ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصابات السطو المسلح على الحافلات تروع البيضاويين

عصابة الماوكلي والغرابلي والعنق وعصابة الستة.. وحافلات 44 و 120و 10 و11و 55 و28 و143 و40 و65 و38 وغيرها، وتقنيات النعرة والساموراي والخليع والتكشميط، هي الوجه الجديد لإجرام روع البيضاويين، وعاشوا فصوله وكأنهم في حالة تصوير أفلام. السطو يتم في شوارع مزدحمة وبالقرب من مقرات أمنية، للإعلان عن جسارة في الإجرام ترفع تحديها للسلطات الأمنية بالولاية، والركاب ضاقوا ذرعا بتكرار مخيف لغارات عصابات تنتشر بمحاور الولاية بالرغم من إيقاف البعض منها.
- «عنداك رزقك.
-أودي راه خصنا نحضيو روسنا كاملين ماعرفتيهم إمت يطلعوا لينا وكيشطونا كاملين».
مقتطف من حوار دار بين راكبين للحافلة رقم 501 الرابطة بين حي اسباتة والبرنوصي، يعكس تحولا نوعيا في تاريخ النشل داخل الحافلات بالدار البيضاء. انتقل الوضع من عملية تتم داخل الحافلات باعتماد تقنيات التخفي والسرعة في زيارة جيوب الركاب، إلى مداهمة في واضحة النهار، من طرف عصابات تمتشق سيوفا على شاكلة الأفلام.
لماذا وصلت الجسارة إلى هذا الحد؟ ولماذا تتمركز أحداث مداهمة الحافلات بالأحياء الشعبية؟ وكيف نجحت عصابات الحافلات في هزم الركاب ؟.
جزر الرعب في حافلات البيضاء
عشية أول أمس عاش ركاب الحافلة 44 الرابطة بين منطقة عين الشق والحي المحمدي حالة رعب تكررت في الأشهر القريبة بمجموعة من النقط بتراب ولاية الدار البيضاء، رعب تكرر في صورة سطو مسلح، بدأ يكشف عن وجود مخطط مدروس، في الكيفية والتوقيت والتطبيق.
السطو المسلح تم في شوارع مزدحمة بالمارة، وبالقرب من مراكز أمنية، وقد يتم احتجاز الركاب لمسافة طويلة يخضعون فيها لشتى ضروب التعنيف والترويع، وكأن الأمر يتعلق بشوارع مقفرة في بلد يعيش حالة من السيبة.
الركاب حكوا كيف أن أفراد العصابات التي تسطو على الحافلات يصعدون إما بطريقة جماعية أو متفرقةإلى الحافلة، وتكون نقطة السيطرة على الحافلة محددة، يقتسمون الأدوار بين من يسيطر على أبوابها لمنع الصعود والهبوط منها وإليها، وبين من يزرع الترويع في الحافلة لشل كل ردة فعل قد تصدر من شهم داخل الحافلة، ليتحول كل الركاب إلى رهائن.
بعدها تبدأ عمليات التمشيط ل «البزاطم والصيكان والميكات والجيوب...»، وكلما اتضح أن محصول الغارة وافر، تغادر العصابة الحافلة بتنظيم محكم، وكلما اتضح أن جيوب الراكبين لم تف بالغرض يستمر الترويع حتى التأكد من عدم وجود غنائم مدسوسة.
يغادر الركاب وهو يحملون صورة مرعبة عن وضع أمني مفقود داخل الحافلة، تنطلق عبارات التنديد والشجب، وكل راكب يتمم قصته في المنزل أو المقهى، ينتشر الخبر تلو الخبر، وتكاد صورة هذا الإجرام الجديد تتآلف مع هذا الواقع المعاش.
منذ حادث هجوم عصابة على الحافلة 120 بشارع ادريس الحارثي بمولاي رشيد وسلب الركاب ، وبعدها حادث قتل أحد اللصوص من طرف شخص بالحافلة 501 بدا أن مناطق بالدار البيضاء تحولت إلى نقط انطلاق لأحداث احتجاز الركاب من خلال عصابات تمتشق سيوفا وتضع أقنعة، في عمليات سطو مسلح تتم في رمشة عين، وغالبا ما يتوصل الأمن بالحادث بعد أن تكون العصابة قد اختفت بين الدروب.
