يكشف «الناجم. أ»، الشخص، الذي قطعت عصابة تتاجر في المخدرات ونهب الرمال بمدينة الصويرة، يده اليمنى، عن معطيات في غاية الخطورة. تفاصيل جريمة قطعت فيها اليد، بينما كان المستهدف بالقطع هو الجثة بالكامل، يقف وراءها الوالد، الذي زالت من قلبه الرحمة، والشقيق، الذي لم يضع لرابطة الأخوة أي اعتبار، ولم تعد لآصرة القرابة لدى أفراد العائلة أي قيمة. «الناجم» يحكي في لقاء مع «المساء» قصة هروبه من براثين عصابة يرأسها والده، بعد أن اكتشف اتجارها في المخدرات، وبعد الزج به في السجن، ومحاولة اختطاف أبنائه الصغار، قبل أن تعمد العصابة إلى محاولة تصفيته بقطع يده. ي غرفة صغيرة بمستشفى ابن طفيل بمراكش، يرقد «الناجم.أ» المزداد سنة 1979، بعد أن أجريت له عملية جراحية دامت 11 ساعة، صباح يوم الخميس 18 شتنبر الجاري. يضع «الناجم» مصحفا فوق رأسه، حمدا وشكرا لله بعد أن أعيدت له يده، التي كانت مفصولة عن مكانها، وعاد إلى الحياة بعد موت محقق. الوالد يزج بأبنائه في السجن والأم في المستشفى بدأت فصول الجريمة بتوريط الوالد لابنه في العمل في الممنوعات، دون أن يكون على علم بذلك. إذ بمجرد أن أخبر «الناجم» والدته أنه يسوق شاحنة لوالده، نهته عن القيام بذلك، لأنها كانت تعلم ما يخبؤه داخلها. أخبر «الناجم» والده بأنه لم يعد يرغب في العمل معه، لأن والدته نهته عن القيام بأي عمل حرام، بما فيه ما يروج له والده. تحولت حياة الأسرة إلى جحيم، بمجرد أن علم رب الأسرة أن أم الناجم نهت ابنها عن «العمل رفقة والدي في الحرام»، يقول الابن في حديث مع «المساء»، حيث شرع الوالد في تعذيب زوجته، وطردها من البيت، قبل أن يقوم بإدخالها إلى مستشفى الأمراض النفسية، بعد أن ادعى أنها تعاني من خلل عقلي. يتذكر «الناجم» كيف أن والده زج به رفقة أخيه في السجن، بعد أن ادعى أنهما قاما بسرقته، لكن المحكمة قضت ببراءتهما، بعد أن فطن القاضي أن الأمر لا يعدوا أن يكون شكاية كيدية، يقول الابن. لكن التهم لن تتوقف بعد أن «لفق لي تهمة جديدة، تتعلق بالاعتداء على زوجتي»، التي أقرت أمام المحكمة، بعد الضغط عليها من قبل الوالد، أنها كانت تتعرض للضرب من قبل زوجها «الناجم». «هددها والدي بأن يلحق بها الأسوء، إن لم تتقدم بشكاية إلى القضاء، تتهمني فيها بأني أعتدي عليها بالضرب وأني أعذبها». وهكذا خضعت الزوجة، التي تعاني من سرطان في الدم لضغوط وتهديدات والد زوجها، ليحكم على «الناجم» بستة أشهر حبسا نافذا. قاطع أفراد الأسرة والدهم لمدة سبع سنوات، قبل أن يقرروا أن يصلوا رحمهم، ويعيدوا الود إلى أسرتهم الصغيرة، التي صارت متفككة بفعل سلوكات الوالد. توجهوا صوب المستشفى، بينما كانت زوجة والدهم الأولى تلد هناك، دخلوا المستشفى رفقة والدتهم من أجل إعادة الدفء للأسرة، لأن «المولود المنتظر حينها هو أخي من والدي»، يقول «الناجم»، لكن الآتي سيكون أكبر وأعظم. توديع زوجته المريضة بسرطان الدم هاجر «الناجم» دوار العرب، التابع