تتجلى أزمة «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، في جزء هام منها، في الفصائل الطلابية المكونة له، هذه الفصائل تخترقها تناقضات ما فتئت تشتد إلى أن بلغت درجة القطيعة. ورغم هذه التناقضات، فهناك قاسم مشترك يوحدها يتمثل في التشبث بالمنظمة الطلابية «أ.و.ط.م» كإطار شرعي وحيد وبمبادئها الأربعة. خلال السبعينيات، كان يتم تفسير الصراع داخل الجامعة على أساس كونه صراعا بين فصائل «إصلاحية» وأخرى «ثورية». غير أنه مع مطلع التسعينيات ومع تحول في التوجهات وتغيير في موازين القوى، اتخذ الصراع وجهة أخرى، حيث أضحى صراعا بين فصائل «علمانية» وأخرى «إسلامية». في التسعينيات من القرن الماضي، كانت الفصائل العلمانية تضم اتجاهين: - يتمثل الاتجاه الأول في فصيل الطلبة «القاعديين» وفصيل الطلبة «الطليعيين»، وهذان الفصيلان كانا يريان أن هناك تناقضا بين توجهات الفصائل الإسلامية والمبادئ الأربعة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب والمتمثلة في مبدأ التقدمية ومبدأ الجماهيرية ومبدأ الديمقراطية ومبدأ الاستقلالية، كما أن هذا الاتجاه يعتبر الفصائل الطلابية الإسلامية دخيلة على الحركة الطلابية، وبالتالي تمنح نفسها مشروعية إقصائها. - يتجسد الاتجاه الثاني في ثلاثة فصائل، وهي فصيل الطلبة «الاتحاديين» وفصيل طلبة «التقدم والاشتراكية» وفصيل الطلبة «الديمقراطيين». وهذا الاتجاه لا يدعو صراحة إلى إقصاء الفصائل الإسلامية، ولكنه يسعى إلى احتوائها عبر قبولها بمشاركتها شريطة الالتزام بأمرين: الأمر الأول يتجلى في الإيمان بالديمقراطية، والأمر الثاني يكمن في ضرورة احترام ثوابت المنظمة الطلابية. بعد صدور الدورية الثلاثية بتاريخ 20 فبراير 1997، دخلت الجامعة طورا جديدا على المستوى التنظيمي، كان من تداعياته تراجع أداء العديد من الفصائل التي أصبح بعضها يكتفي بممارسة بعض الأنشطة في مقرات الأحزاب التابعة لها بعيدا عن أسوار الجامعة، مع ضرورة الإشارة إلى الحضور القوي الذي يسجله فصيل طلبة الحركة الأمازيغية. ورغم أن كثيرا من المتتبعين للشأن الطلابي كانوا يعتقدون باندثار التيار القاعدي وسط الحركة الطلابية للعديد من الاعتبارات، فإن هذا التيار ما فتئ يؤكد حضوره واستمراريته في الدفاع عن المبادئ التي سطرها منذ ظهوره. ولعل الأحكام القضائية الصادرة ضد نشطاء هذا الفصيل في مدينة مراكش مؤخرا دفعت بهذا الفصيل من جديد إلى الواجهة، وهذا ما يستدعي تذكير بعض المهتمين بملابسات تأسيس هذا التيار وأهم التعبيرات التنظيمية التي حكمت مساره. إن الطلبة «القاعديين» هم نتاج الحظر القانوني الذي فرض على «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» بتاريخ 24 يناير 1973، ففي محاولة لتجاوز آثار هذا الحظر، عمل مجموعة من الطلبة على إعادة هيكلة الفضاء الجامعي بشكل فعلي، وهو ما تجسد ابتداء من سنة 1974 في تأسيس «مجالس النضال» السرية. في سنة 1975، وجد مجموعة من الطلبة أنفسهم موحدين على أساس ثلاث قواعد: - قاعدة إيديولوجية تتمثل في الإيمان بالماركسية. - قاعدة سياسية تتجلى في التشديد على الطابع «اللاديمقراطي» للنظام القائم وتأكيد الطبيعة «الإصلاحية» لأحزاب المعارضة. - قاعدة تنظيمية تتشخص في ضرورة العمل وفق مقررات المؤتمر الخامس عشر للمنظمة الطلابية. وعلى أساس هذه القواعد الثلاث، سيتشكل تيار جديد داخل الساحة الطلابية سنة 1975. وهو تيار الطلبة الديمقراطيين الذي سيعرف منذ المؤتمر السادس عشر للمنظمة الطلابية سنة 1979 باسم تيار الطلبة القاعديين. رغم تنديد الطلبة القاعديين بمقررات المؤتمر السادس عشر الذي اعتبروه مؤتمرا بيروقراطيا على المستوى التنظيمي ومؤتمر التراجع على المستوى