حافلات تنطلق من محاور أهم ما يميزها أنها تقع بأحياء شعبية، تنقل الركاب نحو مركز المدينة، وهي أحياء تولت حافلات الخواص النقل بها، بعد أن تركت الشركة الأقوى في النقل الحضري «مدينة بيس» لها هذه الخطوط بالرغم من تملكها لقرار احتكار النقل بالولاية.
محور منطقة مولاي رشيد حي التشارك الهراويين
يتشكل محور مولاي رشيد من نقط انطلاق تبدأ بحي التشارك والهراويين، وهي مناطق تتشكل من أحياء حديثة النشأة حيث تم تشييد مجموعة من الإقامات السكنية الجديدة في إطار السكن الاقتصادي، ومجموعات سكنية تدخل في إطار إعادة إسكان قاطني أحياء الصفيح ، إضافة إلى أحياء سكنية عشوائية بمنطقة الشيشان الشهيرة.
هذا التشكيل من السكن جمع بين قاطنين ينتمون لصغار الموظفين وبعض الساكنة من الطبقة المتوسطة إلى جانب عدد كبير من الطبقات الفقيرة التي وجدت نفسها مجبرة على انتفاضات غير قانونية لتشييد قبر حياة كيفما كانت الظروف، كما هو الحال في منطقة الشيشان، أو وجدت نفسها مجبرة على تغيير البراكة وظروف العيش وسط أحياء قديمة كالحي المحمدي، والسكن في أطراف المدينة كما هو الحال في المشروع السكني قرب مقبرة الرحمة، أو الذين سكنوا منذ مدة بأحياء التشارك والقادمين من كريان سيدي عثمان.
الأهالي بهذه المناطق يعاركون الحياة اليومية في رحلة صباحية معممة تستعمل فيها كل أنواع النقل من الحمير إلى السيارات، لكن الغالبية العظمى تجد نفسها مجبرة على ركوب «الطوبيس»، لأنه الوسيلة الأقرب إلى قدراتهم المادية.
منذ الصباح الباكر تزدحم مواقف الحافلات بالمناطق المذكورة بالركاب، وتنشط حركة غير عادية بين فترتي الصباح والمساء، ولأن الأعداد الوفيرة من الركاب تتجه في ساعات محدد إلى العمل، فإن الازدحام عادة يومية يعانون منها حتى تحولت إلى طقس معتاد، تتزاحم الأجساد لإنتاج كل الأعطاب المعروفة، ولأن الركاب خبروا بعضا من الخطير فيها، فإن التحوط من فقدان مصروف الجيب، ومخزون «البزطام» أصبح ضروريا لذلك من الصعب على النشالين التقليديين ممارسة سباحتهم بشكل مريح.
تيقن عدد من ممتهني النشل بهذه المناطق أن موضة النشل القديمة لم تعد تجدي نفعا، ولذلك اختلط هذا الاقتناع بتطورات جذرية في سلوك المجرمين الذين يعششون بهذه المناطق، وأضحت العدوانية التي تتغذى من تهييج المهلوسات بمختلف أنواعها تدفعهم لاختيار وسائل مغايرة في ممارسة نشاطهم اللصوصي.
منطقة مولاي رشيد من المناطق التي ما زالت العديد من شركات النقل الخاصة تمارس نشاطها بها، هي حافلات جزء من أسطولها غير صالح للنقل، ولأن ركابها مجبرون على امتطائها، لأنها الوسيلة الوحيدة للوصول إلي مناطق بعيدة كالحي الحسني وليساسفة ومركز المدينة، فإن ظروف الرحلات الطويلة تعد عملا يوميا شاقا، تبدو فيه وجوههم شاحبة وأجسادهم متهالكة غير مستعدة لأي تيقظ.
في رحلة واحدة على متن الحافلة 56 الرابطة بين حي التشارك ومركز المدينة، تبدو القصة واضحة، يتهادى الركاب منذ الساعات الأولى للظفر بمقعد داخل الحافلة، وفي النهاية لا يبدو أي راكب في حالة راحة، القاعدون على المقاعد الصلبة، سواء الحديدية منها أو المصنوعة من الألياف البلاستيكية الصلبة يعانون مع الأجساد المتحركة في كل توقف أو لمسة فرامل مفاجئة، لاأحد يشعر بأطراف بدنه، فالتخدير القسري لأطراف الجسد لعبة يومية تعايش معها الركاب.
