حقق حميد شباط، عمدة مدينة فاس، حلما ساكنا في علبة دماغه السوداء، حين بنى برجا حديديا في العاصمة العلمية شبيها ببرج إيفيل، إحدى أبرز المعالم السياحية للعاصمة الفرنسية باريس؛ فقد كان الرجل حريصا على تنفيذ وعوده الانتخابية التي تنادي بتكريس سياسة القرب وسياحة القرب وثقافة القرب أيضا؛ فعوض الاصطفاف في طوابير القنصليات الفرنسية في انتظار تأشيرة قد تأتي أو لا تأتي، وإهدار ميزانيةٍ في رحلة إلى عاصمة الأنوار، أعفانا شباط من كل هذا الهم وجعل البرج يأتي إلينا ليسكن بين معالمنا ويتحول إلى مزار لهواة السياحة الداخلية. صحيح أن تور إيفيل الفاسي مجرد معلمة مستنسخة «دوزيام شوا»، إلا أنها ساهمت في ازدهار السياحة المحلية، وشجعت على خلق مورد رزق جديد لمصورين يرابطون أمام البرج من أجل التقاط صور باسمة لسائح يهوى جمع الصور. قدمَ شباط خدمة كبيرة إلى قاطني مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وضعَ كثير منهم صورهم، إلى جانب البرج الفاسي، على صفحاتهم، من باب الترويج التواصلي، ومنحَ العاشقين مشكورا فرصة لضرب مواعيدهم قرب المعلمة المستنسخة؛ لكن ما نخشاه هو أن يحصل لحديد «التور» ما حصل لحديد السكة الحديدية في فاس، حيث امتدت إليه الأيادي الآثمة وباعت أجزاءه لمروج المواد المتلاشية، دون اعتبار لأرواح المسافرين؛ كما نخشى من عاصفة ترمي بالمعلمة إلى حامة مولاي يعقوب. للأمانة، فعمدة فاس مهتم ب«فيترينة» العاصمة العلمية، حيث قام في إطار سياسة «التبويل» (نسبة إلى البولات، أي المصابيح) بزرع آلاف المصابيح في الشوارع الرئيسية للمدينة، وبنى في ظرف زمني قصير 20 نافورة، في عشق غريب للماء والكهرباء، رغم أن زائر فاس يفضل أن «يشلل» عظامه في مياه مولاي يعقوب وعين الله أو بمياه سيدي حرازم. برج إيفيل معلمة دخيلة على ثقافتنا، لكن إذا كان لا بد من التقليد فأجدر بنا أن نقلد باريس في نظافة شوارعها، في تدني نسبة الجريمة فيها، في إقبال سكانها على القراءة، في توفر حقوق التعلم والتثقيف والتطبيب والسكن اللائق والعيش الكريم.. مدينة فاس زاخرة، سادتي الكرام، بمعالمها التاريخية، وبها أقدم صومعة في العالم وهي القرويين، وتحمل لقب العاصمة العلمية، فلماذا أريد لها أن تتحول إلى عاصمة للحديد الصلب ونافورات الماء غير الصالح للشرب؟ ولأن شباط أصبح أمينا عاما لحزب الاستقلال فإنه يفكر، لا محالة، في بناء نافورة على مقربة من مقره الرئيسي بالرباط، «يشلل» فيها عظام من تبقى من الموالين لعباس. إن شباط هو أكثر اهتماما ب«فيترينة» مدينته من ساجد، عمدة الدارالبيضاء، الذي تحولت في عهده معلمة المدينة، ممر «الكرة الأرضية»، إلى نقطة سوداء، فهذه الكرة التي نبتت في ملتقى شارع الجيش الملكي وشارع الأممالمتحدة، فضاء صممه في السبعينيات المهندس الفرنسي الشهير فرنسوا زيفاغو، وجعل منه ممرا للراجلين ومكانا يزوره السياح ويرمون في نافورته قطعا نقدية كنا نهُبُّ لجمعها كلما قادتنا أقدامنا إلى هذا المكان، لكن مع مرور الأيام اجتاح الباعة المتجولون هذه المعلمة التي ذاع صيتها بالبطائق البريدية، قبل أن يتسوطنها المشردون ويحولوها إلى مسكن للهاربين من فندق نيلكولن، في تعايش مع النفايات والجرذان. لكل مدينة رمزها، ولكل رمز معلمة وحكاية، ففي وادي زم وضع المجلس البلدي في بداية الثمانينيات مجسما لأسد في البحيرة الشهيرة ب«اللاك»، وتبين أن ثمن إنجاز السبع يفوق ثمنه وهو حي، قبل أن يختفي الأسد ورئيس الجماعة في ظروف غامضة؛ وفي عهد البصري وضعت سطات علامة لفرس في مدارها الرئيسي، وتبين أنه مجرد إشهار غير مؤدى عنه لأحد الأبناك؛ ولازال مجسم ناقتين تتبادلان القبل دون استحياء منتصبا عند مدخل مدينة طانطان، وهلم شرا.