السياسي، فقد عملوا بمقرراته التنظيمية واستطاعوا من خلاله أن يسجلوا حضورهم بشكل قوي في المؤتمر السابع عشر للمنظمة الطلابية سنة 1981، وكان بإمكانهم قيادة المنظمة الطلابية لولا مؤامرة الفصائل الإصلاحية التي أجهضت أشغال المؤتمر بانسحابها. بعد إجهاض المؤتمر السابع عشر، استمر الطلبة القاعديون في مسلسل الهيكلة التحتية للمؤسسات الجامعية، وهو المسلسل الذي سيتم إيقافه بتدشين قوى الحكم القائم عملية اعتقالات في صفوفهم سنة 1984 ومحاكمتهم بدعوى انتمائهم إلى تنظيم غير شرعي. لم يكن الطلبة القاعديون، بأي حال من الأحوال، إعادة إنتاج لتجربة «الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين»، ورغم أنه كانت هناك وحدة على مستوى الاقتناع الإيديولوجي والرؤية السياسية، فإن الطلبة القاعديين ليس لهم أي سند سياسي خارج الجامعة، وإن كانوا ينسبون خطأ إلى أحد فصائل الحركة الماركسية اللينينية المغربية وتحديدا تنظيم «إلى الأمام». يتصف الطلبة القاعديون بنزعتهم الجماهيرية المفرطة المؤسسة على إيديولوجيا ماركسية «عائمة»، الشيء الذي كان يدفع مرارا إلى التساؤل عن إشكالية المرجعية لديهم، إضافة إلى اعتمادهم العفوية التنظيمية. إن الإفراط في النزعة الجماهيرية وما واكبها من عفوية تنظيمية سيجعلان الطلبة القاعديين مرتعا خصبا لإنتاج عديد من «الخطوط» المتباينة المتفرعة عن الخط الأصلي المتمثل في الطلبة القاعديين التقدميين، والتي يمكن اختزالها، إلى حدود سنة 1996، في أربعة خطوط وهي: أولا، «خط 7 نونبر»، وقد تبلور هذا الخط خلال سنتي 1981- 1982، وكان في الواقع يسعى إلى الخروج بالطلبة القاعديين من عفويتهم التنظيمية، وذلك بالدعوة إلى ضرورة الاهتمام بالبعد التنظيمي بهدف استثمار الجهود المبذولة داخل الساحة الجامعية، وتعبر أرضية «تساؤلات حول النهج القاعدي» عن هذا الخط، غير أن الخط الأصلي رفض هذا التوجه مرتكزا على اعتبار أن ما يذهب إليه «خط 7 نونبر» يشكل إخلالا بثوابت الطلبة القاعديين، خاصة حين يعتبر هذا الخط «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، بعد أحداث 20 يونيو 1981، بمثابة العمود الفقري لليسار المغربي. ثانيا، «خط المبادرة الجماهيرية»، وقد عبر عن نفسه بوضوح عقب إجهاض المؤتمر السابع عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1981. وكان يطمح إلى إقناع الطلبة القاعديين بعدم قيادة المنظمة الطلابية، وبالتالي إخلاء الساحة الجامعية انطلاقا من تحليل الطبيعة الطبقية للحركة الطلابية، فباعتبار الطلبة شريحة من البرجوازية الصغيرة، فإن القوى الإصلاحية هي المؤهلة لقيادتهم، وبالتالي على القاعديين، لكونهم جزءا من البروليتاريا، أن يعملوا داخل الأوساط العمالية بدل العمل داخل الوسط الطلابي. ثالثا، «خط الكراس»، وقد أعلن عن نفسه سنة 1984 حينما تم توزيع «كراس» يتضمن أفكار هذا الخط بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاة القاعديين: مصطفى بلهواري والدريدي مولاي بوبكر. وهذا الخط كان يدعو إلى الإسراع في إنجاز هيكلة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والعمل على عقد المؤتمر الاستثنائي، غير أن الخط الأصلي اعتبر ذلك غير ممكن بسبب الحظر العملي. رابعا، «خط البرنامج المرحلي»، ففي بداية التسعينيات ومع تسجيل الحضور المكثف للفصائل الطلابية الإسلامية داخل الفضاء الجامعي، تبلور خط «فرعي» داخل الطلبة القاعديين يسعى إلى «تحيين» الأطروحات الماركسية حول «العنف الثوري»، ويدعو بالتالي إلى استعمال العنف ضد التيار الإسلامي، فالمنظمة الطلابية، في نظر هذا الخط، لا تعاني فقط من الحظر العملي بل كذلك من الحظر «الظلامي» الذي ينبغي مواجهته بالعنف.