تعبر الحافلة مختلف الأحياء الخطيرة بتراب عمالة مولاي رشيد، وفي كل محطة ينضاف ركاب لا تختلف تقاسيم وجوههم، حيث الغضب الدفين يسكن بواطنهم، لا وجود للتسامح، بل في كل حادث بسيط، تندلع موجة من السب والشتم، اعتادت عليها آذان الركاب، ولم تعد تثير أي استفزاز، كل ما يبقى منها مجموعة من الأحاديث التي تخوض في واقع البلاد والمدينة والعباد، وتنتهي بجمل نمطية تنقل الواقع إلى السماء من قبيل «الله يستر .. الله يحفظ...».
«حكهم فينا» تقول راكبة يعكس وجهها سلوك المرأة التي فرض عليها واقع المنطقة أن تكون «شرعة» تتملك قاموس السب والشتم وتحدي «الشمكارة» و«الشفارة»، وتحيط نفسها بهالة من الشراسة اتقاء «الحكرة» المستشرية في الحافلات.
كانت الراكبة تندد بتصرفات بعض الركاب، وتحيلهم على ما يتعرضون له من قبل عصابات السطو على الحافلات، تحتج السيدة، لأنها تعتبر أن «الرجال ما بقاوش»، ولهذا فإن قاصرين أصبحوا يسلبون ركابا ب «شلاغمهم» ما يملكونه وكأنهم «وليات» على حد تعبيرها.
تستمر رحلة الحافلة في إنتاج العديد من السلوكات أغلبها غير طيب، ولهذا لا تجد راكبا غير متأفف من الوضع، كل واحد يشتكي من شيء، فالعديد من الركاب متأففون من تعامل سائقي الحافلات مع الركاب، حيث تتجنب الحافلات التوقف بمحطة شارع الجيش الملكي، فيما تشهد حافلات أخرى، وعددها قليل، تكدسا وازدحاما لا يطاق على حد قولهم، وصرحت فتيات ونساء أن معاناتهن باتت يومية مع حافلات النقل الحضري، مما يتسبب في تأخرهن في الالتحاق بالمدارس ومقرات العمل ومساكنهن، وأوضحن أنهن ضقن ذرعا من الازدحام والتكدس والحالة المهترئة لأغلب الحافلات، مما يحول دون ركوبهن للحافلات سيما في ساعات الذروة، حيث طوابير من الركاب قد يطول فيها الانتظار لساعات، وأضفن أن سائقي الطاكسيات بدورهم يتجنبون إيصالهن إلى الوجهة التي يردنها.
محور مديونة ابن مسيك
حين تمكنت عناصر الشرطة القضائية للمنطقة الأمنية بعين الشق مؤخرا من توقيف أربعة جناة خلقوا حالة من الذعر والهلع في صفوف راكبي معظم خطوط حافلات النقل العمومي لمدينة الدارالبيضاء بينها الخطوط (11 28 60 68 107) ، عمدت خلالها عناصر عصا بة المدعو ” موكلي ” بينهم قاصر إلى استخدام الأسلحة البيضاء في مهاجمة راكبي حافلات النقل العمومي على مستوى حي التشارك.
بعد سقوط الشبكة الإجرامية والذي جاء بناء على توقيف أحد عناصر بعد مطاردته من قبل فرقة الصقور الأمنية بشارع محمد السادس على إثر اقترافه عملية سرقة أحد الضحايا بحافلة النقل العمومي الخط (11) ،اتضح أن بقية شركائه ينحدرون من مناطق مهمشة بمدينة الدارالبيضاء ( درب السلطان حي لالة مريم اسباتة).
والمنطقة التي عرفت عددا من عمليات السطو المسلح تنتمي إلى هذا المحور، فالعديد من الحافلات التي تشتهر بخطورة الركوب فيها تتمركز بين منطقة جميلة واسباتة ومديونة، وهي مناطق تتشابه في تركيبتها الديمغرافية مع محور مولاي رشيد التشارك.
