التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    "الجديدي" ينتصر على الرجاء بثنائية    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تحولت الجامعة المغربية إلى ساحة حرب ؟
تستعمل فيها السيوف والسواطير والعصي وقنينات «المولوتوف»
نشر في المساء يوم 31 - 05 - 2012

كيف تحولت الجامعة المغربية من مكان للتحصيل العلمي إلى ساحة «حرب» بين مجموعة من الفصائل التي تحرّكها إيديولوجيات
وأفكار يدفع التعصب أصحابها إلى ارتكاب أفعال خطيرة، قد تصل إلى حدود القتل؟... «حرب» تستعمل فيها شتى أنواع الأسلحة البيضاء ولا تسلم منها البنايات والمعدات الجامعية، كما حدث مؤخرا في مجموعة من الأحياء الجامعية وفي حرم عدد من الكليات، وخاصة في الرباط وفاس والقنيطرة وتازة والراشيدية؟...
أحداث زرعت الرعب في نفوس الطلبة وجعلتهم يعيشون أياما من الخوف والرهبة والضياع، بعدما تشتتت أوراقهم وكتبهم ولوازمهم بسبب «الهجوم» الذي تعرضت له غرفهم، والذي نجا منه بعضهم بأعجوبة، في وقت يصادف استعدادهم لخوض الامتحانات .
سيوف وسواطير وعصي وقنينات محشوة بمادة حارقة.. هذه هي الأسلحة التي تُستعمَل في «الحروب» التي يشعلها طلبة لا همّ لهم، حسب البعض، سوى زرع «الفتنة» وقرع طبول الحرب القبلية التي تحركها أفكار إيديولوجية، والتي يكون ضحيتَها الطالب الذي قصد الجامعة وتكبد مشاق الابتعاد عن عائلته لكي يحصل العلم ويبني مستقبله، لكنه يصطدم بواقع مر، غريب، مظلم، تؤثث فضاءاته «عصابات»، كما اصطلح عليها مجموعة من الطلبة تثبت «قوّتها» بسرقة حاجياتهم، ليضطروا، في الأخير، إلى مغادرة الحي والكراء خارجه، لعلهم يرتاحون من جحيم تسلطها وجبروتها.
فعلى امتداد السنوات الماضية، عرفت الجامعة المغربية اكتساحا لظاهرة العنف بين الطلبة، عنف تحركه، في نظرهم، دوافع مختلفة وأسباب متعددة حوّلت الجامعة من مكان للتعلم والتحصيل إلى مكان للتناحر والتقتيل.
ولعل الأحداث التي شهدها الحي الجامعي «السويسي 1» في الرباط، في الحادي عشر من الشهر الجاري لَخيرُ دليل على ذلك، حالة من الهلع والرعب يرويها «خالد» (اسم مستعار) أحد قاطني الحي، الذي عاش لحظات عصيبة، عاين فيها حدة الهجوم الذي استُعملت فيه مجموعة طلبة صحراويين السيوف والسلاسل الحديدية والعصي، بعد أن تمكن مجموعة من الطلبة من إعداد العُدّة والاتصال بزملاء لهم يقطنون في مدن أخرى، جاؤوا الحيَّ في ساعات متأخرة من الليل، مدججين بالسيوف والسواطير وبقنينات معبّأة بالبنزين، للصراع والقتال في مسرح الحي الجامعي..
بدأت الشرارة الأولى للنزاع كما يروي ذلك «خالد»، بعد أن نشب شجار بين مجموعة من الطلبة في الفصيلين المتناحرين، بسبب شعار رُفع في إحدى الحلقيات. «بعد ساعات من الهدنة، اتصل الطلبة بأصدقائهم من المدن الأخرى، ليقع إنزال في الحي، بدأت رائحة الدم تنتشر في المكان، فأخذ الطلبة يهربون. دخل عناصر ملثمون الحي وشرعوا يعتدون على أي طالب يصادفهم».. كانت ليلة سوداء يتمنى «خالد» ألا تتكرر. فقد تم إلحاق خسائر بأغراض الطلبة وبأمتعتهم، ومن هؤلاء الطلبة من غادروا غرفهم إلى غير رجعة، ومنهم من عادوا، بسبب ظروفهم المادية، ليعيشوا في الحي وهم يرتعدون من شدة الخوف..
وفي خضمّ حديثه عن هذه الأحداث المؤسفة، طالبَ «خالد» بالعدل والمساواة بين الطلبة في الحي الجامعي وبوضع حد للفوضى التي يعرفها.
