هل نستطيع القول إن العد العكسي لاستحقاقات 2015 قد بدأ الآن بعد أن حددت الحكومة الموعد وشرعت في وضع تصورها لما يجب أن يكون عليه الأمر مستقبلا حينما تلتقي الأحزاب للتشاور حول جملة من الملفات، أساسُها هذا الوضع الملتبس للوائح الانتخابية، وأسلوب الاقتراع المناسب للأحزاب وللدولة أيضا؟ لكن طرح هذا السؤال اليوم، رغم سرياليته، يبدو ضروريا. ما الذي يقوم به المستشار الجماعي أمام سلطة وصاية تعرقل كل المشاريع التي لا تنسجم مع تصورها السياسي؟ وأمام تنامي تجارب التدبير المفوض لجل القطاعات المرتبطة بالمواطن، من ماء وكهرباء وتطهير صلب وسائل، يظل الإشراف على الحالة المدنية هو المجال الذي لاتزال للجماعة يد فيه، حيث شواهد الازدياد، التي قد تعفي من استخراجها عملية ُتعميم البطاقة الوطنية البيومترية، وشواهد الخطوبة والزواج. أما المشاريع التي قد تغير من واقع الجماعة اقتصاديا واجتماعيا، وهي التي منحها القانون مهمة التنمية في كل هذه المجالات، فتحتاج دوما إلى موافقة سلطات الوصاية التي أصبحت أخطبوطا يوظف المذكرات والدوريات لتنوب عن الكثير من الملفات وفق قانون ميثاق العمل الجماعي. إن الحديث اليوم عن الاستحقاقات، التي تنتظرها الأحزاب صيف 2015، قد يصبح بدون قيمة إذا استمر الحديث من قبل رجال السياسة عن الفساد والرشوة والبيع والشراء، إذ كيف يمكن أن نقنع الناخبين بالجدوى من الانخراط في هذه العملية، التي تعتبر صلب الديمقراطية، في الوقت الذي لا نتوقف فيه عن الحديث عن صورة المستشار الجماعي المرتشي الفاسد الذي اشترى مقعد الجماعة!؟ اليوم، حينما نقرأ حصيلة العمل الجماعي في جل الجماعات، بما في ذلك تلك التي تصنف على أنها الأغنى، نكتشف أن معارك الأغلبية والمعارضة لا تنتهي، ليس من أجل المصالح العامة للناخبين، وإنما من أجل مصالح شخصية بالدرجة الأولى. زد على ذلك أن تجربة العمل الجماعي منذ انطلق العمل بها في 1976، يوم وصف الحسن الثاني ذلك بانطلاق المسلسل الديمقراطي، لم تحقق ما كان منتظرا منها لأن الدولة أرادت أن تقدم بها صورة وردية عن ديمقراطية ليست إلا للواجهة. لذلك، إذا كانت الحكومة تراهن مستقبلا على أن تجعل العمل الجماعي تجربة ناجحة فعليها أن تعالج بعض الاختلالات، لعل أولها هو وضع مسافة كافية بين سلطة المجلس الجماعي المنتخب وسلطة الوصاية التي تمارس، حينما يتعلق الأمر بمشاريع للتنمية، مراقبة قبلية تسميها بمصادقة الملاءمة، ثم أخرى بعدية، ومن ثم فإن تلك الدورات الأربع العادية أو الاستثنائية التي تعقدها الجماعة، وتناقش خلالها وتختلف وتقرر، تصبح غير ذات جدوى إذا رفضت سلطة القائد أو الباشا أو الوالي تلك المقترحات. أما ثاني الإصلاحات التي يفترض أن تباشرها وزارة الداخلية رفقة الأحزاب لكي تعود الروح إلى تجربة العمل الجماعي، فهو المتعلق بنمط الاقتراع. لقد حان الوقت لقراءة متأنية، وبدون حسابات، لتجربة الاقتراع باللائحة، ومقارنتها، على مستوى ما خلفته من إيجابيات وسلبيات، بالاقتراع الفردي الأحادي. لا أحد ممن يعرفون البيت الداخلي لجل الجماعات المحلية يخفي أن تجربة الاقتراع باللائحة، الذي جاء بخلفية قطع الطريق على ممارسات بيع وشراء أصوات الناخبين، لم تعط كل أكلها ولم تعالج الاختلال في شموليته، حيث أفرزت تشكيلات غير متجانسة، فرضت الكثير من التوافقات لتكوّن في النهاية مجالس بلا طعم ولا رائحة، وهكذا وجدنا بعض الجماعات يسيرها خليط من اليسار واليمين والوسط، إن كانت لدينا في مشهدنا السياس أحزاب وسط؛ وهي الوصفة التي انتقلت بعد ذلك من الجماعات، إلى تشكيلة الحكومة. إن المفترض اليوم في أحزابنا، التي عادت لتفح دكاكينها السياسية استعدادا للآتي، هو أن تسعى إلى خلق ثقافة للعمل الجماعي داخل برامج اشتغالها.. ثقافة تقدم من خلالها المؤهلين سياسيا وفكريا لتقلد مهام العمل الجماعي، بدل توزيع التزكيات التي اغتنى من ورائها عدد من المستشارين الجماعيين. بقي فقط أن نذكر أن عصب القضية هو الوضع المالي لعدد من الجماعات المحلية، والتي لا تزيد موارد بعضها على عائدات سوق أسبوعي من الدرجة العاشرة، وهي جماعات ولدت بعمليات قيصرية كانت يد السلطة هي التي رعتها؛ فكيف يمكن لمثل هذه الجماعة أن تقوم بمهامها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟ إنها الملفات الكبرى التي يفترض أن تباشرها الأحزاب السياسية والحكومة إذا كانت ثمة حقا مراهنة على إعادة الناخبين غدا إلى مكاتب التصويت. أحمد امشكح