الحافلات التي تعبر مسافات طويلة قد تتحول إلى رحلة بين مدينتين، وتعكس حالة الأزمة التي يعيشها الركاب، اجتماعيا، على سلوكهم، حيث يدخلون في التدافع والازدحام، مما يتسبب لبعضهم في خصومات يتبادلون خلالها السب بأقبح العبارات داخل حافلات مكتظة تتحول في غالب الأحيان إلى ميدان للملاكمة.
رحلة على متن الحافلة«120» بين منطقة السبيت ومركز المدينة تقدم نموذجا لتفجر هذه المعاناة في سلوك الركاب، فهذا شاب كان بصدد البحث عن مقعد بطريقة عنيفة، تسبب في لكز راكب آخر، فانطلقت معركة انهال فيها الشاب بالضرب المبرح على الآخر، لمجرد احتكاك جسدي بسيط بينهما وسط الحافلة المكتظة بالركاب، حالة من الصراخ والفوضى رافقت هذا الاشتباك، وفتحت مرة أخرى سيلا من التعليقات.
فهذا راكب ثوري يعتبر أن المخزن يتعامل مع هذه المناطق بمنطق التهميش، وتركهم يتصارعون طبقيا، لينسوا المشاكل الحقيقية التي تعيشها البلاد ويغوصون في صراعاتهم الخاصة، وهم في حالة من التخدير، هذا الكلام لا يصل لآذان الركاب المنشغلين بتبعات المعركة التي انطلقت للتو، فيما يتكفل رجل يترنح بالرد على «مداخلة » الراكب الثوري، بإرجاعه إلى الواقع.
«واتا الله يهديك مال المخزن ومالنا، راه بوزبال هو اللي مضارب بعضياتو» يقول الرجل الذي غزا لون «النفحة» شاربه، قبل أن يكمل هذيانه، عن «كحال الراس» و«الدريات» وغيرها من منغصات بدت شخصية أكثر منها مجالا مشتركا بين الركاب.
الارتباك الحاصل داخل هذه الحافلات يعكس جزءا من البيئة الحاضنة والتي تفتح شهية النشالين ولصوص الجيوب، الذين يجدونها فرصة ثمينة يستغلون فيها ظروف الازدحام لنشل الركاب الذين تغيب عقولهم بحثا عن فرصة لركوب الحافلة.
معاناة النساء داخل هذه الحافلة القادمة من منطقة قروية في اتجاه مركز التلوث تبدو مركبة، فهم مجبرات على خوض الصراع على جبهتين لتأمين حظوظهن في النقل العمومي، صراع من أجل الصعود إلى الحافلة، وصراع آخر لا يقل عنه قوة، من أجل حيازة كرسي شاغر أو حتى مكان يجنبهن شدة الازدحام والاحتكاك مع الرجال الذين يجد البعض منهم في ذلك فرصة للتحرش...
هذا الارتباك المزمن في تدبير قطاع النقل بالدار البيضاء، تحول إلى لازمة يومية للراكبين، وللمتفرجين بالمقاهي المنتشرة على طول الطريق.
أرقام الحافلات المحفوفة بالمخاطر معروفة لدى الركاب الذين احترفوا رحلات «الطوبيس»، ولا تكاد تجد من يقدم لك صورة مغايرة، قد تكون شدة الضغط الذي يعاني منه الركاب ، وتواتر الأحداث التي تستهدف الركاب في مجموعة من الحافلات، مانعا من تذكر بعض الخدمات الطيبة التي تقدمها بعض الخطوط، لكن المؤكد هو أن الصورة غير حميدة بتاتا.
محور ليساسفة الحي الحسني سيدي معروف
حوادث متعددة عرفها ركاب الحافلات التي تنطلق من تراب ليساسفة أو منطقة سيدي معروف والحي الحسني، الحافلات العابرة لهذه المناطق لا تختلف صورتها عن نظيراتها في باقي المحاور، وتتشابه المعطيات المجالية بينها سواء من حيث انتشار السكن العشوائي أو الإقامات الحديثة التي استقبلت ساكنة الأحياء الصفيحية، والعتيقة.
فالامتداد العمراني للدار البيضاء، ووجود العقار على أطراف هذه المناطق جعلاها في عمق التحول السكاني للمدينة، فالعديد من الشباب وجدوا أنفسهم بعيدين عن المناطق التي كانوا يقطنونها، ووجد عدد منهم نفسه موزعا بين «راس الدرب» الذي نشأ فيه، وبين سكن جديد جعل تدبره للمصروف اليومي يقل.