وليست الأحداث التي عرفها الحي الجامعي «السويسي 1» في الرباط هي الأولى من نوعها، بل سبق أن اندلعت فيه، في شهر أبريل من سنة 2011، أعمال عنف وتخريب تجاوزت أسوار الحي لتعم «مدينة العرفان»، استعملت فيها الأسلحة البيضاء والعصي وخلّفت حالة من الذعر بين صفوف الطلبة، خصوصا بعد أن أقدم الطلبة المعتدين على تدمير واجهات البنايات ومواقف الحافلات والسيارات وبعد أن تم إضرام النار في بعض المرافق الإدارية التابعة للحي الجامعي «السويسي 1» واقتلاع أعمدة الترامواي وكذا الاستيلاء على مفاتيح الأبواب المؤدية إلى الحي لإحكام إغلاقها، كما تم إضرام النار في مختلف المرافق الإدارية التابعة للحي..
وقالت إحدى قاطنات الحي إن هذه الأحداث وقعت بسبب وفاة أحد الطلبة الصحراويين، بعد أن تلقى طعنة قاتلة من طالب آخر، مضيفة أن مثيري الرعب في نفوس الطلبة يتحججون بأي حادث للشروع في أعمالهم التخريبية.
وتساءل مجموعة من الأساتذة كيف تحولت الجامعة من مكان للتحصيل والمعرفة إلى ساحة للتقتيل والتناحر، بسبب مجموعة من الاختلافات، منها ما هو إيديولوجي وسياسي ومنها ما هو ذو نزعة قبلية إثنية، كما اعتبروا أن كثرة الفصائل داخل الجامعة غاية مقصودة، تطبيقا لمبدأ «فرّق تسُد».. فهناك «جهات» تستفيد، حسب وجهة نظرهم، من هذا التطاحن بين الطلبة.
ولعل من أبرز المدن التي تعرف ارتفاعا في هذه الحروب الطلابية، من وجهة نظر الطلبة، الراشيدية، فاس، مراكش، تازة والرباط. كما اعتبر الطلبة أن العنف ظاهرة اجتماعية وثقافية وسياسية تتغذى على خلفيات اقتصادية وعلى مشاكل الطلبة، المتمثلة في النقل والمنحة، التغذية... والتي تستغلها -حسب تعبيرهم- بعض الفصائل التي تقوم بشحن الطلبة بأفكارها، التي قد تكون في بعض الأحيان «متطرفة».
العنف ضعف
ربط أحد طلبة كلية الآداب في جامعة محمد الخامس في الرباط العنفَ ب«الضعف» وبكون بعض الفصائل عندما تفشل في إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرها، تلجأ إلى القوة كوسيلة لتحقيق ذلك، وأعطى مثالا على ذلك بقيام أحد الطلبة بإحراق غرفة توجد في الطابق الأرضي في الجناح «أ» في الحي الجامعي «السويسي 1»، والتي تعود إلى صديقه الذي كان غائبا، حيث كان الطالب ثملاً ونهاه بعض الطلبة عن فعلته لما عادوا من المسجد.. إلا أنه هددهم وأشعل النار في الغرفة، مما أضطر الطلبة إلى استدعاء رجال الوقاية المدنية لإخماد الحريق، علما أن الطالب عمد إلى إخفاء أغراضه الخاصة داخل المرحاض، حتى لا تحترق..
وفي نظر الطلبة الذين تحدثت إليهم «المساء»، والمُوزَّعين بين كليتي الآداب والعلوم في مدينة العرفان في الرباط، فإن هناك مجموعة من الأسباب والدوافع التي تقف وراء استشراء العنف في الجامعات المغربية، أولها الميز بين الطلبة، وهو الأمر الذي يؤجج -في نظرهم- نار الإحساس ب«الحكرة»، ويشكل بالتالي حافزا للشخص على ممارسة العنف، الذي قال «سعيد» إن درجته وحدته تختلفان حسب قوة الفعل، شارحا كيف أن طلبة، يأتون من مناطق أخرى بعيدة عن الرباط، يقطنون الحي الجامعي، يقومون بسرقة الدرجات الهوائية للطلبة وهواتفهم وحواسيبهم المحمولة.. كما يوجه طلبة آخرون عنفهم نحو الطالبات، فيتحرشون بهن لفظيا، وقد يتطور ذلك إلى حد إجبارهن على مضاجعتهم!..
أما بالنسبة إلى «عثمان»، وهو طالب في شعبة علوم التربية، فإن العنف، في رأيه، يتولد عن الاختلاف الذي يطبع الإيديولوجيات والأفكار والتنوع العرقي والإثني المنتشر بين الطلبة في مختلف الجامعات المغربية، ولكن هذا العنف يتجلى بحدة أكبر في الرباط، حسب عثمان، لأن كليات العاصمة تجمع الطلبة من مختلف مناطق المغرب، «فعندما يكون هؤلاء الطلبة مختلفين فكريا ويحملون توجهات متنوعة متنافرة، وفي بعض الأحيان متعصبة، فمن الأكيد أن ينتج عنها عنف يكون، من وجهة نظرهم، مُبرَّرا».
