لو علم المهندس الفرنسي «فرانسوا زيفاغو» ابن مدينة البيضاء، الذي قام بتصميم الممر الأرضي القريب من فندق حياة ريجنسي بالبيضاء في مرحلة السبعينيات من القرن الماضي، أن هذه المعلمة التي كانت ملتقى لجنسيات مختلفة ومكانا يتحلق فيه سكان المدينة القديمة حول رواة الحلقة الشعبية، سيتحول إلى مرحاض عمومي، تزكم الروائح المنبعثة منه الأنوف، كما تحول الفضاء إلى مطرح عمومي للأزبال، ومرتعا للمشردين, لما فكر في تصميمه. ويبدو أن «زيفاغو» سيكون غير راض، وهو يرقد في قبره (توفي عام 2003) عما تتعرض له «الكرة الأرضية» كما يطلق عليها البيضاويون، فالرجل قام بتصميم عدة معالم بالمدينة كالسوق الموجود بزنقة أكادير، منها ما أضيفت إليه بعض التحسينات، في حين تعرض الممر الأرضي للإهمال. سعى «زيفاغو» من خلال الشكل الذي وضعه ل«الكرة الأرضية» إلى أن يتحول الفضاء إلى مكان للإخبار ولتوجيه زوار المدينة، وممر آمن للمارة. أحلام يقظة انتظر سكان الدارالبيضاء وزوارها، منذ نهاية سنة 2007 وطيلة الشهور الخمسة للسنة الماضية، لمعرفة ما يقع خلف الحواجز الحديدية والإسمنتية، التي تم وضعها طيلة فترة الأشغال التي تمت بالممر الأرضي. فالتصريحات التي أطلقها مسؤولو المدينة للسكان بأن الفضاء سيأخد شكلا يختلف عن السابق. وكانت فرصة حفل افتتاح مهرجان «كازا آر» الذي تشرف عليه جمعية مهرجان الدارالبيضاء، فرصة سانحة للترويج للفضاء، لكن البيضاويين وبعض مسؤولي المدينة، سيكتشفون أن ما تم الترويج له مجرد أضغاث أحلام، ولم تمر سوى شهور قليلة حتى تردت وضعية الممر، بسبب غياب أي تصور لمسؤولي المدينة لتدبير هذا الفضاء، فالمكان يعج بالقاذورات، فيما المحلات التجارية أصبحث مهجورة وحتى رجال الأمن أصبحوا غير قادرين على تنفيذ مهامهم بمكتب الشرطة الموجود أسفل (الكرة الأرضية). «كون خلاوها غير كيف كانت» يقول أحد الباعة، الذين اعتادوا عرض بعض المنتوجات على الرصيف داخل «الكرة الأرضية»، فالمكان، حسب محدثنا، كان قبلة للعديد من التجار من مختلف الجنسيات، خصوصا الإفريقية منها، المكان كان يضمن تعايشا خاصا وسط التجار المغاربة والأجانب، قبل أن تصيبه لعنة لا يعرف كنهها تقدم البنك المغربي للتجارة والصناعة لمسؤولي مجلس مدينة البيضاء، بطلب الحصول على ترخيص من أجل إصلاح الواجهة الأمامية لبناية البنك المحاذية لفندق «إكسلسيور». آنذاك وجد مسؤولو المدينة الفرصة سانحة لإعادة طرح فكرة ترميم الممر الأرضي التي كانت تراود المجالس المنتخبة منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث تقدم مكتب المجلس بطلب مماثل إلى مسؤولي البنك بإدراج «الكرة الأرضية» ضمن الإصلاحات التي يعتزمون القيام بها، حينها لم تبد إدارة البنك أي اعتراض على طلب المجلس. وأفاد مصدر بمجلس المدينة، أن الاتفاق مع مسؤولي البنك لم يكن مكتوبا، لكن يضيف المصدر«البنك قام باللي عليه». ورغم الصعوبات وجدها السكان، وزوار المدينة للمرور بين طرفي «الكرة الأرضية»، خاصة أنها نقطة التقاء للعديد من الشوارع والأزقة، وفضاء آمن لحماية الراجلين من مخاطر حوادث السير، ورغم طول مدة إنجاز المشروع، إلا أن فضول الوافدين على الملاح والمدينة القديمة كانوا ينتظرون رؤية الممر الأرضي في حلة جديدة، بعد الإهمال الذي طاله لعشرات السنين. وأسر مصدر ل«المساء» أن عمدة المدينة وأثناء قيامه بزيارة عين المكان للاطلاع على ما تم إنجازه قبل فتحه في وجه العموم، أبدى تبرما من نوعية الإصلاحات التي تم إنجازها، وأضاف نفس المصدر أن ما تم القيام به من طرف البنك لم يكن في المستوى المطلوب، خاصة وأن عمدة المدينة كان يأمل أن يتحول الفضاء إلى إحدى الواجهات السياحية والاقتصادية بالمدينة. مركز للقاذورات وعوض تسهيل حركة مرور الراجلين من الشوارع الثلاثة التي تخترق ساحة الأممالمتحدة، تحول إلى مكان لمختلف القاذورات، ومكان لانبعاث الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف، فالممر الأرضي تحول إلى مكان مهجور ومهمل وطاله النسيان من طرف المسؤولين. الباعة بالتقسيط الذين وجدوا في فضاء «الكرة الأرضية» المكان المناسب للبحث عن لقمة العيش لأبنائهم، غادروا المكان بعد نفور الزبناء من المكان، بسبب الوضع غير الإنساني الذي يوجد عليه الممر، حيث تحول المكان إلى مرحاض عمومي