عرفت الدارالبيضاء، في الآونة الأخيرة، تحولات كبيرة، ساهمت في تغيير ملامحها، خاصة بمركزها، وقلبها النابض، والكثير من المعالم والمآثر التاريخية، التي اندثر أغلبها، والباقي أصبحت تهدده آلات الهدم والدمار، كممر "الكرة الأرضية"، الذي مسه النسيان وتحول لمرحاض، بل لنقطة سوداء بأكبر شوارع العاصمة الاقتصادية. هذه المعلمة تراجع إشعاعها، وأغلقت ممراتها، وتحولت مع مر الزمن، إلى شامة سوداء فوق جبين كل البيضاويين، وأصبحت عبارة عن كتلة من الحديد، يعلوها الصدأ، وممرها يحكي غشاوة الإهمال بعد عز وجمال. مصادر مسؤولة بالدارالبيضاء، أكدت ل"المغربية"، أن إعادة هيكلة ممر "الكرة الأرضية"، سترى النور قريبا، بعد أن مسها النسيان والإهمال مدة طويلة، إذ سيزود بمرافق تتماشى ومساحة الموقع، وتصميمه، وشكله الداخلي، الذي سيعرف إصلاحا، بينما سيحافظ على الشكل الهندسي والفني الخارجي، مضيفا، أن المشروع سيفوت للخواص، لأن مشكل الكرة الأرضية، ليس مشكلا تقنيا، بل مشكل تدبير يومي"، مضيفة أن "هناك اقتراحات من طرف خواص، من أجل تزويده بمرافق تتماشى ومساحة الموقع، وتصميمه الهندسي، كمقهى صغير، أو مطعم، للأكلات الخفيفة، لوجود الممر بالقريب من مؤسسات بنكية، ويقطعه يوميا، الكثير من الراجلين، معتبرة أن المشروع من الناحية التقنية يعد جاهزا، كذلك الشأن بالنسبة لدفتر التحملات، ولا ينقص إلا إشارة تنفيذه". وشددت المصادر ذاتها على أن "الممر لن يشهد تغييرا كبيرا، إذ سيحافظ على شكله الفني والهندسي الكروي، بينما سيعرف صيانة في فضائه الداخلي، مثل الفضاء الأخضر، وإصلاح المحلات التجارية، والإنارة، وستشدد بداخله الحراسة، على مدار 24 ساعة، مع ضرورة إغلاق أبوابه في ساعات معينة، أي أن يكون تدبيره، تدبيرا مستمرا"، وعن مدى تأثير أشغال الترامواي على الممر، يقول المصدر نفسه، إن "أشغال "الترامواي" من بين المشاكل التي كانت تقف أمام عرقلة مشروع إعادة هيكلة الممر، وخروجه للوجود، حيث كانت تصورات تقنية عديدة تثير تخوفات حول إمكانية أن تصل الأشغال للممر، لكن تبين في ما بعد أن هذه الأخيرة لم تؤثر عليه". إهمال الممر ممر "الكرة الأرضية"، يوجد بقلب العاصمة الاقتصادية، بملتقى شارع الجيش الملكي وشارع الأممالمتحدة، وشارع الجيش الملكي، الذي يتفرع عنه شارع محمد الخامس، إلى جانب العديد من الأزقة والدروب المجاورة، للممر، أنجز في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ووضع تصميمه وشكله المهندس الفرنسي الشهير فرنسوا زيفاغو، صاحب الاتجاه الهندسي، المعروف ب"البريطاليست"، وخص الممر بشكل هندسي تشكلي متميز، خص به القطب الاقتصادي، وجعل منه ممرا للراجلين ومكانا يزوره السياح، وكل من وطئت قدماه مركز المدينة. المكان كان في البداية يشع نضارة، وجمالا. لكن في ما بعد تراجع، وبدأت شيئا فشيئا تدب فيه حمى التدهور، وتحول في ما بعد إلى فضاء تجاري ل"الفراشة"، مغاربة وحتى الأفارقة، انسجموا مع بعضهم البعض، لكن لم يبق الأمر عند هذا الحد، بل تطور، واستمر تدهوره إلى أن جرى إغلاقه، في انتظار إصلاحه، وأضحى مرتعا خصبا للمشردين، ومطرحا للنفايات، والجرذان، أقفل المكان، أمام المارة سيما " البيضاويين"، الذين تأسفوا لحاله، وحنوا لصورته الأولى، عندما كان مكانا وممرا آمنا، يرفع عنهم محنة قطع الشوارع القريبة من تحفة "فرانسوا زيفاغو"، التي كان يحلو للبعض قضاء بعض الوقت، والجلوس بجنباتها، الداخلية. كما كان يزورها السياح، لالتقاط صور تذكارية، يحملونها معهم حين عودتهم لبلدانهم، ويسردون لأصدقائهم حكايات عن المكان، "الكرة الأرضية"، التي تحولت في السنوات الأخيرة لنقطة سوداء وسط أكبر شوارع القطب الاقتصادي، الذي يوجد بالقرب من فندق حياة رجينسي، الذي يأمه سياح ورجال أعمال أجانب، سمعوا الكثير عن "كازابلاناكا"، التي أنجزت حولها العديد من الأفلام الوثائقية، وتغنى بها مشاهير من كل بقاع العالم، وتتميز بهندسة معمارية خاصة لا يوجد مثلا لها بباقي المدن المغربية، التي تعرف كل واحدة على حدة بطابعها الخاص. مركز المدينة البيضاوية، شهد العديد من التحولات العمرانية، وبدأت العديد من البنايات القديمة تفقد جماليتها، وهندستها المعمارية القديمة ذات