وتابع عثمان، الذي تحدث عن الموضوع دون كلل أو ملل، متسائلا، من هو الطالب؟.. إنه «فكر»، لأن صفة «طالب» تجعله ينأى عن الغوغاء وتجعله في مرتبة أكثر من الناس الآخرين».. وهذه الصفة التي يتحدث عنها عثمان لم تعد قائمة، حيث «أضحت الجامعة، التي كانت تقوم بتفريخ المفكرين والأدباء، مكانا يساعد على إنتاج «عصابات» من المجرمين».. فالطالب، في نظر المتحدث نفسه لكي يكون طالبا عليه أن يتسلح بمجموعة من القواعد الأخلاقية والسلوكية والعملية والاجتماعية.. وعزا عثمان سبب انسياق مجموعة من الطلبة وراء العنف إلى عدم تسلح بعضهم بالأفكار التي تجعلهم يبنون طريقهم ويرسمونها بشكل واضح.

صراع الإيديولوجيات
تؤثث مجموعة من الفصائل مسرح الجامعات المغربية، وتختلف انتماءات هذه الفصائل، السياسية والإيديولوجية، والتي تؤثر، بشكل أو بآخر، على الأفكار والتوجهات التي أطّرت الطلبة منذ سنوات السبعينيات عند تأسيس هياكل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.. وهي أفكار كان الغالب فيها «الديمقراطية»، على اعتبار الشعارات التي رفعا الاتحاد آنذاك، قد وحدت الطلبة في نظر البعض.. لكنْ، بفعل مجموعة من التغيرات التي طبعت المشهد المغربي، يقول أحد المتتبعين، ازدادت حدة الصراع، خصوصا بين المؤيدين للنظام والمعارضين له وبفعل الانشقاقات التي طبعت حزب الاستقلال، والتي كان لها الأثر على الصراع الذي ستشهده الجامعة حاليا.
بداية ظهور التيار الإسلامي في الجامعات المغربية، ومن تم بداية ظهور جماعة العدل والإحسان التي سيدخل طلبتها على خط المنافسة مع فصيل القاعديين، وبالضبط النهج الديمقراطي القاعدي، أو البرنامج المرحلي، ستتجلى مظاهرها في مجموعة من الجامعات المغربية، وخاصة في مراكش وفاس.
أما بالنسبة إلى الفصائل التي ظهرت مؤخرا، فيتعلق الأمر ب«الأمازيغ» والفصيل المدافع عن مطالب «الطلبة الصحراويين»، والذي ظهر كذلك وفق التطورات التي عرفتها قضية الصحراء المغربية.
وحسب ميلود الرحالي، مدير مكتب الدراسات والتدريب في اتحاد الوطني لطلبة المغرب والمسؤول عن القطاع الطلابي في جماعة العدل والإحسان، فإن «الدولة ليست بريئة من الصراع الذي تشهده الجامعات المغربية، على اعتبار أن هذا النزاع بين الفصائل يخدم موازين القوى ويحافظ على مصالح الدولة»، التي أضاف المتحدث أن في استطاعتها التدخل للحد من العنف داخل الجامعة.
وتحدث الرحالي عن الأسباب التاريخية التي تؤطر سياق العنف في الجامعة وعزاها إلى أن البعض الفصائل في عقيدتها مرسوم لديها العدم، فلا تقبل بالآخر ولا برأيه، وفي الحالة التي لا تستطيع الإقناع وتتعرض للإحراج في السلوك والمواقف، آنذاك لا تجد وسيلة غير العنف، الذي يتطور -حسب الرحالي- إلى حرب العصابات ووضع خطط محبوكة لقتل المناضلين..
أما جواد رباع، الباحث في العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض في كلية الحقوق في مراكش، فاعتبر أنه لا يمكن حصر ظاهرة العنف في العنف الطلابي أو الفصائلي أو الإيديولوجي، بل إن السبب الرئيسي فيها سياسي، حسب وجهة نظره، فقد اعتبرت الاختيارات السياسية الطلاب دائما مصدر قلق، كما أن المناهج التعليمية قزّمت دور الطالب وهمّشته داخل المنظومة التعليمية. وأوضح المتحدث أن المنحة، إلى حد الآن، ما زالت محددة في مبلغ لا يسمن ولا يغني من جوع.. زد على ذلك التضييق على العمل النقابي، حيث اعتُبِِر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب مصدر قلق، وبالتالي تجري محاولة إقصائه من داخل الساحة الطلابية.
