قررت النقابات والجمعيات المهنية المشاركة في الإضراب الوطني بقطاع النقل تعليق الإضراب الوطني بعد تسعة أيام من إضراب شل أغلب المرافق الحيوية بالبلاد. وجاء قرار تعليق الإضراب بعد المشاورات التي أجرتها النقابات المضربة فيما بينها صباح أمس الأربعاء بالمقر الجهوي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالبيضاء، وتبين لها أن مراعاة الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد والحفاظ على السلم الاجتماعي يتطلبان اتخاذ مثل هذا الموقف. وكانت النقابات قد عقدت لقاء يوم الإثنين الماضي مع الوزير الأول عباس الفاسي بحضور عدد من الوزراء، من بينهم وزير النقل والتجهيز كريم غلاب غير أن الاجتماع لم يسفر عن أي نتيجة. وبعد فشل الاجتماع توترت العلاقة بين السلطات العمومية والنقابات المضربة وتطورت الأمور إلى حد القيام بحملات أمنية ضد المضربين وقياداتهم النقابية. وفي هذا الإطار، اعتقلت الشرطة القضائية بولاية الدارالبيضاء محمد ميطالي من أمام منزله بالحي المحمدي رفقة أحد السائقين أمس الأربعاء حوالي الساعة السابعة صباحا، على خلفية شكاية موجهة ضده من طرف الشركة الوطنية للنقل واللوجستيك، تم إطلاق سراحه منتصف نهار أمس. وقال محمد ميطالي في تصريح ل»المساء» «إن التهمة التي وجهت إليه تتعلق بإتلاف محتويات ثلاث شاحنات تعود ملكيتها للشركة الوطنية للنقل واللوجستيك، التابعة للدولة»، وأضاف أن « التهم الموجهة إليه لا أساس لها من الصحة». وأفادت مصادر مطلعة أن سلسلة اعتقالات استباقية انطلقت على الصعيد الوطني، تحسبا لأي طارئ، تمت، وبتعليمات صارمة، مباشرة بعد اللقاء، الذي عقدته النقابات المضربة صباح أول أمس الثلاثاء بالمقر المركزي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، مع محمد نوبير الأموي الكاتب العام لنفس النقابة رفقة أغلبية أعضاء المكتب التنفيذي، مما أجج غضب أطراف داخل الدولة. وفوجئت النقابات التي حضرت الاجتماع بالحضور المكثف لأعضاء المكتب التنفيذي وإعلان النقابة مساندة المضربين عبر دعم حركتهم الاحتجاجية، مما دفع بأطراف داخل الدولة إلى التحرك من أجل تعليق الإضراب عبر التفاوض مع المضربين حتى لا تتحول مطالب المضربين إلى مزايدات سياسية. على صعيد آخر، عقد قياديون من حزب الأصالة والمعاصرة لقاء مع المضربين في الساعات الأولى من ليلة الثلاثاء والأربعاء بمدينة الدارالبيضاء من أجل إيجاد تسوية وصيغة تحفظ ماء وجه الطرفين (النقابات والحكومة)، وأشار مصادر قريبة من المضربين إلى أن لقاء تم بناء على تعليمات من «جهات عليا» لم تحددها المصادر من أجل التدخل لدى وزير الداخلية وتحديد مطالب المضربين، وفي هذا الصدد تم تشكيل لجنة مكونة من 14 عضو يمثلون النقابات والجمعيات المشاركة في الإضراب رفقة قياديين في حزب الهمة من أجل عقد لقاء مع وزير الداخلية مساء الأربعاء. وأكدت المصادر، التي حضرت اللقاء بالبيضاء، أن قياديي الأصالة والمعاصرة اقترحوا على المضربين تعليق النقاش في المدونة إلى حين عقد مناظرة وطنية، للنقاش حول مشاكل المهنيين ومدونة السير على نطاق واسع بمشاركة جميع النقابات المهنية، وطالب القياديون في حزب الهمة المضربين بأن يعلقوا الإضراب بصفة مؤقتة نظرا للظرفية الاقتصادية