سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تاريخ العنف بالجامعة.. ارتبط بانشقاق حزب الاستقلال وتجدد خلال مرحلة التسعينيات بسبب الخلافات الإيديولوجية بين التقدميين والمحافظين ثم بين اليساريين والإسلاميين
أعاد مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي داخل الحرم الجامعي بمدينة فاس الحديث عن تاريخ العنف داخل الجامعة المغربية الذي شهدته سنوات الستينات والسبعينات والتسعينات، والنقاش حول الفصائل التي تتبنى العنف خيارا لها، وهو ما يستوجب تسليط الضوء على هذا الموضوع من خلال آراء المختصين. ارتبط تاريخ العنف داخل الجامعات المغربية بمسار الحركة الطلابية، حيث اعتبرمحمد ضريف، الأستاذ الجامعي وصاحب كتاب الحركة «الطلابية المغربية»، أن تاريخ العنف داخل الجامعة ارتبط بالانقسام الذي كان قد طال حزب الاستقلال سنة 1959 بعد تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، إذ أن «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» المعروف اختصارا «أوطم» كان مرتبطا بحزب الاستقلال باعتباره كان الحزب الأقوى في تلك المرحلة، غير أنه إثر الانشقاق الذي عرفه الحزب، اعتبر التنظيم الطلابي نفسه ذا توجه تقدمي وحداثي وانحاز لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهو ما دفع حزب الاستقلال إلى تأسيس إطار طلابي خاص به يحمل اسم «الاتحاد العام لطلبة المغرب»، وهو ما جعل كل شروط العنف متوفرة في تلك المرحلة، يقول ضريف، حيث أن «أوطم» اعتبر نفسه هو الممثل الوحيد والشرعي للطلبة ولم يكن يسمح لفصائل أخرى من خارج هذا التنظيم بالتحرك داخل الجامعة، ما جعل ثقافة العنف تترسخ داخل الجامعة المغربية خصوصا بعد سنة 1965 بعدما بدأ اليسار الجديد أو ما يسمى باليسار «الراديكالي» يتحكم في المركزية الطلابية «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، وتزامن هذا التاريخ مع اغتيال المهدي بنبركة، الشيء الذي أدى إلى تصاعد موجة العنف في الجامعة. وفيا سنة 1968 مع الحركة الماركسية اللينينية التي أرادت أن تحول «أوطم» إلى حزب يساري سياسي وجب عليه القيام بتغييرات سياسية، ودخلت في مواجهات مع التيارات الإصلاحية ومع السلطة، وهو ما دفع إلى حظر التنظيم الطلابي يوم 24 يناير 1973.
حظر «أوطم» والدخول في مرحلة فراغ عرفت سنة 1973 مرحلة تصعيد بين السلطات المغربية والاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حيث جرت حملة من الاعتقالات في صفوف مناضلي «أوطم» وتم الحكم على بعض قياداتها بالإعدام. وفي هذا الصدد، يحكي المناضل التقدمي عبد الرحيم بنصر، في مذكراته حول الحركة الطلابية، عن أن السلطات المغربية شنت «حملات شرسة من الاعتقالات والاختطافات في صفوف مناضلي أوطم وعلى رأسهم طلبة حزبنا، حملات توجها النظام باعتقال رئيس أوطم عبد العزيز المنبهي، ونائبه عبد الواحد الراضي في يناير 1973 وتوج هذا المسلسل بحظر أوطم في 24 يناير من السنة نفسها.» ومن بين ما طبع هذه المرحلة هو عدم