العديد من الشباب الذين كانوا يعيشون من حرف البطالة المقنعة، كبيع السجائر ولعب دور الكورتيا وغيرها من الحرف وجدوا أنفسهم بعيدين عن مراكز نشاطهم، كل ذلك شكل جزءا من هموم يسردونها كلما تجمعوا في المقاهي.
سعيد شاب يقطن حي النسيم بمنطقة سيدي معروف، الذي احتضن جزءا من ساكنة المدينة القديمة يروي كيف أن مجموعة من أصدقائه الذين وجدوا أنفسهم بعيدين عن أحيائهم التي ترعرعوا فيها، تحولوا إلى قطاع طرق، ولصوص يستعملون السيوف للاعتداء على المارة.
«ماعندهم مايدار، والكرمومة شاحفة» هكذا يلخص سعيد جزء من الدوافع التي حولت شبابا اعتادوا على تدبر أمر لفة الحشيش وقنينة الجعة وحبة الهلوسة بطرق أخرى، فوجدوا في ركاب الحافلات زبناء بديلين يستهدفونهم للحصول على مآربهم.
الحملات الأمنية التي شنتها القوات الأمنية بهذه المنطقة، تؤكد أن أغلب الموقوفين بتهم السرقة باستعمال السلاح الأبيض، هم شباب عاطلون أو مطرودون من الدراسة، ينفقون ما يسلبونه من المارة في اقتناء كل مواد التخدير، ويقتنون ألبسة غالية الثمن، لا يوحي مظهرهم بالفاقة، بل هم شباب يتصرفون بمنطق «رجال الأعمال» فتوسيع نشاط النشل والسرقة هو مجال التدافع بينهم لتحسين صورة «القافز والبوكوص ...» وغيرها من صفات التميز العنيد على الواقع الذي يعيشونه.
تاريخ السمعة السيئة للحافلات
لم يعد استغلال الازدحام على أبواب الحافلات واختلاق الشجار وإشاعة فوضى خلاقة بالحافلات كافية لترتيب طقوس السطو على ممتلكات الراكبين قسرا أو اختيارا لمجموعة من خطوط الحافلات بالدار البيضاء، حيث انتقل الإجرام في حافلات الدار اليضاء إلى سطو على شاكلة الأفلام، الأبطال فيه ليسوا بالضرورة أصحاب سوابق، بل انخرطت المدارس في تخريج جيل من المنحرفين، روعوا ركاب الحافلات وسلبوا صفوفا من الركاب ما كانو يحوزون عليه.
منذ الصورة الزرقاء لحافلات «الطاك» لم تكن سمعة الحافلات وردية، صحيح أن السلوك العام للصوص الحافلات كان مربوطا بالسلوك المجتمعي، فلصوص الحافلات الزرقاء كانوا معروفين بالنشالين، الذين يستغلون ازدحام الركاب، الذي تحول إلى عادة وتحول إلى نكث يتداولها البيضاويون، فلو كان أمام باب حافلة، تقل ما يزيد عن 40 راكبا، عشرة أنفار، لا تغمض لهم عين حتي يزدحمون على الكراسي المتوفرة في الحافلات الزرقاء.
ولأن الحاجة أم الاختراع، فقد كان النشالون يجدون في هذه الزحمة جوابا علي حاجتهم لمغفلين، يسمحون لأيادي اللصوص بالسباحة في جيوبهم، بحثا عما كانوا يسمونه ب«الفتخة» قبل أن يتحول مع احتراف عدد منهم لهذه العادة إلى «رزيق» لا بد من قطفه من دون عقد ذنب.
تواترت هذه العادة ومع ازدياد لصوص الحافلات الزرقاء، بدأ نوع من العنف يسجل خلال عمليات النشل، خصوصا مع تراجع «الرجلة» التي كانت تنهي يومية لص يتم اكتشافه داخل الحافلة إلى أقسام المستعجلات، بعد وجبة من «السليخ » الجماعي يصعب معها تحديد المقتص.