للمجال الحضري لمدينة الصويرة، منذ حوالي سنتين ونصف، في اتجاه مدينة أكادير، تاركا أبناءه (حميد، 12 سنة، ووجدان، 9 سنوات) وزوجته، وذلك تحت ضغط الوالد، الذي يشرف على «مافيا» لنهب الرمال، وعصابة تتاجر في المخدرات. وفي أكادير استلم شاحنة والده من أجل العمل في مجال نقل السمك. «سعى إلى إبعادي عن المدينة صوب العيون، باش يتهنا مني، ويدير ما بغا هو والعصابة»، يقول «الناجم» ل»المساء». عادت المياه إلى مجاريها، بشكل مؤقت، وبدأ «الناجم» يشتغل مع والده بمدينة أكادير، حيث كان يسوق شاحنة لنقل الأسماك، ويتجه بها صوب مدينة العيون، هناك، حيث كان يعمل في نقل السردين من الميناء إلى معمل لتصبير السمك، تابع لشركة معروفة، تعود ملكيتها إلى برلماني من أصول فاسية. عمل «الناجم»، لمدة سنتين، على سياقة الشاحنة، التي تعود ملكيتها إلى والده، نقل على متنها الأسماك من الميناء إلى معمل تصبير السمك بالعيون، وكان يرسل عائدات النقل إلى والده كل شهر، عبر حوالات بريدية، توجد بحوزة «الناجم» إلى الآن. خلال تلك المدة (سنتين) كان أفراد العصابة، التي يتزعمها «عمر» وشقيقه «إبراهيم»، بمساعدة «حماد»، يقومون بنقل المخدرات من دوار العرب الصويرة إلى مدن الصحراء ومنها إلى موريتانيا، يقول «الناجم». مكث «الناجم» في مدينة العيون مدة طويلة، لم يتمكن خلالها من رؤية فلذات كبده، وزوجته، التي تعاني من سرطان في الدم، وسبب ذلك أن الوالد «زعيم العصابة» توعده بالأسوأ في حالة إذا فكر في رؤية أسرته من جديد، «أنا أعرف أنه إذا قال شي حاجة كايديرها»، يقول «الناجم». ذهب الابن إلى منزل والده، وقبّل يديه راجيا منه السماح له بالعودة إلى منزله لرؤية فلذات كبده وزوجته، الذين اشتاق إليهم، لكن قلب الوالد أخذ من الحجارة قسوتها، ولم يرِق ولو للحظة واحدة، يرى فيها الأب أبناءه وزوجته. محاولة اختطاف طفل فاشلة [[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"13304","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]] بعد أن أخبره والده بأنه يريد شراء شاحنة يسوقها مثل باقي أفراد العصابة، من أجل نقل المخدرات فيها، قرر رب الأسرة العودة إلى حضن أولاده وزوجته، عندما علم أن الأخيرة تعاني من سرطان في الدم، حينها قرر العودة إلى منزله بدوار العرب، كي «أتسامح معها (زوجته) وأراها رؤية أخيرة، قبل أن أسمع في يوم من الأيام القادمة، نبأ لقائها ربها»، يقول «الناجم» بصوت خافت ملؤه الحزن والأسى على أوضاع أسرته. عاد الابن بعد أن سلم لوالده الشاحنة والأموال، وكل الوثائق الخاصة بعمله، فوجد أن الوالد بدأ في تطبيق تهديداته، إذ حجز كل أثاث المنزل الصغير داخل مخزن «خلا لينا الضس». أسر الولد الصغير «حميد» لأبيه بمعاناتهم، من تعذيب وتهديدات من أفراد العصابة، بينما كان غائبا عنهم، راجيا إياه «ماتمشيش وتخلينا عافاك»، عبارة نقلها «الناجم» عن ولده الصغير، والدموع تكاد تنهمر من عينيه، قبل أن يطمئنه بأنه لن