية ويدفع في اتجاه تجاوز الأحكام المسبقة والكليشهات. وأكد نبيل دريوش، إعلامي مغربي، أن الصحف أيضا يمكنها المساهمة في الحوار بين الثقافات عبر عدة أوجه بينها الرصد اليومي لأهم المقالات الصادرة في صحف «الآخر» وترجمتها بشكل يومي يمكن المجتمعات من التعرف على بعضها بحكم أن الصحافة هي مرآة التحولات الاجتماعية والثقافية لكل مجتمع.