وبالرغم من الخطوط التي كانت تربط مناطق معزولة عن المركز، وكانت تمر من مجموعة من «الكاريانات» والأحياء الشعبية، لم يكن العنف بهذه الشراسة السائدة اليوم، فاللصوص كانت سحناتهم معروفة ولم تكن الجسارة قد بلغت حد اتفاقهم على مخططات لمهاجمة الحافلات.
صحيح أن تاريخ «الطاك» مر من مرحلة الحافلات المريحة نسبيا، وطقوس السائقين ذوو ربطات العنق، إلى مرحلة فوضى كانت نهاياتها مأساوية في التسعينيات، وانتهت بإقبار الوكالة بعد تاريخ مليء بالفساد والتواطؤ، فلم تترك سلوكا محمودا يشكل عادة للركاب.
حافلات القطاع الخاص تعمق السلوك العدائي
مع بداية النهاية للوكالة الحضرية للنقل المعروفة عند البيضاويين اختصارا ب «الطاك» حيث بدأ عصر الخوصصة أو «الخصخصة»، يطل برأسه على النقل الحضري بالدار البيضاء، في البداية بدا شكلا مختلفا بحافلات أنيقة من مختلف الألوان، فالاستثمار في القطاع أسال لعاب عدد من المستثمرين، وكان توزيع الخطوط في البداية انتقائيا، حيث احتفظت الوكالة بخطوط المناطق الصعبة وغير المربحة، واعتمدت الشركات الجديدة على تسويق صورة مختلفة للوضع البئيس الذي انتهت إليه حافلات النقل الحضري.
ولأن التربة غير صالحة، فقد انتهت هذه الحافلات ري وضع لا يختلف عما عانه الركاب، إلى درجة أن عددا من الشركات حولت شوارع الدار البيضاء إلى «لافيراي»، حافلات مهترئة اكتظاظ مهول، ومعه نفس سلوكات النشل، بل تطور الوضع لتتحول عمليات السطو شيئا فشيئا إلى اعتداءات في واضحة النهار، وتحول جيش المراقبين الذين زرعتهم الشركات لمراقبة التذاكر، إلى أشخاص مشبوهين في تواطئهم مع اللصوص الذين تخلق لهم أجواء السطو على جيوب الركاب.
ومع المشاكل التيب تراكمت بين المستخدمين وشيوع الاضرابات في قطاع الحافلات التابعة للقطاع الخاص، بدأت قصص السطو تأخذ منحى عنيفا، وبدأ الركاب يشتكون من تعرضهم لسلب منظم داخل هذه الحافلات، دون تدخل لحمايتهم.
«مدينة بيس» تؤمم الخطوط وتغض الطرف عن المفلس منها
مع فشل القطاع الخاص في حل مشاكل النقل بالدار البيضاء، دخلت تجربة التدبير المفوض، التي سمحت لشركات بالتكتل للسيطرة على النقل الحضري بالدار البيضاء، ولم تفلح حافلات باريس في حل كل المشاكل، فقد بدا أن مرض الاكتظاظ وطول الانتظار الذي يشكل تربة اللصوص مستمران.
ويتضح من خلال استعراض الحافلات التي كانت مجالا للسطو المسلح، أن معظمها ينتمي لحافلات القطاع الخاص التي ما زالت تؤمن النقل بخطوط تنتمي في أغلبها إلى محاور يكثر فيها العنف والاجرام، وتشكل نقط انطلاق العصابات للإغارة على الحافلات.
وفي انتظار شروع «الترامواي» في العمل، تكون سلطات البيضاء قد كشفت عن عجز تام لحل معضلة النقل بالمدينة، لتفسح المجال لعربدة لصوص تحولوا إلى عصابات في حافلات لاأمن فيها، تشيع قدر «اركب والسلامة من عند الله»، وهو واقع وضع السلطات الأمنية التي تشتكي من ضعف الامكنيات المتاحة، لتغطية شبكة نقل ممتدة، كما تفصح عن سلوك انهزامي للراكبين في التصدي لعصابات استلذت نجاح عملياتها لتعيد إنتاجها.
هو واقع مخيف بالنسبة للسكان، لا مبالغة فيه، فالاستماع لما يدور في أحاديث الناس بالمقاهي والحافلات والمنازل، يؤكد أن رعبا بدأ يسيطر على من يجبرون على ركوب الحافلات بمختلف تراب الولاية. فهل من يقظة قبل أن يعم اليأس؟.
