قبل مجيء «غاليلي» كانت حالة من الذعر تجتاح الأوربيين، خصوصا الفرنسيين، الذين كانوا يشعرون بأنهم الأكثر استهدافا. اليهود هم الآخرون كانوا يحسون بالخوف. في اليوم الموالي للحادث غادر أزيد من 300 منهم الدارالبيضاء، فيما التجأ آخرون إلى السفن الراسية في الميناء. كان يوم الأربعاء 31 يوليوز مشوبا بالتوجس والحذر بالنسبة إلى الجميع، خصوصا أن قبائل الشاوية كانت تحاصر مداخل المدينة وقامت بطرد المراقب الفرنسي من «الديوانة». هذا الإحساس سيتكثف أكثر لدى الفرنسيين لما سحب عامل الدارالبيضاء جنوده من القنصلية الفرنسية. كان العامل قد وعد نوفيل، ليلة الثلاثاء، بوضع حراس على أبواب القنصلية والأبناك والمؤسسات الأوربية. لكن في اليوم الموالي سيسحب جنوده. وقد برر ذلك بحاجته إليهم. تصرف مثل هذا في هذه الظروف بالذات لم يكن يعني بالنسبة إلى الفرنسيين سوى شيء واحد: إحساسهم بالرعب أكثر. لذلك سيبيتون ليلة الأربعاء مكدسين في مكان ضيق بالقنصلية. العديدون منهم جأروا برغبتهم في مغادرة القنصلية والالتجاء إلى السفن الراسية في الميناء. وهي نفس الرغبة التي كانت تنتاب القائم بشؤون القنصلية أيضا. لكن الوصول إلى الميناء كان مجازفة مفتوحة على كل المخاطر لأن أهالي الشاوية كانوا يتحكمون في باب البحرية المؤدي إلى الميناء. كان الحل الوحيد، إذن، بالنسبة إلى نوفيل هو طرح المشكل على عامل المدينة بوبكر بن بوزيد لإيجاد مخرج له. في إقامة العامل سيجد نوفيل ممثلي قبائل الشاوية محيطين به. وكانت تلك فرصة مواتية بالنسبة إليه للدخول معهم في مفاوضات، انتهت في الأخير بالسماح للفرنسيين بمغادرة المدينة واللجوء إلى السفن الراسية في الميناء. ويروي جورج بوردون أن مندوبي الشاوية «صرحوا بوضوح بأن الفرنسيين وحدهم من سيسمحون لهم بصعود السفن، فيما الأوربيون الآخرون لا خوف عليهم في المدينة». كانت الرسالة واضحة بالنسبة إلى نوفيل، وأيضا بالنسبة إلى بقية الفرنسيين. في نهاية اليوم، غادر 200 فرنسي المدينة، والتجؤوا إلى السفينة الإنجليزية «ديمتريان»، التي كانت راسية في الميناء. كان أعيان القبائل أنفسهم من أشرف على هذه العملية. وبعد انتهائها مباشرة أغلقوا من جديد باب البحرية. مساء اليوم ذاته سيظهر مولاي الأمين، عم السلطان المولى عبد العزيز، وقائد المحلة المكلفة بضبط الأمن في منطقة الشاوية، بالمدينة. كان مولاي الأمين يعسكر غير بعيد عن الدارالبيضاء، وبمجرد ما علم بما حدث من اضطرابات في المدينة غادر معسكره وجاء على رأس ما تبقى لديه من عسكر. كانت أولى خطوة قام بها عم السلطان هي الإمساك بشؤون المدينة بنفسه، فيما تحول العامل بوبكر بن بوزيد إلى مجرد منفذ للأوامر. في الليلة ذاتها سيبعث مولاي الأمين خليفته إلى نوفيل كي يخبره بأنه في حال ما فكر في مغادرة القنصلية الفرنسية، سيأتي شخصيا بنفسه لحمايتها. وقد علق جورج بوردون على هذا التصرف بأنه «ضربة حاذقة من مغربي ماكر»، موضحا أن عم السلطان بهذه الرسالة كان يريد أن ينزع عن نوفيل أي محاولة للبروز أمام الأوربيين. وأضاف بوردون أن نوفيل حين أعلم مولاي الأمين بنيته البقاء في المدينة وعدم مغادرة القنصلية الفرنسية بعث إليه بفرقة من الجنود لحماية القنصلية بدل تلك التي سحبها سابقا بوبكر بن بوزيد. كانت الخطوة الثانية التي أقدم عليها عم السلطان هي إغلاق أبواب المدينة في وجه القبائل، ووضع فرقة قوية من الجنود عند كل باب. وهكذا صار بإمكان كل واحد مغادرة المدينة، لكن دون أن يستطيع دخولها.