قدرة الحركة الطلابية على الحفاظ على كيانها التنظيمي الذي أصبح متماهيا مع تنظيم سياسي يمثل اليسار الجديد، غير أنه بعد خمس سنوات من الركود «والتيه»، عادت الشرعية للمنظمة الطلابية سنة 1978 ، وعرفت هذه المرحلة تغييرات داخل الجامعة إثر تشكل تيارات يسارية في مقدمتها التيار القاعدي، يوضح ضريف، هذا الأخير تحالف مع الفصيل المنشق عن الاتحاديين والذي يحمل اسم «فصيل رفاق الشهداء»، ما أدى إلى سيطرة توجه اليسار الراديكالي، ما أدى إلى حصول مأزق بفعل عدم قدرة طلبة الاتحاد الاشتراكي وطلبة التقدم والاشتراكية على التحكم في مسار التنظيم الطلابي، مع تنامي تأثير طلبة اليسار الجديد، ما أدى إلى عدم استكمال أشغال المؤتمر الوطني ال17 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب وهو آخر مؤتمر تم عقده، دخلت على إثره الجامعة في مرحلة فراغ. التسعينيات وتجدد موجة العنف وخلال مرحلة التسعينيات ستتجدد موجة العنف داخل الجامعات، مع ظهور تنظيمات محسوبة على التيار الإسلامي ، إذ يقول ضريف في هذا الصدد «عرفت فترة التسعينيات موجة من العنف أفضت على مقتل طلبة بوجدة وفاس، هذا العنف الذي عرفته الجامعة كان لأسباب إيديولوجية بين فصائل يسارية اعتبرت أنها تحتكر الشرعية التاريخية لتمثيل الطلبة وترفض الاعتراف بفصائل الطلبة الإسلاميين باعتبارها ليست تقدمية ولا ديمقراطية مما أدخل الجامعة في مرحلة عنف». ووجب التذكير أن مرحلة التسعينيات عرفت ظهور فصائل ذات مرجعية إسلامية، حيث تأسس فصيل طلبة العدل والإحسان خلال شهر مارس من سنة 1991 وفصيل «الطلبة التجديديون» شهر فبراير سنة 1992 وهو الذي حمل اسم «طلبة الوحدة والتواصل» ليتحول إلى «منظمة التجديد الطلابي»، التابعة تنظيميا لحركة التوحيد والإصلاح، كما تأسس فصيل طلبة «الميثاق» ذو المرجعية الإسلامية المرتبط بتنظيم الاختيار الإسلامي سنة 1993 . وشكل دخول الإسلاميين إلى الجامعة بداية اصطدام عنيف بينهم وبين اليساريين، وانتهى الصراع الدموي باغتيال المعطي بوملي بجامعة محمد الأول بوجدة ثم بنعيسى آيت الجيد بجامعة فاس، وهما طالبان محسوبان على التيار اليساري في الجامعة. وأمام تراجع الفصائل ذات التوجه اليساري في تأطير الجامعة، «لم يبقى عمليا إلى فصيل واحد، هو فصيل طلبة البرنامج المرحلي، والذي يؤمن بضرورة استعمال القوة والعنف الثوري لمواجهة القوى الرجعية»، يقول ضريف، وهو ما جعل المواجهة تحدث بين ممثلي الفصائل الإسلامية وممثلي طلبة البرنامج المرحلي. رأي ضريف يتماهى مع رأي منظمة التجديد الطلابي التي تدعو إلى إعلان «البرنامج المرحلي» منظمة إرهابية، والتي دعت إلى فتح تحقيق بشأن مصير العشرات من الشكايات التي وضعها أعضاء منظمة التجديد الطلابي ضد أفراد «البرنامج المرحلي» بكل من مكناس ومراكش والناضور وفاس. وتحدث ضريف أيضا عن بروز فصائل أخرى تلجأ إلى العنف بين الفينة والأخرى وهم الطلبة الصحراويون وفصيل الطلبة المرتبطين بالحركة الثقافية الأمازيغية خصوصا بجامعة مدينة أكادير.