أشهر العصابات التي تم التعرف عليها
عصابة الماوكلي: كانت نهاية عصابة الماوكلي بتراب منطقة عين الشق أفرادها يمتهنون اختطاف حافلات النقل العمومي وسرقة ركابها، تحت التهديد بالسلاح الأبيض. أفراد العصابة الخمسة، أحيلوا مؤخرا على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء. العصابة يتزعمها تلميذ يدرس بثانوية الحسن الثاني بسباتة، لا يتجاوز عمره 15 سنة، كانوا يستهدفون حافلات النقل العمومي، حين عتقلته الفرقة الجنائية، وجدت في حقيبته المدرسية سكينا من الحجم الكبير، كان يخبئه بين كتبه، ويدخلها معه في الثانوية.
عصابة الستة: تم إيقافها بعد السطو المسلح على الحافلة رقم 55 التي تنطلق من مستشفى مولاي يوسف لتعبر شوارع: بوردو، ساحة لاكونكورد، الجيش الملكي، المقاومة، ابن تاشفين، باتجاه حي عقبة بن نافع. وتمر هذه الحافلة في طريقها بأحياء عادل، السلامة، السدري، حي الفلاح، مولاي رشيد المجموعة واحد ، وحي المسيرة وللا مريم لتصل إلى منطقة الهراويين.
عصابة الغرابلي: ظلت العصابة تنشط بتراب المدينة القديمة، وهي منطقة وصول مختلف الحافلات القادمة من محاور الدار البيضاء، ويتم استغلال التوقف الاضطراري للحافلات بشوارع المركز، بفعل الأشغال التي دامت لمدة طويلة، لتمارس مداهمتها للحافلات.
عصابة العنق: هي عصابة تم إيقافها من طرف مصالح الأمن بالبيضاء ثلاثة أشخاص كانوا ينتمون إلى عصابة قامت بعملية سطو على إحدى الحافلات العمومية بحي العنق وسلبت الركاب كل ما بحوزتهم، وكانت العصابة تستغل توجه عدد من الحافلات نحو كورنيش عين الذئاب، لتباغتها في مناطق قريبةمن الأحياء الشعبية بالمنطقة.
كيف يتم التكشميط؟
تتم العملية وفق تنظيم محكم توزع فيه الأدوار بين أفرادها، وقد تتخذ عملية السطو شكلين.
إما أن يتم الصعود إلى الحافلة من موقف واحد أو يتم الصعود على دفعات درء للشكوك
بعد صعود أفراد العصابة إلى الحافلة، يتم إشهار السيوف، مرفوقة بصراخ كله سب وشتم لترويع الركاب وشل حركتهم.
يتم إحكام السيطرة على الباب الأمامي والخلفي للحافلة لمنع الصعود والهبوط من وإلى الحافلة، وغالبا ما تبقى إحدى الأبواب مفتوحة درء لتعنت السائق في إغلاقه.
مباشرة يذهب أحد أفراد العصابة إلى السائق، ويتم وضع رأس السيف على كليتيه، وتسمى بعملية «النعرة».
يتم تهديده بالالتزام بمسار الحافلة دون أي تردد وإلا سيكون مصيره الموت، وتسمى العملية بتهديد «السيروم».
يتم تهديد الركاب بأوخم العواقب، ويتم القسم بأن من حاد عن التعليمات لن يتمم عملية النزول بسلام.
بعد السيطرة على الحافلة يبدأ باقي عناصر العصابة في سلب الركاب، وتسمى العملية ب «التكشميط» أي جمع كل شيء يكون بحوزة الركاب.
بعد إتمام العملية يطلب من سائق الحافلة الالتفات إلى اليسار، ويتم نزول أفراد العصابة على دفعتين.
يتم إخراج مجموعة من الحجر تكون ملفوفة في كيس بلاستيكي، ويهددون السائق والركاب، ويطلبون منه التحرك، ثم يقصفون عجلات الحافلة وإطارها بالحجارة، لبث الهلع.
مباشرة بعد تحرك الحافلة تختفي العصابة بين الدروب، وتبقى قصة السطو مع الركاب كل وحكايته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.