لم يكن حكم الحسن الثاني مرحبا به في الكثير من المحطات، خصوصا تلك التي أعقبت توليه العرش وما رافق ذلك من اعتقالات واختطافات، ستنتهي بالإعلان الرسمي عن حالة الاستثناء التي وضع الملك بعدها كل السلط في يده. لذلك تعرض لأكثر من محاولة انقلاب تحدث البعض عن كونها قاربت العشرين محاولة، لم يكتب لأي منها النجاح. وبين انقلاب الصخيرات في 1971 ومهاجمة الطائرة الملكية في غشت 1972، وقع توافق كبير بين إرادتي الجنرال أوفقير، الذي كان يردد أنه يريد أن يسحق الحسن الثاني، وإرادة الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، المكتوي بنار الملك الذي استحوذ على الحكم وأصبحت كل السلط مركزة بين يديه، لإنهاء حكم الملك. انضاف إليهما كل من المقاوم حسن صفي الدين الأعرج، والمستشار الملكي ادريس السلاوي. هذا الرباعي الذي رتب لانقلاب من نوع خاص لن تطلق فيه أي رصاصة، ولن يسقط فيه ضحايا كما حدث في الانقلابات السابقة. سيرة الانقلاب، والترتيبات التي سبقته، والتي تعيد «المساء» تركيب حلقاتها في هذه السلسلة، كانت تهدف إلى اختطاف الملك الحسن الثاني بواسطة طائرة مروحية، ثم تشكيل مجلس وصاية إلى أن يصل ولي العهد إلى سن الرشد، على أن يتولى مستشاره ادريس السلاوي مهمة رئاسة الدولة. ظلت الترتيبات التي قادها عبد الرحيم بوعبيد وصفي الدين الأعرج وإدريس السلاوي، رفقة الجنرال محمد أوفقير، لاختطاف الحسن الثاني في يوم عيد جلوسه على العرش، محط سرية كبيرة ليس فقط عن رفاق بوعبيد في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولكن حتى بالنسبة للمقربين من أفقير. غير أن بعض التمثيليات الأجنبية ظلت تتابع كل هذه الخطوات، وتضع تقارير خاصة تقول إن انقلاب الصخيرات ضد الحسن الثاني لن يكون هو الأخير، سواء عن طريق عناصر من الجيش، أو من قبل المعارضة السياسية التي لم تكن تخفي رغبتها في هذا الأمر. ومن ذلك ما كشفت عنه وثيقة سرية للسفارة البريطانية في الرباط، مؤرخة بتاريخ 24 غشت 1972، أسبوعا فقط على المحاولة الانقلابية، تقول إن الجنرال أوفقير كان فعلا هو مدبر انقلاب الطائرة. وقد أضافت الوثيقة، الموقعة من طرف السفير البريطاني في الرباط أنذاك، «ار دبليو بيلي»، أن محمد أمقران، أخبر سلطات صخرة جبل طارق، التي توجد تحت الحكم البريطاني بأنه «عضو في جماعة ضباط يقودها الجنرال أوفقير»، وذلك بعد أن حط هناك بالمروحية التي فر على متنها إثر فشل محاولة إسقاط الطائرة الملكية. وقد نصحت السفارة الحكومة البريطانية أنذاك بإخبار نظيرتها المغربية، حسب إفادة أمقران، حتى لا يتسبب إخفاؤها في توتر العلاقات بين الرباط ولندن. وتضيف الوثيقة السرية البريطانية أن الملك الحسن الثاني «أصبح على قناعة» بأن رواية أمقران صحيحة، وأن أوفقير مذنب. وفي تقارير ديبلوماسية أخرى، نكتشف أن الانقلاب الذي عاشه القصر الملكي بالصخيرات في سنة 1971، لم يكن هو الأول الذي راهن على القضاء على الحسن الثاني، بل سبقته محاولة رتبت تفاصيلها بين كبار الضباط في مؤسسة الجيش، وقد تحدد تاريخ تنفيذ هذه المحاولة في الذكرى ال 14 لتأسيس القوات المسلحة الملكية الذي صادف يوم 15 ماي من سنة 1970. فقد تقرر أن يتم اعتقال الحسن الثاني أثناء حضوره للاستعراض العسكري الذي كان سينظم بثكنة الحاجب. كما تقرر أن تتم محاكمته في محاكمة شعبية لإرغامه على التنازل عن العرش. غير أن الجنرال المدبوح، الذي كان يشرف مباشرة على هذه المحاولة، أعطى أوامره للكولونيل اعبابو قصد التراجع عن تنفيذ الخطة، وذلك بعدما أضيفت طائرات مروحية إلى الطاقم الخاص بحراسة الملك في آخر لحظة من تنفيذ المحاولة. ويبدو من خلال هذه المحاولة أن اعتقال الحسن الثاني وإرغامه