وتحرك الصراعَ بين الطلبة في الجامعة، في الغالب، أهداف سياسية، حسب المتتبعين، وسرعان ما يتحول إلى أحداث عنف تستعمل فيها مختلف أنواع الأسلحة البيضاء، من سيوف وسواطير وسلاسل حديدية.. كما حدث في «ظهر المهراز» في فاس في 30 نونبر 2011، حينما هاجم عدد من الطلبة مجموعة من مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وهو الهجوم الذي خلّف، حسب بيان صدر عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب -جامعة سيدي محمد بن عبد الله، إصابات بليغة (جروح غائرة، كسور في الجمجمة والأصابع).. وقد اتهم الاتحاد طلبة قاعديين بالوقوف وراء الاعتداء الذي لا يعد الأول من نوعه، بل شهدت الجامعة ذاتها مسلسلا من إراقة الدماء كان ضحيتَه الطلبة، الذين استغربوا غياب أيَّ تدخل أمني.
في المقابل، نجد أن القاعديين كانوا دائما يتهمون التيار الإسلامي في الجامعات بتكفيرهم وبمحاولة القضاء عليهم، وخاصة فصيل طلبة العدل والإحسان وفصيل التجديد الطلابي، التابع لحركة التوحيد والإصلاح، وتجلى ذلك في اتهامهم بقتل أيت الجيد محمد بنعيسى.
واعتبر أحد القاعديين، في اتصال هاتفي، أن الحلقات التي يقيمها الإسلاميون في الجامعة هي فقط للترويج لخطابهم «الرجعي»، الذي لم يكن يُسمَح لهم قبل التسعينيات بترويجه، موضحا أن الهدف من ظهور الإسلاميين في الجامعة كان هو استهداف الفكر الديمقراطي وإضاعة الفرصة عليهم، باعتبارهم «تقدميين» وتسهيل المأمورية لزحف من وصفهم ب«الظلاميين» على الجامعة، في إشارة منه إلى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي يتزعمه طلبة العدل والإحسان.
ضعاف النفوس
اعتبر عثمان، الطالب في كلية علوم التربية، أن بعض الفصائل تمارس تأثيرها على الطلبة الجدد وتبهرهم بخطابها وبرجاحة أفكارها، الأمر الذي يجعل مجموع من «ضعاف النفوس» ينساقون وراءها، إما رغبة منهم أو تحت الضغط، موضحا أن هذه الجماعات من الأفراد تستغل الضعف الفكري للطلبة لتمرر عن طريقهم وجهة نظرها.
وشرح عثمان كيف أن المجتمع الطلابي كان أكثر تكتلا وأكثر قوة في حقبة السبعينيات والثمانينيات، عندما كان منضويا تحت لواء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حين كانت الدولة، بمختلف مكوناتها، تقيم اعتبارا للطالب، مضيفا أن «الظروف السياسية على الصعيد العالمي أظهرت أنه إذا أردت قهر أي تشكيل جماعي يهددك عليك القيام بهدمه من الداخل، وهو الأمر الذي تعرّضَ له الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»..
وأضاف عثمان أن «الدول، بصفة عامة، انتهجت الفكر النازي، رغم أنها في الواجهة تقول إن الفكر النازي قد انتهى، ولكنها انتهجته بالدعاية الألمانية التي كانت بقيادة جوزيف غوبلز، الذي قال «كلما سمعتُ كلمة «مثقف»، تحسستُ مسدسي».. فالطالب، باعتباره مثقفا، يرعب الدولة ويجعلها تتحسس مسدسها، حسب غوبلز..
أما «نجيب»، وهو طالب في نفس الكلية، فاعتبر أن هذه الفصائل هي فصائل «مصطنعة» وأن هناك أياديَّ خفية تحرّكها انطلاقا من القولة الشهيرة «مصائب قوم عند قوم فوائد»، ولكي يتم خلق توازن داخل الحرم الجامعي، يضيف نجيب، «يتم خلق هذه الجماعات والتركيز على الاختلافات القائمة بينها، لجعلها تتطاحن، حتى تظل تحوم حول نفسها ولا تفكر في القضايا الكبرى التي تهمّ البلاد والعباد»، حسب رأيه..
أما عزيز طالب كلية الآداب، فيقول إن الأسباب التي تعزز العنف داخل الحي الجامعي مرتبطة بتعصب مجموعة من الطلبة لأفكار معينة، وعندما يأتي فصيل آخر لديه أفكار معارضة للفصيل الأول آنذاك تتمظهر حدة التطاحن بين الرأي والرأي المضاد. واعتبر طالب آخر العنف الجامعي مرتبط بالهوية الثقافية بالدرجة الأولى وأن هناك فصائل طلابية يتطور الصراع في ما بينها إلى درجة العنف والقتل. وكشف الطالب أن مجموعة من الطلبة الذين ينخرطون في تلك الفصائل يتم شحنهم في الغالب، بأفكارها في مرحلة الثانوي، وعندما يصعد التلميذ للجامعة يجد نفسه مُحمَّلاً بجملة أفكار تمكّنه من الانسياق وراء توجهات قد تكون إسلامية وقد تكون ماركسية، وفي بعض الأحيان، قد تكون متطرفة.
