تحولات كثيرة انعكست على شوارع الدارالبيضاء، بعد الإصلاحات التي شملت مركز المدينة وقلبها النابض، وساهمت بداية تشغيل "الترامواي"، بقسط وفير في إعادة الروح لبعض منها، كشارع محمد الخامس، الذي طاله الإهمال والنسيان سنوات عدة، بعد أن كان رمزا للازدهار العمراني. فمازالت بعض مباني شارع محمد الخامس خير شاهد على ذلك، رغم أنها تقاوم في صمت معاول الهدم والتدمير التي تتهددها من طرف المضاربين العقاريين، وتصارع من أجل المحافظة على طراز هندستها المعمارية الفريدة، التي جاء بها المستعمر والمعروفة بفن "أرديكو"، والتي مازالت تؤثث فضاء الشارع، الذي يعتبر متحفا فنيا مفتوحا أمام زوار المدينة، وعشاق الهندسة المعمارية للمدن العريقة. انشرحت قلوب البيضاويين للإصلاحات التي عرفتها شوارع القطب الاقتصادي، سيما شارع محمد الخامس، الذي طاله النسيان والإهمال سنوات عدة، لانتشار الحفر، والنفايات والأزبال، التي كانت تعكس صورة سلبية على جماليته، لكن مع انتهاء أشغال مشروع الترامواي، والإصلاحات الجذرية التي عرفها الشارع، ابتداء من منع المرور في العديد من الأزقة المؤدية إليه، وتزيين أرصفته بكراسي حديدية، فتحت شهية مرتاديه للاستراحة، وقضاء أوقات ممتعة به. تشغيل "الترامواي" أعاد الروح أيضا لباقي الأزقة والشوارع المتفرعة عن شارع محمد الخامس العريق، الذي يعتبر متحفا فنيا مفتوحا على الفضاء، إذ توجد به مجموعة من المنشآت التاريخية التي أضحت في طريقها إلى الاندثار، ضمنها فندق "لنكولن"، الذي تحول إلى كومة من الحجارة والتراب، نتيجة تعرضه للإهمال، كما يوجد به سوق "مارشي سنطرال"، ذو الطراز والتصميم الأوروبي المتميز، الذي يعد محطة جدب للكثير من السياح الأجانب، بالإضافة لغرفة الصناعة والتجارة والخدمات. أصحاب المحلات التجارية الموجودة بالمكان نفسه، تفاءلوا خيرا، بعد أن شلت حركتهم التجارية طيلة مدة أشغال الترامواي التي عرفها الشارع المذكور، الذي أصبح اليوم ممرا للراجلين تتوسطه سكة الترامواي، الأمر الذي ساهم كثيرا في التخفيف من حدة التلوث والأدخنة التي تلفظها هياكل السيارات، وضوضاء منبهاتها، والاكتظاظ، فقد أصبح حاليا ينعم بالهدوء، ومزينا بكراسي حديدية جيدة، تدعو المارة للاستراحة وقضاء أوقات ممتعة، إلى جانب ساحة الأممالمتحدة، التي أضحت مكانا فسيحا يجتمع فيه البيضاويون والسياح الأجانب الذين يعج بهم المكان، حيث تنتشر العديد من الفنادق الجميلة. زوار مركز المدينة، استبشروا أيضا، بالتحول الذي شمل ممر "الكرة الأرضية"، المعلمة التاريخية العريقة، التي كانت بالأمس القريب عبارة عن نقطة سوداء وسط العاصمة الاقتصادية، إذ تراجع إشعاعها فترة من الزمن، وأغلقت ممراتها، وتحولت إلى ملجأ للمشردين والمتسكعين، وسط أكوام النفايات، والأزبال، التي كانت تظهر للعيان من أعلى أدراج الممر، بالإضافة للروائح الكريهة التي كانت تزكم أنوف المارة، بعدما صارت مثل مرحاض مفتوح للعموم. تغيرت صورة الممر الآن إلى أحسن، وتحولت جنباته الخارجية المحاطة بكراسي إلى نقطة جدب يتسابق نحوها المارة لقضاء أوقات ممتعة بالقرب من هذه المعلمة التاريخية، التي تغيرت صورتها مما كانت عليه سابقا، إلى شكل أكثر نظافة، وإشراقا، ونظارة. عبد الرحيم قسو، رئيس جمعية "كازا ميموار"، قال في تصريح سابق ل"المغربية إن "الكرة الأرضية" تعد من المعالم العريقة للدار البيضاء، وهي من تصميم المهندس الفرنسي الشهير "فرنسوا زيفاغو"، في منتصف السبعينيات، فقد أنجزها على شكل عش حديدي، اعتمادا على تقنية "البريوطاليزم"، التي تهدف إلى أن تكون ركائز البناية واضحة في الفضاء الخارجي، وأن لا تكون مخبأة، وأن تظهر منحوتاتها للفضاء الخارجي، إذ يمزج بين الشكل الفني للمنحوتة، وجمالية هندستها المعمارية. وزاد من قيمة "الكرة الأرضية" إعادة تهيئة ساحة الأممالمتحدة، التي أصبحت بدورها محطة جلب للعديد من الزوار، خصوصا أنها منفتحة على الباب الكبير المؤدي للمدينة القديمة، التي استفادت من ترميم سورها التاريخي وإصلاح ساعتها الحائطية القديمة.