العنف المبرر
ارتكاب العنف من طرف طلبة محسوبين على تيار معين، يجعلهم يبررون ذلك بالدفاع عن النفس، حيث أن مختلف الفصائل الطلابية تجمع على نبذ العنف، فبالرجوع إلى ميثاق طلبة العدل والإحسان، نجده يقول « إننا ضد العنف، هذا مبدأ أساسي، ولا نرى للتنظيم العنيف سيرا ولا مستقبلا، نتجنب الممارسات العنيفة في القول والعمل لاعتقادنا أن ما انبنى على عنف لا يجنى منه خير»، ويضيف «»إذا أسكتونا لا نسكت، وإذا قمعونا لا نتلبث في تأمل الجراح، وإذا هددونا ننذر، وإذا دفعونا ندفع هذا في غير الظروف القاهرة التي تدعو الحكمة فيها للمرونة». وإذا كان طلبة العدل والإحسان وكذا منظمة التجديد الطلابي، التي تنبذ بدورها خيار العنف داخل الجامعة، فإن الطلبة الثوريين، تيار المناضلة، حسب الموقع الإلكتروني، يعتبرون أن العنف ممارسة رجعية يجب التصدي لها. مع اتهامهم للفصائل الإسلامية التي تسميها بالرجعية الدينية بممارستها للعنف بشكل منهجي ما أدى إلى مقتل المعطي بوملي وأيت الجيد بن عيسى، غير أنهم في الوقت ذاته يعتبرون أن «النضال ضد العنف الذي تمارسه بعض الفصائل الطلابية كخيار منهجي لفك الخلافات السياسية داخلها أو مع فصائل أخرى أو مع الطلاب. إن هذا الخيار، أيا كانت مبرراته، يخدم موضوعيا أهداف النظام في شل الحركة الطلابية وتمرير مخططاته التصفوية». الفهم السيء لدور الجامعة حدوث العنف داخل الجامعة المغربية، يعتبره، خالد شيات، أستاذ جامعي «نتيجة الفهم السيئ لدور الجامعة من كل الأطراف، سواء من بعض الفاعلين الحكوميين والخواص الذين انسحبوا باعتبارهم عناصر متفاعلة مع الجامعة التي من المفترض أن تقود قاطرة التجديد العلمي والتفاعل مع قيم الدولة الاقتصادية والاجتماعية» وهو ما جعل الجامعة تتحول، يقول شيات، إلى مجال للتدبير السوسيو سياسي وأصبحت عنصرا مكلفا بدل أن تكون عنصرا منتجا، وكل السياسات التي وضعت للجامعة اعتبرتها فضاء مستقلا غير قادر على إنتاج المعرفة، في حين أن الدور الأساسي لها هو أن تكون قاطرة لمفهوم التجديد العلمي والتقني كما قلت، وأدوارها السوسيو اجتماعية متعددة وبنفس أهمية الدور التقني والعلمي الخالص». ومن بين العوامل التي أدت إلى العنف داخل الحرم الجامعي « الفراغ الذي أوجده غياب مفهوم تنموي لتدبير الجامعة أعطى نتيجة سلبية، فالجامعة كالطبيعة لا تقبل الفراغ، وأصبحت بالتالي مجالا لتنفيس سياسي في منظومة غير ديمقراطية لعدة عوامل منها أن الإطار الذي كان يعبر عن مفهوم الديمقراطية الانتخابية تحول إلى ماض بعيد، أي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وذلك يعني فراغا على المستوى المفاهيمي والمؤسساتي الذي غيب مفهوم الاختيار والتداول وفتح المجال للتعبيرات الانقلابية، أي أن «الطوائف» التي أصبحت تتحكم في إنتاج التواصل داخل الجامعة هي إما اتجاهات سلبية أو انقلابية، ومفاد ذلك أن أصحاب البرامج والتصورات انسحبوا لفائدة أصحاب الحلول الجذرية كنوع من الانتماء لأفكار بدون برامج، يوضح الأستاذ الجامعي، الذي يعتبر أن هناك عاملا نفسيا أيضا مرتبطا بحجم الإحباطات التي تتولد من خلال عدة معطيات؛ الإدماج المتواضع المرتبط