كثيرون يتهمونه بإعادة حكم ملوك الطوائف إلى إقليم الأندلس، فمانويل تشافيث، الذي تشي ملامحه بأصوله حتى قبل أن ينصت المرء إلى لكنته الأندلسية المميزة، سياسي تربع على عرش الحكومة الإقليمية منذ عشرين عاما، ونجح خمس مرات في الانتخابات، ثلاث منها بالأغلبية المطلقة، حتى إن هناك جيلا كاملا من الأندلسيين لا يعرف غيره، فهو أمير على أحد أفقر الأقاليم الاسبانية، رغم أن شهرتها السياحية وصلت إلى مختلف الأصقاع، لكن سهام الانتقادات الموجهة إليه زادت إلى درجة تكسرت معها النصال على النصال، فلعاب اليمين يسيل بمرور الوقت، ويتلهفون لحكم إقليم الأندلس بعدما انتشروا في البلديات الأندلسية وصاروا يسيطرون على بلدية ماربيا أشهر منتجع سياحي لأغنياء العالم في شبه الجزيرة الإيبيرية. يوم الاثنين الماضي كان يوما مختلفا بالنسبة لتشافيث الذي عوض أن يتوجه إلى مقر رئاسة الحكومة الإقليمية بالأندلس حملته سيارة إلى قصر المونكلوا بمدريد ليتحمل حقيبة نائب لرئيس الحكومة مكلفا بالعلاقات مع الحكومات الإقليمية، وبذلك يعود تشافيث مرة أخرى إلى حدائق المونكلوا التي سبق أن خبر التجول فيها قبل عشرين عاما عندما استدعاه صديقه فيليبي غونزاليث، الأندلسي القادم من إشبيلية، ليحمل إلى جانبه حقيبة التشغيل، لكن تشافيث هذه المرة فضل عدم العمل بالمثل الإسباني القائل: «أن تكون رأس فأر خير من أن تكون ذيل أسد»، لكن يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها إسبانيا وتشد خناقها على رئيس الحكومة خوسي لويس رودريغيث ثباتيرو جعلت أمير طوائف الأندلس يفضل أن يتخلى عن لعب دور رأس الفأر، لكن لا ليكون ذيل الأسد، بل عنقه. بين تاريخ خروج تشافيث من المونكلوا وتاريخ عودته إليه جرت مياه كثيرة تحت الجسر، فتشافيث الذي رأى النور في منتصف الأربعينيات في مدينة تطوان، رقم غير قابل للتغير داخل الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم مثلما أن له وضعا شرفيا باعتباره رئيسا للحزب اعترافا له بالمجهودات التي قام بها من أجل إنقاذ الأوضاع داخل الحزب الاشتراكي بعد هزيمته للمرة الثانية في الانتخابات التشريعية وتقاطر الاستقالات، ومثلما كان يعتبره غونزاليث زميل دراسته عندما كانا يدرسان معا الحقوق في جامعة إشبيلية ويناضلان في صفوف اليسار ضد الآلة القمعية لفرانكو، صار ثباتيرو يعتبره أخاه الأكبر الذي خبر مسالك السياسة ودهاليزها ومشى على جمر المناصب، مدركا أن الكلمة التي تخرج من بين شفتي السياسي تكون أحيانا أحد من حد السيف. ولم يكن اختيار ثباتيرو لتشافيث عشوائيا، فالرجل خبر قوانين الحكومات الإقليمية ولا أحد غيره قادر على إخراج ثباتيرو من المأزق وقيادة دفة المفاوضات مع الحكومات الإقليمية حول الميزانية وأشياء أخرى. ولتشافيث في القبول بالمنصب الجديد حساباته أيضا، فهو لم يترك إقليم الأندلس إلا بعدما أرسى دعائم «حكمه» هناك وترك سربا من المقربين منهم قادرين على تسيير الدواليب وفق طريقته وتعاليمه التي أرساها منذ عقود. وكانت من بين التعاليم التي أرساها تشافيث خلال سنوات حكمه أن المغرب «ملحقة أندلسية»، فلا أحد يقترح السفراء ويدخل في المشاريع الكبرى مع الجار الجنوبي غير الأندلس، فهم دائما يرفعون شعار «المغرب من اختصاصنا»، والتناقض الصارخ هو أن أنشط حركات دعم جبهة البوليساريو موجودة في إقليم الأندلس. إنها نفس علاقات الحب والكراهية التي ربطت ملوك الطوائف بالعدوة الجنوبية، مع اختلافات كبيرة في الأسماء والأزمنة.