في هذا الشهر تكون مدونة الأسرة قد دخلت سنتها الخامسة بعدما عوضت ما كان يعرف بمدونة الأحوال الشخصية. هذه المدونة اعتبرت نقلة تشريعية كبيرة، حيث أعادت ترتيب العلاقات الاجتماعية انطلاقاً من توازن الأسرة، كنواة للمجتمع، وقلبت موازين القوى في علاقة الرجل بالمرأة، محاولة تكريس مبدأ المساواة بينهما، وضمنت للأطفال وضعاً اجتماعياً وقانونياً أفضل، لحمايتهم من تقلبات العلاقات الإنسانية والاجتماعية. لكنها أثارت العديد من النقاشات لأنها جاءت بتغييرات وتعديلات كثيرة ومتعددة، خصوصا تلك التي مست القضايا المتعلقة بالزواج والطلاق والأملاك المكتسبة أثناء الزواج، لكن وبعد مرور خمس سنوات هل تغيرت نظرة البعض إليها؟ وهل استطاع المغاربة التكيف مع هذه التشريعات الحداثية؟ لجأت «رشيدة»، التي تعمل بأحد المخادع الهاتفية، إلى دهاليز المحاكم والقانون بعد أن احتارت في كيفية تسجيل ابنها في سجل الحالة المدنية، خاصة بعد أن تركها خطيبها بعد حملها، رغم أنه سبق وحدث بينه وبينهم اتفاق على الزواج بتزكية من العائلتين، ونتج عن علاقتهما، التي دامت أكثر من سنة، حمل قبل أن يعقدا زواجهما، لكن القاضي ألحق الطفل بالخاطب بحكم نهائي من المحكمة غير قابل للتراجع، رغم أن الخاطب رفض الاعتراف بنسب الجنين إليه، فظلت رشيدة تناضل لعدة سنوات معتمدة على جميع الوسائل القانونية لإثبات نسب ابنها خصوصا بعد إقرار مدونة الأسرة. المدونة.. المستقبل لكن هذا لا يعني أن جميع النساء لجأن إلى المدونة من أجل انتزاع حقوقهن، فحورية، ربة بيت، لم تستفد من المدونة في شيء، «حالة القهر التي أعيشها في المنزل والمعاملة السيئة التي نعانيها أنا وأطفالي لم ولن تتغير سواء مرت 5 سنوات على المدونة أو أكثر». المدونة، حسب حورية، تستفيد منها النساء العاملات القادرات على انتزاع حقوقهن، أما مثيلاتها فغير قادرات حتى على انتزاع بعض شروط المعاملة الطيبة، «فإلى جانب الضرب والتعنيف هجرني زوجي في الفراش ويخونني عاين باين دون أدنى شعور بتأنيب الضمير». لكن حورية، ورغم كل معاناتها، فهي متفائلة بالمدونة لأنها تعتقد أن بناتها سيكن قادرات على الاستعانة بالمدونة للظفر بحياة زوجية كريمة. المدونة قفزة تشريعية حورية ليست الزوجة الوحيدة التي هجرها زوجها في الفراش، لكنها لم تنفصل عنه، فإدريس، أستاذ جامعي، يرى أن المجتمع مطالب بمساعدة المرأة لتتمتع بجميع حقوقها كأي عضو من أعضاء هذا المجتمع، فالانتقاص من قيمة المرأة هو انتقاص من المجتمع بأسره لأن المرأة، قبل أن تكون زوجة، هي أم وأخت وابنة، ويضيف: «أنا أعرف زوجا عقد قرانه على زوجته ثم سافر إلى الخارج مدة سنتين ولم يتصل بها أو ينفق عليها، إذن فيجب أن ننتصر لهاته الزوجة المسكينة من خلال المدونة التي جاءت كقفزة تشريعية من أجل نصرة الأسرة، خصوصا الأبناء الذين يحميهم المشرع في حالة انفصال الزوجين». انتصار الأسرة حاولت المدونة حماية حقوق الأطفال المادية والمعنوية عند افتراق الأبوين، من خلال عدد من الوسائل، كمنح الجنسية للأبناء من آباء أجانب، وإلزام توفير السكن، ورفع قيمة النفقة، حفاظاً على مستوى العيش قبل الطلاق، غير أن أهم تعديل في هذا المجال، هو إقرار الاعتراف بنسب الطفل المولود قبل إبرام عقد الزواج. وحسب سعاد، فالمدونة وضعت قوانين وشروطا لضمان حقوق المرأة والطفل والزوج معا. نعم لتعدد الزوجات وإذا كان بعض المغاربة يعتبرون أن من الإنجازات التي حققتها المدونة مسألة الطلاق والتطليق، إذ سحبت المدونة حق استخدام أبغض الحلال عند الله من يد الرجل، وجعلته في يد القاضي الشرعي، فانتهى «الطلاق الغيابي» الذي كان من السهل توقيعه، فإن البعض يدعون إلى ضرورة تغيير هذا البند، فمجدولين ترى أن مدونة الأسرة ساهمت في إنهاء الكثير من العلاقات الزوجية، لأنها لا تطابق الشريعة الإسلامية وتمنع تعدد الزوجات بدون موافقة الزوجة الأولى، وعليه وجب تغيير هذا البند من المدونة تجنبا لنسب الطلاق المرتفعة. سعد يتفق مع مجدولين بخصوص تغيير بند الطلاق، لأن أبغض الحلال عند الله الطلاق حسب سعد، ولا يجب سن قانون فوق شريعة الله لأن الله أباح تعدد الزوجات. فتعدد الزوجات، من وجهة نظر سعد، له دور في القضاء على العنوسة كما لا يستطيع المشرع تحريم ما أحله الله، خصوصا إذا كان له دور في إنهاء بعض المشاكل التي يعاني منها المغرب وغيره من الدول العربية، كارتفاع نسب العنوسة بين أوساط الشباب، لذلك يحق للرجل الزواج بأكثر من واحدة. تخريب الأسر سعد، مجدولين... وآخرون طالبوا بتغيير بند الطلاق والتطليق لأنه في نظرهم يخالف شرع الله ويساهم في زعزعة النظام الاجتماعي، لكن محمد يطالب بإعادة النظر في المدونة بكاملها، لأنها في الحقيقة ومنذ الإتيان بها ساهمت وسهلت إلى حد بعيد في تخريب الأسر، الأمر الذي ترتبت عنه مشاكل اجتماعية متعددة، لذلك يجب إعادة النظر في نصوص المدونة بما يكفل تحصين استقرار الأسرة وخصوصا إلغاء الطلاق للشقاق، الذي أصبح وسيلة لهدم الأسرة لأسباب تافهة وغير مسؤولة، مع الحفاظ على مساطر الطلاق الأخرى. ويوافقه لحسن الرأي بخصوص ضرورة إعادة النظر في مقتضيات مدونة الأسرة، لأنها كانت رحيمة بالمرأة أكثر مما كان مطلوبا، فإذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، لذلك وجب على القائمين عليها أن يساووا حقا بين المرأة والرجل، إذا كانت المدونة قد قررت المساواة بين الجنسين.