الطراز الأوروبي، أمام آلة الهدم، التي يوظفها المقاولون والباحثون عن الربح السريع. عمارات عديدة هدمت وشيدت محلها أخرى لا تمت للأولى بصلة، بينما باقي المعالم مازال يقاوم من أجل البقاء، والاستمرار، رغم الإهمال الذي شابها. ممر" الكرة الأرضية"، مازال، حتى كتابة هذه السطور ، في حالة يرثى لها، وتدهوره، يظهر للعيان من فوق الممر، وكل من دفعه فضول اكتشاف ما بداخل الفضاء، بإلقاء نظرة من فوق الممر، لتفاجئه النفايات والأزبال التي تظهر للعيان من الأعلى أو بمدخل أدراج الممر، فضلا عن الروائح الكريهة، التي تزكم أنوف المارة، إذ تحولت "الكرة الارضية"، تحفة البيضاء في الزمن الجميل، لمرحاض، يلجه كل من أراد قضاء حاجته، دون مراعاة لقيمته التاريخية والمعمارية، ففضلا عن مساهمتهم غير المسؤولة في تلوث المكان، فهم يلوثون شعور، وأحاسيس المارة، وكل من له غيرة عن هذه التحفة الفنية، أو حتى الغيورين عن المكان، الذين كانوا شهودا عن مرحلة تألقه، وكل من يعرف القيمة الحقيقة، التي تحملها جوهرة، "فرانسوا زيفاغو"، المهندس البارع، ابن العاصمة الاقتصادية من جنسية فرنسية. شكل هندسي فريد قال عبد الرحيم قصو، رئيس جمعية "كازا ميموار"، في تصريح ل"المغربية، إن "ممر الكرة الأرضية، ذو الطابع الخاص والمنفرد، لا يوجد له مثل في أي مكان، خص به المهندس الفرنسي، فرانسوا زفاغو، مسقط رأسه، وبرع في تشكيله"، مضيفا أن هندسته أشبه بالنحت، وتستثمر الجانب التشكيلي والفني، وتجربته المعمارية تعتمد على إبراز ركائز البناء للخارج، إذ يوجد تيار هندسي، يعرف ب"البريطاليزم"، الذي يعتمد على إظهار تصميم وهندسة البناية المعمارية من الخارج، وأن تكون ركائزها مكشوفة، لذا جاء تصميم الممر على شكل عش يبرز البناية فوق السطح بشكلها وأضلعها الحديدية الجميلة، والعديد من المهندسين اقتبسوا من تصميمها". ومن أجل مقاربة التراث، يضيف أنه " يلزم الحفاظ على نوع من التوازن ما بين تطور المجتمع والحفاظ على تراثه، كما هو الشأن بالنسبة للممر الكرة الأرضية، الذي يجب صيانته، وإعادة الروح له، لأنه بناية أو معلمة، بيضاوية بامتياز"، مشددا على أن" الممر من تصميم المهندس "فرانسوا زيفاغو"، في منتصف السبعينيات، والمعروف بطابعه الخاص في الهندسة المعمارية، التي تعتمد على تصاميم ومنحوتات تشكيلية فريدة، وبصماته مازالت بارزة في العديد من المدن المغربية، ففضلا عن ممر الكرة الأرضية بالدارالبيضاء، هناك بعض المدارس، والسوق الموجود بزنقة أكادير، ومسجد السنة بالمدينة نفسها، وبعد زلزال مدينة أكادير ساهم في وضع تصاميم لبنايات مازالت شامخة ك"بريد أكادير"، وثكنة الوقاية المدينة، وضع تصميما لمحكمة المحمدية، وهي جلها أعمال مازالت تحمل بصماته وشاهدة على روعة المهندس الفرنسي، الذي حاول قدر الإمكان المزج بين الهندسة المعمارية الأوروبية، والعربية، وحرص على أن تبقى أعماله متميزة جدا" وشدد على أن "أعمال فرانسوا زيفاغو، تدرس لطلبة الهندسية، وأن العديد من الطلبة الأجانب يأتون للمغرب من أجل الاطلاع والاستفادة من أعماله"، ويضيف الفاعل الجمعوي أن "جمال بنايات الدارالبيضاء يكمن في تكامل وتناسق البنايات الموجودة بقلب المدينة، وليس بكل بناية على حدة، وشوارع البيضاء كلها منسجمة، وجماليتها تأتي من تكامل البنايات ذات التصميم الفريد، والمتميز"، على مدى تأثير إشغال "الترام واي"، على الممر، يشير، أنه من خلال تتبع الجمعية للأشغال تبين لها أنه لن يكون لهذه الأخيرة تأثير على ممر "الكرة الأرضية"، وأننا على اتصال دائم مع شركة "الترامواي"، حتى نكون على بينة من نوع الأشغال القريبة من الممر"، وعن الدور الذي تقوم به الجمعية. وأضاف أن " دور الجمعية يبقى تحسيسيا، إذ سنخصص، بمناسبة أيام التراث بالدارالبيضاء، (نُظمت أيام 15و 16و17) يوما كاملا لتلاميذ المدارس، لاضطلاع على أهم شوارع القطب الاقتصادي، وبجولة في ساحة الأممالمتحدة للتعرف عن تاريخها، وسنعرج على ممر "الكرة الأرضية"، حتى تكون للطفل نظرة شمولية على تاريخ المدينة، وما هي البنايات الموجودة فيها والأحداث التاريخية التي عرفتها، وسيجند لهذه العملية 40 مرشدا متطوعا من الطلبة، فضلا عن جولة بالمدينة القديمة وفي الحبوس".