وأضاف أن غالبية الفصائل تعمل على جذب الطلبة من خلال دفاعها على المشاكل التي يعانون منها كالنقل والمنحة، لإقناعهم بتوجهها، وأن هناك فصائل العنف هو «المبدأ الأول» لديها وفصائل تلجا إليه في حالات وفصائل من مبادئها نبذ العنف.
النزعة القبلية
ليس اختلاف الإيديولوجيات وحدَه المسؤول عن تفشي العنف داخل الجامعات، حسب الطلبة، بل طفت على السطح نوازع قبلية وإثنية تحرّك الطلبة أكثر من الأفكار الإيديولوجية، فالجامعات، بحكم أنها تستقبل الطلبة من مختلف مناطق المغرب، وخصوصا تلك التي تتوفر على أحياء جامعية، جعلت من فضاءاتها بيئة خصبة لنمو الفكر الطائفي والعرقي بين طلبة، حتى إن إحدى الطالبات قالت إنها أصيبت بالدهشة من كثرة التفييئ الذي تتعرض له المناطق، حيث يوجد في الجامعة التي تدرس فيها الطلبة الصحراويون والطلبة الأمازيغ وآخرون يسمون أنفسهم «ريافة» و«الشماليين» ثم «أهل الداخل»، تفييء تقول «حليمة»، من فصيل التجديد الطلابي، إنه كان له الأثر السئ على روح المساواة والعمل الجماعي داخل الجامعة وعزز، من جهة ثانية، ذلك الإحساس بالميز والاختلاف، وهو من الأسباب التي تزيد من حدة ووطأة ظهور العنف، على حد قولها.
واعتبرت الطالبة أن حدة العنف ازدادت لدى الطلاب نظرا إلى كون الفصائل الطلابية مهددة في المغرب، ونظرا إلى أنه لا يجمع هذه الفصائلَ سقف واحد يُوحّد آراءها وانتماءها الطبقي والسياسي والقبلي، مضيفة أن ما أجّج الوضع في هذه المرحلة وجعل حدة العنف تزداد هو التعصب الإثني القبلي.
في سياق آخر، حمّل الطلبة المسؤولية للدولة، التي يقولون إنها همّشت دور الطالب في المغرب، فحين يشهر الطالب سيفه في وجه طالب أعزل فهذا إشكال حقيقي من بين دوافعه أن الطالب لا تعطاه الفرصة ليعبّر عن مشاكله وأحزانه، فصوته لا يسمع، وفق تعبير الطلبة، الذين اقترحوا إنشاء برلمان طلابي يعالج مشاكلهم حتى يتم خلق جيل قادر على التفاهم والحوار وليس على القتل والإجرام..
وفي رد وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، لحسن الداودي٬ على سؤال شفوي في مجلس النواب حول العنف في الجامعة، أكد الوزير، أنه ستتم معالجة إشكالية العنف داخل الأحياء الجامعية «تدريجيا»، عن طريق الحوار، مضيفا أن العنف في الجامعات المغربي٬ «تراجع كثيرا«٬ موضحا أن الجامعة فضاء للنقاش ولتلاقح الأفكار.
وقال الداودي، الذي جدد التأكيد عزم الوزارة على اجتثاث الفساد من الجامعات٬ «لن نسمح باستمرار اعتماد العنف داخل الأحياء الجامعية.
بؤر التوتر
ليست الأحداث التي عرفها الحي الجامعي «السويسي 1» في مدينة العرفان في الرباط الوحيدة التي توضح مدى خطورة العنف على مستقبل الطلبة، بل إن محمد النشطاوي، أستاذ تعليم العالي -تخصص قانون العام يعتبر مدنا أخرى، مثل فاس ومراكش والقنيطرة وأكادير، من أكثر البؤر سوادا، موضحا أنه كلما كانت الجامعة أكثر قِدَماَ، كلما كانت محط تنازُع بين الفصائل.
وأرجع المتحدث دواعي العنف إلى مجموعة من الأسباب التي يمتزج فيها الاقتصادي بالاجتماعي بالسياسي بالتربوي.. فالرسوب في الدراسة والبطالة وغيرهما من العوامل هي التي تعمق العنف عند الطلبة، الذين يتحدرون في الغالب من شرائح اجتماعية فقيرة، حسب الأستاذ.
