من حق البيضاويين أن يفخروا بمدينتهم.. من حقهم أن يتغنوا بها في المحافل.. فبعد سنوات لم يتم تحديدها، سيصبح للمدينة وجهها الجديد الذي تفخر به أمام باقي مدن العالم.. إحداث فضاءات عمومية ومناطق خضراء، وبنايات تتحدث عن نفسها.. حين تفرجت على صور المدينة، أحسست بفخر داخلي في أن تكون لنا مدينة جميلة بهذا الشكل، قبل أن ينهي صديق حميم فرحتي، قائلا بابتسامة: «راه غير الماكيط أحنيني، شفنا بحالو في ستينيات القرن الماضي».. أدركت بعدها أننا نجيد فن الماكيط، وقد يتطلب أمر تحويله إلى أرض الواقع سنوات ضوئية.. قبل سنوات، كان يهمنا أن نفرح بانتمائنا لمدينة البيضاء، كان يسعدنا أن نخبر الجميع في رحلاتنا المختلفة أننا من كازا، حتى وإن كان البعض منا يتحاشى أن يذكر اسم حيه الشعبي، تكون معه الكذبة البيضاء مباحة لكي يبقى للمدينة بياضها الرائع.. كانت الرسائل البريدية هي التي تختصر مسافة التباعد بين الأصدقاء، وكنا ملزمين ببعث رسائل وبها هدية لاينافسنا عليها أحد، «كارط بوسطال» الكرة الأرضية وساحة لحمام، نكتب على ظهرها بخط رديء «أهدي إليك هذا المنظر الخلاب من مدينة البيضاء». كان الأمر فعلا مفخرة لأبناء ذلك الجيل.. الآن، لم تعد الكرة الأرضية تستهوي أحدا.. معلمة لم يبق منها إلا الاسم فقط، وأصبح الحديث عن تغيير ساحة لحمام ضرورة ملحة.. كيف طال النسيان معالمنا الجميلة بالبيضاء؟ بين السؤال والجواب يسكن حجم الجبل حيرة.. وأجدني أتذكر حين كنا صغارا.. نستجدي عطف آبائنا لنحصل على ثمن تذكرة الحافلة كي نأتي إلى وسط المدينة لنأخذ صورة تذكارية بالقرب من الكرة الأرضية.. وحتى عندما صرنا كبارا ظلت الكرة الأرضية متنفسنا الوحيد لعبور الشارع بآمان.. كان الفضاء يغري فعلا بالزيارة.. كانت الكرة الأرضية حينها تزهو بألوان جميلة.. قبل أن يجردوها من غطائها الجميل.. ويعلن عن إغلاق ممرها في انتظار تهيئتها من جديد.. كانت المشاريع المزمع إنجازها داخل هذا الفضاء قد رسمت بشكل جميل على الورق وعلقت على الجدران في شكل ماكيت رائع يدعوك لانتظار شكل الكرة الأرضية الجديد.. محلات تجارية.. أبناك.. ومرافق ترفيهية.. وانتظرنا طويلا.. لكن واقع حال الكرة الأرضية كان غير ذلك.. توقفت الأشغال قبل بدايتها.. وصار المكان لا يغري أحدا بالزيارة.. وظلت وعود إصلاح المكان لسنوات طويلة، مجرد قرارات منسية في رفوف مجلس المدينة.. وهدمت معالم أخرى.. وتوقف حلم إنجاز مشاريع كبرى داخل مدينة البيضاء.. كان المهندس زيفاغو، الرجل الذي قام بتصميم ممر الكرة الأرضية في سبعينيات القرن الماضي.. يعلم أكثر من غيره أن هذا المكان سيصبح يوما مزارا لكل الوافدين على مدينة البيضاء.. لكنه لا يعلم، وهو الذي وافته المنية قبل سنوات من الآن، أن المشروع الذي أضفى عليه جمالا هندسيا سيتحول يوما إلى مرحاض مجاني مفتوح في وجه كل المشردين.. أزبال وشعارات مكتوبة على الجدران.. قبل أن يعود للمكان عنفوانه مع ظهور الترامواي، تم ترحيل الباعة ووضع مراحيض عمومية، ولم يبق في المكان شيء آخر غير ذلك.. وحتى ساحة لحمام، سيتم تغيير مكانها، سيبنون مكانها مسرحا كبيرا.. سيغير الحمام وكره، وستتحول كازا إلى مدينة بدون معالم.. ووحده مسجد الحسن الثاني الذي سيحتفظ لها بالتميز كله.. من حقنا أن نفخر بالوجه الجديد للبيضاء، من حقنا أن نحلم بمارينا كازابلانكا، من حقنا أن تصبح للمدينة بصمتها الخاصة، ولو أنني أعرف أن الأمر سيكون بعد عمر طويل.. وفي انتظار ذلك، ولكي تبدو المدينة بأحلى حلة، تمت مطالبة السكان بصباغة منازلهم، يجيروها بلبيض، يغسلو ليها لوجه، لكي لا يلتصق بها اسم كازا نيكرا، ولكن، هي بقات في الجير والصباغة، مع انتشار الأزبال، لعكر ولخنونة، راه وجه الشارفة عمرو ما يخفا واخا تحكو بالحلفة..