قدر المواطن المغربي أن يتجرع كل صباح مرارة المعاناة مع «الطرانسبور».. قدره أن يشكي ولا يجد من يسمع له نداء.. وقدرنا جميعا، أن نقضي ساعات طوال للوصول إلى مقرات عملنا.. ووحده المواطن من يتجرع آلام التأخير في الوصول.. يحتاج معها لتبريرات كثيرة لشرح موقفه لرب العمل.. قدر المواطن أن يحلم كل مرة بانفراج في أزمة المواصلات.. يحلم بحافلات وقطارات وترامواي تضبط عليهم ساعتك.. ولكنه حلم ممنوع.. في وقت لازالت فيه شوارعنا تئن من تجوال حافلات مهترئة وسيارات أجرة تتكدس فيها العباد مثل علب السردين.. وقطارات اتخذت لنفسها شعار «اللي بغا يوصل راه النهار طويل» وتخلص لعادة التأخير في المحطات والتوقف في الخلاء.. قبل أن «تكمل الباهية» بحوادث سير مميتة.. في البيضاء، عانى المواطنون كثيرا من توقفات غير مبررة للترامواي.. عانوا من مكيفاته المعطلة ومن تلكأ سائقيه في إخبار الركاب بما يقع.. إذ يتوقف الترامواي بعيدا عن المحطة ويصبح الركاب أشبه بسجناء دون الحاجة إلى ارتكاب فعل إجرامي.. ذنبهم أنهم اقتطعوا تذكرة الوصول فأصبحوا عالقين في قاطراته دون أن يكلف السائق نفسه عناء شرح ما يقع.. تضيع معها مصالح الركاب بتأخير لا إرادي.. واللي مزروب يكمل الطريق فطاكسي صغير.. فهل قدر الركاب أن يهربوا من زوبية سيارات الأجرة والحافلات ليسقطوا في بئر الترامواي؟ وهل من الصواب أن نترك الراكب مسجونا لا يعرف ما يقع وماهي أسباب التوقف المفاجئ دون إخباره بما يقع؟.. واعرف أن البعض قد يجد حرجا شديدا للإجابة على أسئلة كهاته.. في باريس.. في بلد يتنفس فعلا عبق الحضارة.. تجد نفسك مشدودا أمام مواقيت وسائل النقل التي يمكن أن تضبط عليها ساعتك.. ففي محطات النقل الطرقي حركة دائمة طيلة النهار.. فما بين الميترو والحافلة والقطار، يمضي البعض إلى عمله والبعض الآخر إلى منزله دون عناء يذكر.. وقد لا يتطلب أمر الوصول بضع دقائق.. لايخطئ الميترو توقيته.. ولا يتجاوز محطاته.. ويخبرك البعض بحالة المواصلات.. ونحن هنا تعودنا أن نسمع فقط صوت المجيب الآلي في هواتفنا النقالة يخبرنا بنفاد الرصيد.. في وقت (تحرق) فيه الحافلات المحطات الأخرى في العديد من المناسبات، يلجأ معها الركاب إلى الصراخ.. «حل الباب أسمير..».. في باريس.. تتوقف الحركة.. إشهار على اللوائح الإلكترونية.. تسمع معها جمل اعتذار لطيف إذا تأخر القطار خمس دقائق، وهنا قد تتركك قطارات الخليع في الخلاء لساعات طويلة دون أن يهتم لأمرك أحد.. ما كاينش اللي يقول ليك حتى شحال فالساعة.. صحيح أننا نفخر بمغربيتنا.. ولكننا نأسف حقا لحال وسائل النقل ببلدنا، إذ تلزمنا فعلا مسافة زمنية.. أخاف أن أقول يمكن أن تقاس بسنة ضوئية.. لكي يصبح لنا نقل يحترم ركابه ومواعيده دون أن نلجأ إلى «الخطافة» لكي نصل إلى مقرات عملنا.. وقدر المواطن من جديد أن يكمل أسبوعه المهني بحرق الأعصاب داخل حافلات مهترئة.. يشتم خلالها رائحة عرق الآخرين.. وقد لا يصل إلى العمل إلا بعد أن يضيع ثلاث ساعات في الطوبيس.. وعندما تم التفكير في الترامواي لتسهيل وتيرة النقل اليومي في الدارالبيضاء، تفاقمت مشاكله و أصبح المواطن يعاني كثيرا مع الشوارع المسدودة، والحفر التي أصبحت مقبرة لعجلات السيارات.. معاناة حقيقية أدراري..