وقسم النشطاوي العنف إلى نوعين، عنف تمارسه الفصائل في ما بينها وعنف تمارسه عليها السلطات العمومية، التي تتدخل لفرض النظام وقمع بعض الفصائل. وأعطى مثالا بالعنف الذي تمارسه الفصائل اليسارية والصحراوية المساندة للأطروحة الانفصالية ضد الإسلاميين، على اعتبار أنها تعتبرها حركة ضلالية، وبالتالي تصبو إلى إخراجها من الجامعة، لأن طلاب الفصائل اليسارية الصحراوية يعتبرون أنها دخلت الجامعة لتمارس نشاطها على حساب دم الشهداء، الذين تمت «التضحية» بهم في سنوات الرصاص، وكذلك بالعنف الذي يُمارَس ضد فصيل الوحدة والتواصل، وهو الفصيل القريب من حزب العدالة والتنمية.
واعتبر النشطاوي أن متبني أطروحة العنف يلجأون إليه للتنافس أمام الطلبة لفرض سياسة أو إديولويويجية معينة، وأن كل جامعة مشهورة ب«طغيان» فصيل معين.. فجامعة فاس مشهورة بقوة التيار اليساري ومراكش معروفة بقوة التواجد الاسلامي، ففي كل منطقة هناك فصيل يسيطر على جامعتها. وأوضح المتحدث نفسُه أن عدم تدخل قوات الأمن في الأحداث العنيفة بين الفصائل الطلابية راجع إلى أن من شأن هذا التدخل أن يزيد الوضع احتقانا، كما وقع في مراكش، مثلا، «فكلما اشتد الصراع وتطورت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، يجب على قوات الأمن أن تكون بعيدة». وطالب الشطاوي بفتح المجال للطلبة للحوار وإشراكهم في تهيئ الدخول المدرسي، فالطلبة في فرنسا، مثلا، يتم اشراكهم في تنظيم الامتحانان ويُجعلون شريكا لا محيد عنه في الدورة الدراسية.
وحسب أستاذ العلوم السياسية، محمد ضريف، الذي كتب عن مسار الحركة الطلابية، فإن العنف هو اللغة الوحيدة المستعملة والسائدة داخل الجامعة المغربية، ولكنْ في السنوات الأخيرة، هناك تطور في المواقف والوعي بأهمية الإيمان والاعتراف بالاختلاف، واعتبرا ضريف، في حديث إلى «المساء»، أن بعض الجامعات أو ما يسمى «البؤر السوداء» في الخريطة الجامعية المغربية هي التي يطفو فيها العنف.
ومن ضمن البؤر التي حددها ضريف «حالة» جامعة مدينة مراكش، التي تعرف احتكاكا بين طلبة اليسار الراديكالي والطلبة الإسلاميين أو المتحدرين من الأقاليم الصحراوية. كما تحدث ضريف عن حالتي جامعة فاس وتازة والتي اتسعت فيها رقعة العنف، واعتبر أنه من الضروري تطويقها. وتحدث ضريف عن بعض الحسابات الظرفية التي تكون سببا في إشعال فتيلة العنف، كما وقع مؤخرا بين الطلبة الصحراويين في الرباط. وربط المتحدث عدم تدخل الأمن في مثل هذه الأحداث بأنه في جميع الأحوال سيكون متهما.. «فإذا تدخل في الأحياء الجامعية سيقال إنه هو الذي كان من وراء تأجيج الصراع وإذا لم يتدخل فسيقال إنه يريد تأجيج حدة الخلافات بين الفصائل الطلابية»..


عز الدين الرويسي.. الطالب القاعدي الذي عنف ذاته بإضرابه عن الطعام لمدة تجاوزت 100 يوم
اعتبر عز الدين الرويسي، المنتمي إلى فصيل النهج الديمقراطي القاعدي، أنهم، كطلبة، حاملو مشروع هدفه هو «الثورة» وأن الاتهامات التي توجه لهم تكون، في الغالب، عبارة عن «ملفات مطبوخة»، الغاية منها تشويه سمعتهم ونشر الاعتقاد بأنهم «مجرمون» وليسوا معتقلين سياسيين. وأضاف الرويسي، الذي كان يتحدث بصوت خافت جدا بسبب مشكل في الصوت تعرض له بسبب إضرابه عن الطعام لمدة تجاوزت 100 يوم، أن التّهم التي تنسب إليهم دائما تتعلق بحمل الأسلحة البيضاء وبالتجمهر المسلح وتهديد الأمن، موضحا أن فصائل أخرى هي التي تبدأ بالعنف.
وجوابا عن سؤال يتعلق بممارسته نوعا آخر من العنف وهو العنف تجاه الذات بسبب بإضرابه عن الطعام حتى الموت، قال إن إضرابه لم يكن عبثيا بل كانت له غايات وأهداف، من بينها المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين القاعديين في مدينة الراشيدية وفاس وتازة وكذا ضد ما أسماه «المضايقات» التي تعرض لها داخل السجن، والتي تتمثل في منعه من حقوقه وممارسة التعذيب النفسي والجسدي عليه، بوضعه في زنزانة يتواجد فيها سجناء مختلون عقليا..
