سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عامل الدار البيضاء يرفض إدخال جثث الأوربيين ليلا إلى المدينة دفنت الجثث في حديقة القنصلية الفرنسية وكانت ستؤدي إلى مواجهة دامية بين عسكر العامل وبين الفرنسيين
شهادة الطبيب الفرنسي ميرل وحتى شهادة فورنيي، مدير «الشركة المغربية»، التي رواها للصحافي كريستيان هويل، وقد كان هو الآخر شاهدا على ما حدث من أعمال عنف بالدارالبيضاء، لم تكشفا كلتاهما عمن كان وراء قتل الأوربيين التسعة. إذ أن فورنيي لم يعط أي توضيحات عن الأشخاص الذين اعتدوا على العمال الأوربيين وقتلوهم، وإن أشار إلى أن عددا من الأهالي وجهوا تهديدات غامضة لبعض الفرنسيين، لكنه لم يحدد طبيعة تلك التهديدات، وما إن كان المهددون ساهموا فعلا في عملية القتل أم لا. ميرل هو الآخر لم يذكر أي شيء عن هوية القتلة. وحتى لو فعل ستكون روايته مشكوكا فيها، كما يقول أندري آدم، لأنه كان يتابع تلك الأحداث على بعد 400 متر، كما صرح هو شخصيا بذلك في شهادته، وبالتالي قد يصعب عليه التعرف بدقة على مرتكبي تلك الجرائم من هذه المسافة. من كان إذن وراء عمليات القتل تلك؟ جريدة «لادبيش ماروكين» الفرنسية، التي كانت تصدر من طنجة، ذكرت أن من ساهم في قتل الأوربيين التسعة كانوا من سكان المدينة، ممن كان لهم اتصال دائم بالأوربيين، وأنهم كانوا مدفوعين من قبل شرفاء قبائل الشاوية. لكن كريستيان هويل سيستبعد أن يكون سكان الدارالبيضاء وراء ما حدث، غير أنه سيتهم في المقابل «القادمين من واد درعة وسط موريطانيا» بارتكاب أعمال القتل تلك. إذ أوضح أن «هؤلاء الرجال ذوي الوجوه القاتمة، والأقرب إلى الزنوج منهم إلى البيض، يمارسون مهنا وضيعة: بغّالون، حفارون، سقاؤون.. ويكنون في قلوبهم فظاظة ووحشية صحرائهم. ومجازر الدارالبيضاء كانت نتاج هؤلاء المجتثين من بلاد الوحوش الضارية»! (لا تعليق). هوية القتلة لم تكن النقطة الوحيدة التي ظلت معلقة. إذ لا نعرف بدقة، أيضا، متى انفجر ذلك العنف الدموي بالتحديد، ومن بدأه (نلاحظ مثلا اختلافات في بعض التفاصيل بين روايتي ميرل وفورنيي، خاصة حول ما يتعلق بتوقيت ومكان أحداث العنف تلك). كما أن عدد الضحايا من الأهالي ظل هو الآخر مجهولا، إذ لم تحدد أي رواية، سواء كانت مغربية أم أجنبية عددهم بالتدقيق. وكيفما كان الحال، فقد كانت تلك الأحداث صدمة قوية ومفاجئة بالنسبة إلى الأوربيين، خصوصا أنهم استوطنوا الدارالبيضاء أزيد من نصف قرن دون أن يتعرضوا لاعتداء مماثل لما حدث ذلك الثلاثاء. لذلك كانت ردة فعل قناصلهم قاسية على عامل المدينة، الذي حملوه مسؤولية ما حدث، وطالبوه باتخاذ إجراءات أمنية حازمة، وأن يرسل فورا جنوده إلى مقلع الأحجار. لكن بوبكر بن بوزيد سيفاجئ القناصل بأنه لا يملك أي ذخيرة لتوزيعها على جنوده، وأن الذخيرة الموجودة مغلق عليها في مستودع «الديوانة». أثار جواب العامل غضب القناصل، فألح عليه نوفيل، المكلف بالأعمال القنصلية الفرنسية آنذاك، حسب ما يحكي بوردون، أن يجلب الذخيرة فورا من «الديوانة». وحين جيء بها تم تسليح الجنود وإرسالهم إلى المقلع، حيث استطاعوا إنقاذ ستة عمال إيطاليين وثلاثة إسبان كانوا مختبئين هناك. في مساء ذلك اليوم سيذهب الطبيب ميرل رفقة عدد من الفرنسيين وعشرة من عساكر عامل المدينة إلى شاطئ سيدي بليوط للبحث عن جثث الأوربيين التسعة. ويحكي هويل أن العامل رفض في البدء إدخال الجثث إلى المدينة في الليل، مبررا ذلك بأن دخولها بعد غروب الشمس محرم شرعا. لكنه سيتراجع عن قراره، يضيف هويل، بعد تهديد المكلف بالأعمال القنصلية الفرنسية له. كان كل أعضاء الجالية الفرنسية حاضرين في تشييع تلك الجنازة الليلية، التي كانت ستتحول هي الأخرى إلى مواجهة دموية أخرى. إذ بمجرد ما رأى الفرنسيون الجثث المشوهة والمكدسة بعضها فوق بعض انفلتت أعصابهم وصرخ أحدهم وهو يلوح بقبضته في اتجاه العساكر: أنذال كان ذلك التصرف مستفزا للعساكر، لدرجة أنهم رفعوا على الفور بنادقهم وصوبوها نحو الفرنسيين. في تلك اللحظة بالذات تدخل اثنان منهم كانا يتقنان اللهجة المحلية، وحاولا تهدئة العساكر، فأنزلوا بنادقهم. بعد ذلك توجهت الجنازة نحو القنصلية الفرنسية، حيث دفنت الجثث في حديقة القنصلية، بعد أن لفت بسجادات القنصل الفرنسي.