لمرتادي الحانات المقاهي وسط المدينة بسبب غياب مراحيض عمومية. هذا الوضع دفع الباعة إلى استغلال جنبات البنك لعرض سلعهم مباشرة بعد أن يغلق البنك أبوابه في الساعة الخامسة زولا، خاصة وأن المصابيح الكهربائية الموجودة بالممر تم إتلافها. كما أن النافورة التي كانت تستقبل النقود النحاسية من طرف العابرين بالممر والتي يتم استغلالها في القيام ببعض الإصلاحات اختفت كثير من معالمها الأصلية. إعادة الروح لربط الماضي بالحاضر، قرر مسيرو جمعية مهرجان الدارالبيضاء، أثناء انكبابهم على التحضير لمهرجان « كازا آر»، إدراج مجموعة من الإصلاحات ضمن الميزانية المخصصة للمهرجان. وهكذا قرر مسؤولو جمعية مهرجان البيضاء إسناد عملية صباغة وطلاء «بلورة» الكرة إلى أحد الفنانين البيضاويين، وهو الرسام سعيد حسبان، هذا الأخير، وكما جاء في ورقة قدمها بالمناسبة، حاول أن يعيد الروح إلى هذه المعلمة التي طالها الإهمال، منذ أن تم تصميمها وإنجازها من طرف المهندس «زيفاغو» وأن يعيد إليها كثيرا من توهجها. ورغم المجهودات المبذولة من طرف الرسام حسبان، في محاولة منه، لإعادة الحياة إلى الشكل الكروي، الذي يتشكل من أضلع حديدية عبر تنويع في الألوان ما يسمح بزيادة نسبة الضوء داخل الممر، فإن هذه المجهودات تبقى غير ذات أهمية، بسبب غياب المراقبة والصيانة الاعتيادية للمكان. كما يرفض مسؤولو الشركة المفوض لها ملف النظافة تنظيف المكان، وحجتهم في ذلك أن العقدة التي تم توقيعها مع الشركة المفوض لها أمر النظافة بوسط المدينة لا تتضمن تنظيف المرافق التابعة لمجلس المدينة من الداخل. في 20 ماي من السنة الماضية، تم فتح الممر التحت أرضي من طرف مسؤولين بالمدينة، في إطار فعاليات مهرجان «البيضاء فن»، حيث غادر الوفد الذي أشرف على حفل انطلاق المهرجان إلى أحد الفنادق القريبة من الممر، دون أن يولوا وجوههم إليه منذ تلك اللحظات. محمد ساجد عمدة مدينة الدارالبيضاء، أكد في تصريح ل«المساء» أن المجلس بصدد البحث عن شركة تتولى تدبير المحلات التجارية السبعة والتي كانت في السابق، عبارة عن واجهات لوضع العديد من الملصقات الإشهارية، قبل أن تتحول إلى محلات تجارية يتم استغلالها من طرف مجلس المدينة. بالنسبة لعمدة المدينة، فإن تدبير هذا الفضاء يجب أن يتم في إطار شمولي يقطع بصفة نهائية مع طريقة توزيع المحلات على بعض الأشخاص، يمكن أن يثير الكثير من اللغط، والحل في نظر عمدة المدينة هو البحث عن شركة عن طريق وضع طلب عروض للسهر على تدبير الفضاء بجميع المرافق التابعة له. وأضاف ساجد أن المجلس لم يقتنع بالعروض التي قدمتها الشركات، بناء على طلب العروض الذي أعلنه مجلس المدينة. كما فتح المجلس مفاوضات مع شركة «رحال للضيافة»، حيث اقترح المجلس أن تتولى الشركة تقديم أكلات خفيفة. نبدة عن حياة «فرانسوا زيفاغو» ولد المهندس الفرنسي «جون فرانسوا زيفاغو» من أصل كورسيكي، بمدينة الدارالبيضاء في 8 غشت من عام 1916 وتوفي سنة 2003. غادر«زيفاغو» المغرب سنة 1937 لولوج المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة، حيث حصل على دبلوم في الهندسة المعمارية سنة 1945. يحاول «زيفاغو» قدر الإمكان المزج في أعماله بين الهندسية العربية الإسلامية والهندسة الحديثة. ويعتبر «زيفاغو» عضوا في «الاتحاد الدولي للهندسة الحداثية». في سنة 1947 قام بوضع تصميم على شكل «فراشة» لفائدة رجل الأعمال آنذاك سامي سويسا. يمزج «زيفاغو» في أعماله الهندسية بين عدة ألوان مستفيدا قدر الإمكان من أشعة الشمس التي يتميز بها المغرب، ل«زيفاغو» العديد من الأعمال التي لا زالت حاضرة بمختلف المدن المغربية، ولا تزال بصمات هذا المهندس المعماري حاضرة بعدة منشآت إدارية منها المركزي البريدي بوسط المدينة ومقر الوقاية المدنية مما أهله للحصول على جائزة آغا خان للمعمار سنة 1980، ومن بين المنشآت التي ساهم في وضع تصاميمها هناك: > 1956 وضع تصميم المحكمة الابتدائية بالمحمدية. > 1958 وضع تصميم المحكمة الابتدائية بابن احمد. >1960 مجموعة مدارس «بيزيه» بالبيضاء. > 1976 فيلا الغيساسي بالرباط. > 1953/ 1960 مركز الإصلاح والتهذيب بتيط مليل. > 1960 ساهم رفقة مهندسين آخرين في إنشاء المحطة الحرارية بسيدي حرازم. > 1960 ساهم في إعادة بناء مدينة أكادير التي تهدمت بفعل الزلزال.