ويشار إلى أن عز الدين الرويسي، الذي أطلق سراحه بعدما تدهورت حالته بشكل مخيف للغاية، كان قد اعتُقل وحكم عليه بخمسة أشهر بتهمة إهانة شرطية في جامعة فاس، وصدر حكم في حقه، رفقة طلبة آخرين، وهو حكم رفضه الرويسي معتبرا أنه كان نتيجة تهم «ملفّقة».



ضريف: عندما يصبح العنف جزءا من «عقيدة» تيار سياسي فهذا ما يشكل خطورة ليس فقط داخل الجامعة بل على المجتمع ككل
- كيف ظهر العنف داخل الجامعة المغربية؟
العنف داخل الجامعة ليس جديدا، فكما هو معلوم فقد خرجت الجامعة المغربية إلى الوجود ابتداء من سنة 1957 بتأسيس أول جامعة في المغرب، وهي جامعة محمد الخامس، وفي نفس الوقت، تزامن ظهور الجامعة المغربية مع أول مركزية طلابية وهي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وعمليا، فإنه من الأكيد أن تنعكس الخلافات السياسية والانشقاقات التي شهدتها الاحزاب المغربية منذ 1959 سلبا على الجامعة المغربية، حيث إن تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي انشق على حزب الاستقلال، قد انحاز إليه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وقام حزب الاستقلال، في بداية الستينيات، بتأسيس نقابته الطلابية، التي أسماها الاتحاد العام لطلبة المغرب، ومنذ ذلك الوقت، بدأ عمليا هذا العنف الرمزي، لأن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب اعتبر نفسه هو الممثل الوحيد للطلبة ورفض الاعتراف بتمثيلية الاتحاد العام لطلبة المغرب.
وفي نهاية ستينيات القرن الماضي، ظهر التيار الماركسي اللينيني، الذي حاول أن يسيطر على الجامعة وكان من أدبياته الاهتمام بمقولة العنف الثوري، وبالتالي كان طبيعيا أن يرفض الإعتراف بتمثيلية التيارات الاخرى.
ولاحظنا أن العنف كان هو سيد الموقف بعد الفراغ الذي عرفته الساحة الجامعية في الثمانينيات، وفي بداية التسعينيات، ظهرت فصائل طلابية تنتمي إلى التيار الإسلامي، وتوج هذا الظهور بعدم الاعتراف المتبادَل الذي أدى، بدوره، إلى اللجوء إلى العنف، كما تبث ذلك في أحداث فاس وفي أحداث وجدة.. ونلاحظ حاليا أننا انتقلنا إلى مرحلة أخرى ظهرت فيها فصائل طلابية تعبر أحيانا عن هموم بعيدة عن هموم الحركة الطلابية، فنحن اليوم أمام طلبة صحراويين يدعمون الانفصال ويرغبون في نقل مطالب البوليساريو إلى الساحة الجامعية المغربية.. وهناك، أيضا، التيار الأمازيغي الذي يكون مضطرا إلى اللجوء إلى العنف لمواجهة خصومه، لذلك فإن للعنف في الجامعة المغربية جذورا، والسبب الأساسي أن الحركة الطلابية كانت دائما عرضة للتوظيف الحزبي من قِبل تيارات حزبية معينة.
- كيف انتقلنا من العنف الرمزي إلى العنف الجسدي وتصفية حسابات مع مناضلين، إسلامين أو يساريين؟
العنف الرمزي هو عندما يلجأ فصيل طلابي أو فصائل سياسية تعتبر نفسها محسوبة على تيار سياسي معين إلى عدم الاعتراف بالفصائل الأخرى، وتعتبر نفسَها هي التي تمتلك ما يسمى «المشروعية التاريخية».. لكنْ، كما قلت، فإن العنف الرمزي في الغالب هو الذي يتحول ويعطي مشروعية التصفية الجسدية، وقد لاحظنا في محطات كثيرة، اللجوء إلى استعمال العنف، ولكن علينا أن نميز بين أشكال العنف فهناك العنف الذي يُمارَس داخل الجامعة بشكل عرضي ويكون نتيجة سوء تفاهم، وبعض الاحتكاكات، التي قد تتطور إلى عنف، وهناك النوع الثاني الذي يكون جزءا من إيديولوجيا تيار سياسي معين، بمعنى العنف الذي يصبح جزءا من سلوك ومن عقيدة ذلك الطالب الذي ينتمي إلى تيار سياسي.. وما ينبغي التنبيه إليه هو خطورة هذا الصنف من العنف، أما العنف العرضي فتُفهَم مبادئه.
حينما نتحدث عن العنف المادي، الذي يمارَس داخل الجامعات المغربية فهو، أكيد، نتيجة عجز عن تدبير الخلافات، وأحيانا، نتيجة غياب إيديولوجيا، لهذا يفضل هؤلاء اللجوء إلى العنف لإثباث وجودهم.