على التخلي عن العرش، كان هو الهدف الذي سيلتقي حوله بوعبيد وأوفقير والمستشار إدريس السلاوي في محاولة انقلاب الثالث من مارس من سنة 1972، التي لم يكتب لها النجاح. لقد تراجع رجال المدبوح واعبابو عن تنفيذ خطتهم، وقرروا تأجيل محاولة الانقلاب على الملك بعدما خاطب اعبابو المدبوح قائلا له: «ليس هناك أي مشكل، ستكون لنا فرص أخرى». وإذا كان انقلاب الصخيرات الفاشل عسكريا بعد أن راهن على القضاء على حكم الحسن الثاني، فإن ما جرى في السنة التي بعدها في انقلاب الطائرة في سنة 1972، كان محاولة انقلابية ذات خلفيات سياسية، شرح حيثياتها العقيد أمقران في محاكمته الشهيرة لمدة ثلاثة أيام قبل أن يتم الحكم عليه بالإعدام. وبين الانقلابين، يحكي بعض الذين انتسبوا لمؤسسة الجيش، كيف أن الحسن الثاني تعرض لأكثر من محاولة انقلاب. لقد كانت المحاولة الأولى من تخطيط كبار ضباط الجيش. وقد كان مقررا أن تتم بمدينة فاس، التي كانت مع موعد خاص عبارة عن مناورات عسكرية. وقد كان في المخطط أن يتم اعتقال الحسن الثاني، وتقديمه بعد ذلك للمحاكمة. لكن الملك لم يحضر. أما المحاولة الثانية، والتي كان مقرر خلالها أن يتم اعتقال الملك الراحل حين حضوره لاجتماع القيادة العسكرية العليا بالعاصمة الرباط، فقد تكلف بها بعض رجالات الجينرال أوفقير، الذين كان عليهم اعتقال الحسن الثاني، وإحالته على محاكمة عسكرية اتفق على كل تفاصيلها من قبل، لكن الحسن الثاني لم يحضر مرة أخرى. في حين أن المحاولة الثالثة، تمت قبل بضعة شهور من انقلاب الطائرة في غشت 1972، حيث كان الأمير مولاي عبد الله قد نظم حفل عيد ميلاده في باخرة على الشاطئ بجنوب الرباط، وكان مقررا أن يحضر الملك لهذا الاحتفال الأميري، فأعد الضباط المقربون من الجينرال أوفقير الخطة اللازمة لاعتقاله على ظهر الباخرة. وقد حضر الملك فعلا لهذا الاحتفال لكن زملاء الجينرال لم يستطيعوا تنفيذ خطتهم بعدما حضرت إلى جانب الحسن الثاني قوة عسكرية كبيرة لحراسته. كما حملت محاولة الانقلاب على الحسن الثاني وهو عائد من فرنسا، خطة بديلة تتعلق بإمكانية عودته إلى المغرب بحرا عبر الباخرة. لذلك فقد وضعت خطة لاعتقاله. غير أن المثير في هذه الخطة الثانية هو وجود علاقة بينها وبين ما كان يخطط له رفاق عبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري، من خلال ما عرف بالتنظيم العسكري الموازي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والذي كان قد درب بعض المنتمين له على طريقة تمكنهم من الوصول إلى الملك الراحل في الوقت الذي يكون فيه على باخرته الملكية، حيث كان الحسن الثاني يقضي ساعات استجمام بين الفينة والأخرى على ظهر باخرته الملكية الفسيحة. ويحكي مقربون من هذا التنظيم كيف تدرب رفاق الراحل الفقيه البصري على أسلوب «الضفادع البشرية» في دورتين سريتين، وهو أسلوب كان سيمكنهم من الوصول إلى الباخرة الملكية عبر السباحة غوصا. وقد كانت الدورة التدريبية الأولى بإحدى القواعد المطلة على مدينة البصرة بالعراق على عهد صدام حسين، أما الثانية، فقد احتضنها ميناء بنغازي بالجماهيرية الليبية على عهد القدافي. غير أن العملية لم تنفذ. هكذا، تكشف لنا سيرة الانقلابات التي تعرض لها نظام الحسن الثاني، عن التوافق الكبير، ولو عن بعد، بين عدد من المنتمين للمؤسسة العسكرية الذين راهنوا على إنهاء هذا النظام، وبين رجال السياسة الذين شكلوا معارضة للحسن الثاني، وفي مقدمتهم رفاق عبد الرحيم بوعبيد في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ففي كل محاولة كانت بصمة الجيش والإتحاد حاضرة. لذلك كان طبيعيا أن يضعا اليد في اليد من أجل هدف مشترك اسمه رأس الحسن الثاني.