التي تتجاوزها البلاد وخدمة للصالح العام وخوفا على مصالح المواطنين. وفي نفس السياق، تدخلت قوات الأمن صباح أمس بقرية أولاد موسى بمدينة سلا من أجل إجبار أزيد من 120 سائق سيارة أجرة على مغادرة المحطة والشروع في العمل. وأكد عدد من السائقين أنهم فوجئوا بحضور مسؤولين أمنيين إلى محطة سيارات الأجرة بقرية أولاد موسى مرفوقين بعدد من العناصر، حيث تم تخييرهم ما بين إخلاء المحطة على الفور، أو الشروع في العمل تنفيذا لقرار اتخذ على الصعيد الوطني، حسب ما صرح به مسؤول أمني للسائقين. نفس الأمر وقع بآيت ملول حيث أجبرت السلطات الأمنية بالمنطقة مساء أول أمس الثلاثاء وصباح أمس الأربعاء، سائقي الشاحنات المضربين على إخلاء موقف الشاحنات وترك المدينة بأكملها. وقالت مصادر مطلعة ل «المساء» إن هناك تعليمات أمنية أعطيت على الصعيد الوطني في هذا الاتجاه. وببني ملال، اعتقلت السلطات الأمنية بالمدينة 77 من المضربين مساء أول أمس بعد تدخل عنيف من الأمن بثلاث محطات كان المضربون ينصبون بها مخيمات، وأغلب المعتقلين ألقي القبض عليهم بمخرج المدينة في اتجاه قصبة تادلة، وتم إطلاق سراح 74 بعد تحقيق الهوية وتم الاحتفاظ بثلاثة أشخاص لتقديم للمحاكمة، من بينهم الكاتب الجهوي للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب سعيد مماوي وعضو بالاتحاد العام للشغالين بالمغرب وسائق مهني. ولوحظ مساء نفس اليوم وصباح أمس الأربعاء حركة طفيفة للشاحنات والسيارات بعد الشلل التام الذي كانت تعيشه أغلب مدن الجهة. وعلى صعيد آخر، قامت بعض الهيئات المهنية في قطاع النقل بتحريض الدولة وأجهزتها لمواجهة النقابات الداعية للإضراب. وفي هذا الإطار بعثت الجامعة المغربية للنقل الطرقي للأشخاص رسالة إلى وزير التجهيز والنقل قالت فيها إنه «على إثر ما تتعرض له وسائل النقل العمومي الطرقي من مضايقات وتهديدات ترتبت عنها عدة أضرار وخسائر لحقت بالمسافرين والحافلات بجهات وأقاليم ومدن مختلفة، فإننا نتوجه إليكم مرة أخرى قصد حماية وضمان حق العمل بقطاع النقل الطرقي وسلامة المسافرين وكذا حماية ممتلكات الناقلين العموميين للأشخاص فيما بين المدن، باتخاذ كافة الإجراءات المناسبة». من جهة أخرى، حمل فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب مسؤولية ما يقع لوزير التجهيز والنقل كريم غلاب. وجاء في بلاغ للفريق توصلت «المساء» بنسخة منه، أن «سوء تدبير وزير النقل والتجهيز أدى إلى هذا المستوى غير المسبوق من احتجاجات المهنيين، وزاد من الاحتقان الاجتماعي وأدى إلى إحداث العديد من الأضرار والخسائر التي تكبدتها البلاد مما يستوجب تحميله كامل المسؤولية السياسية التي تقتضيها الممارسة والتقاليد الديمقراطية». في نفس السياق، طالب المكتب السياسي للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في بلاغ له أصدره عقب اجتماعه الأسبوعي أول أمس الثلاثاء، ب»احترام العمل المؤسسي وبالحفاظ على مصداقية المؤسسات وبعدم اعتبار السعي إلى فض المنازاعات الاجتماعية، سببا لإفراغ المؤسسات من مضامينها الدستورية» واستنكر المكتب السياسي للإتحاد الاشتراكي «الطريقة المنافية للدستور ولكل الأعراف التي تم التعامل بها مع مشروع قانون معروض على المؤسسة التشريعية».