في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (24 شتنبر، 2013)، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما: «إن المرشد الأعلى أصدر فتوى ضد تصنيع الأسلحة النووية». في الواقع لم تصدر مثل هذه الفتوى عن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، كما لم يعلنها بنفسه، ولم يستطع النظام الإيراني أو أي شخص آخر تقديمها. في مايو 1989، أعلن آية الله الخميني بنفسه أن المسلمين يتحملون مسؤولية قتل سلمان رشدي لخروجه عن الإسلام في روايته «آيات شيطانية». كانت تلك فتوى واضحة، تبناها النظام بكل أجهزته، وتخوفت منها الدول، واضطرت بريطانيا إلى تأمين حياة سلمان رشدي، الأمر الذي ضج به العالم. أما بخصوص الفتوى المتعلقة بالسلاح النووي فإن النظام يحركها، وفي كل مرة يشير إليها المتحدثون باسم النظام يردون صدورها إلى سنوات مختلفة: 2005 أو 2007 أو 2012. لكن لم يقدم أحد نص الفتوى، وربما يعتقد النظام الإيراني أن تكراره لوجود هذه الفتوى يدفع العالم إلى القبول بها كحقيقة «ملموسة». الأميركيون راغبون في تبينها، لكن الأوربيين يرفضون تقبلها. أول من أشار إلى وجود مثل هذه الفتوى كان سايروس ناصري في اجتماع لمجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 11 غشت 2005. بعد ذلك، بدأ كبار شخصيات النظام يشيرون إليها، وفي 12 أبريل 2012 عشية محادثات إيران مع الدول الخمس زائد واحد، وفي مقال نشرته «واشنطن بوست»، كتب وزير الخارجية الإيراني آنذاك علي أكبر صالحي: «لقد سجلنا معارضتنا القوية، وفي عدة مناسبات، لأسلحة الدمار الشامل. ومنذ سبع سنوات تقريبا، أصدر المرشد الأعلى تعهدا ملزما، بفتوى دينية، تمنع إنتاج أو تكديس أسلحة الدمار الشامل». وقبل يوم من نشر هذا المقال، قال رئيس القضاء الإيراني صادق لاريجاني: «إن الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى هي أفضل ضمانة للغرب بأن إيران لا تريد إنتاج أسلحة نووية». وكذلك فعلت وكالة الأنباء الإيرانية «مهر» التي نقلت تصريح لاريجاني، وأضافت أن خامنئي أصدر فتوى يعلن فيها أن تكديس الأسلحة النووية واستعمالها حرام. في المقابل، كانت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إيرنا» نشرت في 8 أبريل 2012، بالتفصيل، ما كان أشار إليه خامنئي سابقا من منع لاستعمال الأسلحة النووية، دون أن تأتي على ذكر أي فتوى صدرت عنه. هذا على الرغم من أن «إيرنا» نشرت في شهر غشت 2005 أن الممثل الشخصي الإيراني لمجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية قدم تقريرا عن فتوى خامنئي (ليس الفتوى ذاتها) إلى مجلس أعضاء الوكالة، كوثيقة إيرانية رسمية. وتجدر الإشارة إلى أن «إيرنا» بعد فترة سحبت هذا الخبر من موقعها على الأنترنيت. كلما حان موعد استئناف المفاوضات حول برنامج إيران النووي يعود الحديث عن هذه الفتوى، وكان النقاش بلغ الذروة حول هذه الفتوى التي لم يطلع عليها أحد في أبريل من العام الماضي، أثناء محادثات إيران مع الغرب في إسطنبول. وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، هيلاري كلينتون، وحتى الرئيس أوباما مع كل ممثلي الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا، وأيضا أعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعاملون في مؤسسات أبحاث دولية، اعتبروا الفتوى واقعا فعليا، رغم أنها لا تعدو أن تكون أكثر من بروباغندا إيرانية في محاولة لخداع الإدارة الأمريكية وبقية دول العالم. قبل اجتماع إسطنبول العام الماضي كادت إيران تنجح، إذ أوضحت وزيرة الخارجية كلينتون أنها ناقشت الفتوى «مع علماء دين واختصاصيين»، وأيضا مع رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان؛ ففي مؤتمر الحلف الأطلسي في نورفولك (فرجينيا) في أوائل أبريل من العام الماضي قالت كلينتون: «إن التطور المثير الآخر الذي لا بد أنكم تابعتموه كان تكرار المرشد الأعلى خامنئي أنه أصدر فتوى ضد الأسلحة النووية، وضد أسلحة الدمار الشامل. لقد ناقشت بشيء من التفصيل هذا الأمر مع رئيس الوزراء أردوغان، ومع عدد من الخبراء وعلماء الدين. وإذا كان ما يقال أمرا مبدئيا وقائما على القيم، فهو يشكل نقطة بداية يمكن تفعيلها، مما يعني أنه يشكل مدخلا إلى التفاوض، ولذلك نحن سنختبر ذلك». خلال زيارته لطهران في نهاية شهر مارس من العام الماضي، وفي مقابلة مع التلفزيون الإيراني، قال أردوغان: «لقد بحثت (بيان) المرشد الأعلى مع الرئيس أوباما، وقلت له: في مواجهة هذا التأكيد، ليس لديّ موقف مختلف عن أن الإيرانيين يستخدمون الطاقة النووية سلميا» (صار معروفا أن أردوغان كان المستشار غير المعلن للرئيس أوباما في الشؤون الإسلامية، وهو من نصحه بالانفتاح على «الإخوان المسلمين» كبديل معتدل عن تنظيم «القاعدة»، أي أن الإسلام هو إما «الإخوان» أو «القاعدة»). وفي السابع من أبريل 2012، ذكرت صحيفة «كيهان»، نقلا عن تلفزيون «برس» الإيراني، أن أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي، أعلن على التلفزيون التركي «قناة دي» ما مفاده أنه «لا يوجد أي احتمال في إيران لأنْ يتم عصيان الفتوى التي أصدرها خامنئي وتحرم امتلاك أو استعمال الأسلحة النووية»؛ وأضاف داود أوغلو أنه «ما إن تصدر فتوى عن ولاية الفقيه حتى تصبح ملزمة، وطاعتها واجبا دينيا». أيضا، حسب تقرير «كيهان» الذي نقلته عن «تلفزيون برس»، فإن خامنئي قال في 22 فبراير 2012: «بدون شك، فإن صناع القرار في الدول التي تعارض إيران يعرفون جيدا أن إيران ليست وراء الأسلحة النووية، لأن (الجمهورية الإسلامية)، منطقيا ودينيا ونظريا، تعتبر امتلاك الأسلحة النووية خطيئة جسيمة، وترى أن انتشار هذه الأسلحة لا معنى له، فهي مدمرة وخطيرة» (في إشارة المسؤولين الإيرانيين إلى «فتوى» خامنئي، يقولون إن «الإسلام» منع حيازة الأسلحة النووية. وفي تصريح خامنئي أنه قال «الجمهورية الإسلامية» لا الإسلام). أيضا، في التقرير نفسه إشارة إلى أن داود أوغلو قال: «إذا كانت القوى الغربية مهتمة حقا بالتفاعل مع دول الشرق الأوسط، فينبغي عليها تعميق فهمها للخطاب الديني»، مضيفا أن رئيس وزرائه أردوغان «أعطى تعليمات» للرئيس أوباما حول هذه المسألة. أما هوشانغ أمير أحمدي، رئيس المجلس الأمريكي - الإيراني والمقرب من دوائر النخبة في النظام الإيراني، فقد قال يومها: «لحسن الحظ أن الرئيس أوباما قرر أن يثق مبدئيا في المرشد الأعلى وفي كلماته بأن القنبلة النووية ممنوعة في الإسلام». وكأن إيران مع تجنيدها الكثيرين لتسويق فكرة أن القنبلة الإيرانية ممنوعة في الإسلام، مع العلم بأن الغرب يعرف أن دولة مسلمة كبيرة هي باكستان تملك القنبلة النووية، فإنما يمثل ذلك تجربة استباقية منها لمنع دول إسلامية أخرى من امتلاك مثل هذا السلاح، تاركة المجال مفتوحا أمامها، إذ تعرف إيران أن المرشد لم يصدر أي فتوى بهذا الخصوص. والقصة كلها مجرد تصريحات. ومن يراجع موقع الفتاوى التي أصدرها خامنئي لا يجد أي نص يتعلق بهذه الفتوى بالتحديد، إنما في الفتوى رقم 245 جاء التالي: «السؤال: هل مسموح خداع غير المسلم في التجارة؟ الجواب: الكذب أو ارتكاب الغش أو التزوير في العلاقات التجارية ممنوع، حتى لو كان الطرف الآخر غير مسلم». كل مواقع فتاوى خامنئي تنشر رده على أسئلة موجهة إليه شخصيا، ويستطيع أي كان توجيه سؤال. في 15 غشت 2012 وجهت مجموعة تسمي نفسها «نور الحرية» عبر ال»فيس بوك» السؤال التالي: «سعادتكم أعلنتم تحريم استخدام السلاح النووي، لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الأسلحة مطلوبة كعامل ردع، وأن الحصول عليها يخيف الأعداء ويمنعهم من التصرف بعدوانية، وكما جاء في سورة (الأنفال) الآية 60، فهل يبقى الحصول عليها ممنوعا، لأنه حسب قراركم فإن استعمالها ممنوع؟».. فجاء الجواب: «لا يوجد في رسالتكم جانب فقهي، وعندما يكون لها ذلك الجانب فسوف يكون من الممكن الإجابة عنها». من ناحيتهم، يرفض الأوربيون الاقتناع بوجود هذه «الفتوى» أو حتى الالتزام بها دوليا. وحسب مصدر مطلع، فإن مستشاري الدول الأوربية الثلاث الأعضاء في مجلس الأمن منذ عام 2005 تقدموا بطلب رسمي إلى النظام الإيراني ليرسل إليهم نسخة من هذه الفتوى، لكن حتى الآن لا جواب من النظام. في 16 فبراير 2006، نقل موقع «رووز» الإيراني أن محسن غارافيان، أحد تلامذة آية الله مصباح يزدي، أشار إلى وجود «فتوى» تقول إن الشريعة لم تمنع استعمال الأسلحة النووية، لا بل تدعو إلى امتلاك هذا النوع من الأسلحة. الآن وقد استؤنفت اللقاءات لإيجاد تسوية لبرنامج إيران النووي، فالأفضل أن يعتمد الغرب الوقائع العلمية، وما يجري على الأرض، كي يتجنب سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. وإذا كانت إيران تدعي أن برنامجها النووي لأغراض سلمية، فلماذا إذن الصواريخ بعيدة المدى، وما هي الرؤوس التي ستحملها في حال تم استخدامها؟