- من هم الأكثر عنفا، في نظرك، الطلبة الإسلاميون أم اليساريون؟
لا تقاس هذه المسألة بالدرجات، بمعنى من هم الأكثر ايمانا بالعنف: الإسلاميون أم اليساريون.. لقد قلت إنه في حالات معينة كان هناك عنف عرضي بين الطلبة اليساريين والطلبة الإسلاميين، ولكننا لاحظنا كيف أن العنف داخل الجامعة لم يعد ينحصر فقط على التيار الإسلامي، بل صار هناك عنف يلجأ إليه الطلبة المتحدرون من الأقاليم الصحراوية، وعنف يلجأ اليه طلبة التيار الأمازيغي..
وما أريد أن اشدد عليه هو أن كل الفصائل الطلابية تتبرأ من العنف، وعلينا أن ننتبه إلى إنه عندما يصبح العنف جزءا من عقيدة تيار سياسي فهذا ما يُشكّل خطورة ليس فقط داخل الجامعة، بل داخل المجتمع ككل.
فأكيد أن الطلبة اليساريين يتهمون الطلبة الإسلاميين باللجوء إلى العنف، والطلبة الإسلاميون أنفسهم يتهمون الطلبة اليساريين بذلك.. وعندما نتحدث عن الطلبة الإسلاميين لا يمكن أن نتحدث عنهم بالمفرد، فهناك فصيل طلبة العدل والاحسان، وهناك فصيل المنتمي، الذي يشتغل الآن في اطار منظمة التجديد الطلابي، وهناك فصائل صغير ة ظهرت في جامعات في المغرب، مثل فصيل الطلبة السلفيين، الذي يوجد قي بعض كليات شمال المغرب.. وحتى عندما نتحدث عن الطلبة اليساريين فهناك من ينتمون إلى اليسار التقليدي، وهناك من ينتمون إلى أحزاب اليسار الراديكالي، وهناك فصيل يُتّهَم بالعنف في المغرب هو فصيل الطلبة القاعديين أو ما يعرف بطلبة البرنامج المرحلي..
لن نجد من سيدافع عن العنف أو يدعو إليه، ولكنْ في الممارسة فإن العنف حاضر، ونتمنى أن يكون هذا العنف عنفا عرضيا وليس عنفا مرتبطا بعقيدة إيديولوجية مرتبطة به لحل الخلافات ورغبة من متبنّيه، من مختلف الفصائل، في فرض الهيمنة ورغبة في «الانتصار» على الفصائل الأخرى.
- من ضمن مبادئ الإتحاد الوطني لطلبة المغرب كانت هناك «الديمقراطية»، على اعتبار الاتحاد بدأ ديمقراطيا.. كيف يمكن إعادة الاتحاد إلى هويته الديمقراطية ووضع حد للعنف؟
كانت تحكم اتحادَ طلبة المغرب مبادئ معروفة: مبدأ الجماهيرية ومبدأ الديمقراطية والاستقلالية، وقد كانت هذه المبادئ دائما محط خلاف على مستوى الاتحاد، لأن هناك من كان يعتبرون أن مبدأ الاستقلالية غائب، ما دام أن الفصائل التي كانت تسيطر على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كانت دائما تابعة لتيارات سياسية، إما لأحزاب بعينها أو لحركات يسارية بذاتها..
وعندما نتحدث عن مبدأ الديمقراطية على أنه كان موضع خلاف وتأويل، فلأن الاتحاد، في لحظة من اللحظات، كان لا يؤمن بحق وجود تنظيمات أخرى داخل الجامعة تسعى إلى تمثيل الطلبة، حيث كان الاتحاد الوطني يعتبر هو الإطار الوحيد والشرعي الممثل للطلبة.. وكان هذا يعتبر ضربا لمبدأ الديمقراطية وضربا لحق الطلبة في من يمثلهم وليس بالضرورة إلزامهم بأن يصبحوا مُمثَّلين بتنظيم نقابي واحد، الآن من الصعب أن نرجع إلى الماضي وإلى تجربة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لأنه قد تم تجاوزها في نظري، رغم إصرار بعض الفصائل الطلابية على ضرورة حماية هذه التجربة، ولكنْ على أرض الواقع تغيرت هذه الأوضاع إلى حد ما. وإضافة إلى وجود الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والذي يؤطره حاليا طلبة العدل والإحسان، هناك طلبة التجديد الطلابي، التابع لحركة التوحيد والإصلاح، لحزب العدالة والتنمية، والاتحاد العام لطلبة المغرب، الذي لم يُسمَح له في الماضي بمزاولة الانشطة داخل الجامعة، والذي بدأ الآن يمارس بعض الأنشطة التي لا تتعرض للمنع من قِبَل فصائل أخرى.
محمد ضريف - أستاذ العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.