بسوق الشغل، والذي يحد من تنافسية الديبلومات المسلمة من الجامعة على اعتبار أنها أقل تكوينا، ثم الانطباع الذي يحدثه مفهوم المساواة في الولوج إلى التعليم باعتباره حقا، والذي يضرب مصدر الإنتاج الفكري أي التنافسية، وتصبح بذلك الجامعة منفذا للإحباط التعليمي وأخيرا المستوى المرتبط بتجديد المعارف والبرامج، والذي تتحكم فيه قيم السوق والتمويل، والذي يرتبط بمؤسسات الدولة في الغالب ويصبح الإنتاج العلمي مهنة بدل أن يكون إبداع. شهداء «الحركات» الطلابية: من المنبهي إلى الحسناوي عرفت الجامعة المغربية عددا من الأحداث أدت إلى مقتل عدد من الطلبة، ونورد عددا من الأسماء بغض النظر عن الجهة المتورطة في القتل، مع ذكر ملابسات الوفاة استناد إلى بعض المصادر الإعلامية. تعتبر سعيدة المنبهي أول طالبة توفيت بعد خوضها إضرابا عن الطعام داخل السجن سنة 1977 والتي جرت محاكمتها رفقة بعض المنتمين إلى منظمة «إلى الأمام» بالدار البيضاء. ومن ضحايا الإضراب عن الطعام هناك مولاي بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري اللذين توفيا سنة 1984 إثر دخولهما في إضراب عن الطعام وكانا رهن الاعتقال، وكذا عبد الحق شباظة الذي خاض إضرابا عن الطعام سنة 1989 بعد محاكمته في أحداث يناير 84. كما توفي كل من عادل الاجراوي وزبيدة خليف وسعاد السعيدي بعد إصابتهم إثر تدخل أمني بساحة 20 يناير بظهر المهراز بفاس. وعرفت مرحلة التسعينيات سقوط ثمانية طلبة وهم محمد أزغار الذي توفي جراء تدخل أمني بمراكش، ورشيد بلوك الذي توفي جراء مواجهات بين الطلبة وأبناء حي الليدو المجاور للمركب الجامعي ظهر المهراز، وعبد الجليل فخيش، توفي داخل الحي الجامعي إثر تدخل أمني بالجامعة، ومحمد العبودي توفي إثر تدخل أمني، (سنة 1991)، وفي نسة 1993 توفي آيت الجيد عيسى جراء مواجهات بين الطلبة. وخلال سنة 1994 توفيت طالبتان وهما ابتسام شكير وسميرة حيدة بكلية الحقوق بفاس إثر انهيار سور بالجامعة، كما توفي الطالب منصف العزوزي سنة 1996 إثر تدخل أمني. وبعد مرحلة التسيعنيات عرفت الجامعة عدد من الأحداث التي أدت إلى مقتل عدد من الطلبة، إذ أن سنة 2007 توفي الطالب عبد الرحمان الحسناوي بالجامعة بالرشيدية بعد مواجهات بين الطلبة، وبمراكش توفي الطالب عبد الرزاق الكاديري نتيجة مواجهات كانت بين الطلبة والأمن سنة 2008. وفي سنة 2011 قتل الطالب حماد عباد بالقرب من الحي الجامعي السويسي بالرباط على يد طالب آخر. كما شهدت كلية العلوم والتقنيات بالمحمدية سنة 2012 مقتل الطالب أحمد فهيم إثر سقوطه من الطابق الثاني بسبب انهيار عمود خشبي. وكما فارق الحياة الطالب محمد الفزازي سنة 2013 بعد إصابته بجروح خطيرة بعد تدخل أمني بكلية الآداب فاس سايس. وخلال السنة الحالية قتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي بالمركب الجامعي ظهر المهراز، والذي أعادت قضيته النقاش حول العنف بالجامعات وأثارت الكثير من الجدل، سيما بعد حضور رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ووزير التعليم العالي وتكوين الأطر لحسن الداودي جنازته وهو ما جر عليهما مجموعة من الانتقادات.