يفارقهم مرة أخرى. قرر «الناجم» السفر إلى موريتانيا للعمل رفقة أخيه في التجارة، وبمجرد أن علم الوالد أن ابنه بصدد استصدار جواز سفر له، نفذت العصابة عملية اختطاف للطفل الصغير، لكن المحاولة باءت بالفشل، الأمر الذي اعتبره «الناجم» إنذارا أوليا، جراء عودته إلى دوار العرب، الذي يبعد عن الصويرة بحوالي 9 كيلومترات، وعصيان أوامر والده. تقدم «الناجم» بشكاية إلى المصالح الأمنية بآيت ملول، ليتوجه صوب الرباط، حيث وضع شكاية لدى وزير العدل والحريات، ووزارة الداخلية، والوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمدينة آسفي، على اعتبار أنه كان متأكدا أن مجهوداته لن تؤتي أكلها بمدينة الصويرة. بعد أن أخبر»الناجم» فاعلا جمعويا أنه تعرض للاعتداء من قبل ابن عمه، الذي هو عنصر في العصابة، توجه الاثنان صوب الدائرة الأمنية بمنطقة السقالة، من أجل تقديم شكاية. سأل المسؤول الأمني «الناجم» عن سبب حضوره إلى مقر الدائرة، لكن بمجرد أن أخبره أنه يريد معرفة مصير شكاياته، خاطبه العنصر الأمني قائلا: «انت باقي ما بغيش تدخل سوق راسك». وضعت الأصفاد في يدي «الناجم»، وشرعوا في إشباعه ضربا إلى أن أغمي عليه، ليتم نقله قبل حوالي 20 يوما إلى المستشفى على متن سيارة للإسعاف. بعد يوم من الإسعافات، مكث «الناجم» أربعة أيام ب»كوميسارية» السقالة، هدد خلالها بالإقدام على الانتحار شنقا، الأمر الذي جعل ضابطا يتدخل ويهدئ من روعه، قبل أن يتم عرضه على أنظار وكيل الملك، الذي أفرج عنه بكفالة مالية. «قال ليا واحد الضابط واخا تدوز الحبس، خوي البلاد أصاحبي»، عبارة استغرب «الناجم» أن تصدر عن مسؤول أمني يملك «فيلا» في دوار العرب، وشركة لكراء السيارات. حان وقت التصفية الجسدية «بعد كل هذه المحاولات، التي أفلت منها قرروا تصفيتي»، يؤكد «الناجم»، الذي أجريت له عملية مستعجلة بمستشفى ابن طفيل بمراكش، بعد أن قطعت العصابة يده. ليلة الاعتداء عليه، توجه «الناجم» إلى دوار العرب، بعدما كان وسط مدينة الصويرة، حيث التقى بشاب يقطن بالدوار نفسه. استقلا سيارة أجرة صوب الدوار، لكن الغريب الذي أشار إليه «الناجم» في حديثه مع «المساء» أن رفيقه في «الطاكسي» نهاه عن النزول في بداية الطريق، طالبا منه الاستمرار في ركوب سيارة الأجرة إلى حين الاقتراب من المنزل، «وكأنه كان خايف أو حاس بشي حاجة غادة توقع»، يقول «الناجم». على طول الطريق كانت المعلومات تصل إلى باقي أفراد العصابة عن مكان وصول «الطاكسي»، الذي على متنه «الناجم». أحس ابن مدينة الصويرة أن أمرا رهيبا سيقع، عندما هم بالدخول إلى منزل خاله، حيث كانت الأعين تراقبه، وصوت الأقدام يرن في أذنيه. غادر المنزل خوفا على حياة الأطفال الصغار، الذين كانوا داخله، وفي غياب والدهم. بدأ «الناجم» يتنقل من دوار إلى آخر، هربا من الأعين التي تراقبه وتتبعه، حيث توجه صوب منزل ابنة خاله في دوار مجاور، بعد أن قطع مسافة ثلاثة كيلومترات داخل غابة مظلمة. عاد «الناجم» رفقة شاب يدعى «عز الدين» إلى بيت خاله، بعد أن قطعا مسافة ثلاثة كيلومترات داخل غابة موحشة، ليطلب منه إحضار ملابسه بمجرد وصولهما إلى مكان مبيتهما، من أجل قضاء الليلة رفقته. لمح «الناجم» شخصا يقف أمام دكان، والذي لم يكن سوى شقيقه، «أحسست بالأمان، لأن الذي يقف هناك أخي»، لكن بمجرد أن توجه صوب الدكان حيث يقف شقيقه، حتى داهمته عصابة مكونة من ثمانية أفراد، يحملون سيوفا وسكاكين، طوقوه من كل جانب. «بيتشو» ينقذ اليد من قبضة العصابة قبض أفراد العصابة على «الناجم» وأغلق صاحب الدكان محله وهرب من المكان، ليقوموا بإسقاطه أرضا. وقف شقيقه أمامه، وخاطبه بالقول: «صافي، تقاداو ليك، عييتي»، لكن توسلات «الناجم» لم تجد نفعا، بالرغم من أن العصابة، التي تود الاعتداء عليه، مكونة من شقيقه «زهير»، وعمه، وابن عمه، وأشخاص آخرين. «ماشي غادي تموت، غادي نعذبوك أولا، وغادي نقطعو ليك إيديك باش كاتكتب، وفمك باش كاتهضر»، عبارة نطق بها الزعيم «زهير» في وجه شقيقه، ليقوم بعد تلقيه الضوء الأخضر من والده عبر الهاتف، بأمر «محمد» بقطع يد شقيقه. لم يقو «الناجم» على التعبير بالكلمات عن لحظة قطع يده، ووضع كفه على وجهه، وكأنه يحاول محو تلك اللحظة الأليمة من ذهنه وذاكرته. لكن يتذكر الضحية أنه أغمي عليه لدقائق قليلة، قبل أن يستعيد وعيه، ويسمع حديث أفراد العصابة، حول جلب بعضهم لدلو من أجل تقطيع جثته بالكامل، وغسل دمه بالماء، حينها استغل «الناجم» فرصة مغادرة بعض الأفراد مكان الجريمة، ليقوم ويهرع صوب منزل خاله. تبع أفراد العصابة الضحية، وصاروا ينهالون عليه بالحجارة لمسافة 600 متر، تاركا يده المقطوعة في مكان الحادث. عاد أفراد العصابة إلى مكان الجريمة من أجل محوا آثار فعلتهم، لكن رفيق «الناجم» في الطاكسي، حال دون ذلك. إذ حمل الشاب، الملقب ب «بيتشو» اليد المقطوعة، وتوعدهم في حالة الاقتراب منه، بعبارة «أقسم بالله ويقرب شي حد، حتا نموت معاه اليوم». سلم «بيتشو» أفراد الأسرة اليد المقطوعة، وتوجه رفقة عناصر الأمن للإدلاء بمعطيات حول الحادث، حينها نقلت سيارة الإسعاف «الناجم» إلى مستشفى محمد بن عبد الله، حيث قدمت له الإسعافات الضرورية، قبل أن يربط القائمون على المستشفى الاتصال بمدير مستشفى ابن طفيل، البروفسور هشام نجمي، من أجل الاستعداد لاستقبال حالة مستعجلة. أدخل «الناجم» إلى غرفة العمليات بمستشفى «سيفيل» على عجل، مرفوقا بيده، التي وضعت في ثلاجة صغيرة بمدينة الصويرة، ليستغرق طاقم طبي أشرف عليه البروفسور شفيق، مدة 11 ساعة (من 11 ليلا إلى 14 والنصف زوالا) من أجل رتق اليد وإعادتها إلى مكانها الطبيعي. وأوضح مصدر طبي في حديث مع «المساء» أن الطاقم الطبي المكون من 10 أطباء وممرضين، من مختلف التخصصات (العظام، القلب، التخدير...) قاموا بمعالجة العظم أولا، قبل الشروع في رتق العروق، ثم الجلد، إلى غير ذلك من مراحل إعادة اليد إلى مكانها الطبيعي، في عملية وصفت بالنوعية.