حل اليوم العالمي للمرأة (8 مارس) وقبله الذكرى الرابعة لصدور مدونة الأسرة (11 فبراير)، والجدال مازال قائما في مختلف الأوساط الحقوقية والنسائية. "" عدة أفكار جميلة ارتبطت بالخطابات الرنانة بخصوص مدونة الأسرة، منها: النساء شقائق للرجال في الأحكام، الولاية حق للمرأة الرشيدة، التعدد مقيد بالعدل، توسيع حق المرأة لطلب الطلاق واشتراط إذن المحكمة لتوثيقه، العمل بالوصية الواجبة، تدبير الأموال المشتركة، مدونة الأسرة مفخرة المغرب... وغيرها من النعوت والشعارات لكن كيف تم تكريس مقتضياتها على أرض الواقع المعيش؟ بعد 4 سنوات من تطبيق مدونة الأسرة، وبعد انتظارات دامت عقدا من الزمن، ما هي الإشكالات والعراقيل التي طرحها تفعيل فصولها ومقتضياتها؟ الحصيلة الرسمية ركزت الحصيلة الرسمية على جملة من الأرقام لإبراز الانعكاسات الإيجابية لتفعيل مقتضيات مدونة الأسرة، إذ سجلت نسبة الزواج ارتفاعا مهما، سيما خلال سنة 2007، حيث بلغ عدد رسوم الزواج ما مجموعه 297660 عقدا، في حين لم تسجل سنة 2006 إلا 272989 (بزيادة قدرها 9.04 بالمائة(. وبلغت الأحكام الصادرة بثبوت الزوجية سنة 2007 ما مجموعه 18751 حكما (سنة 2006: 16832) مع تحقيق ارتفاعا بنسبة 11.40 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية. رأى البعض في هذا التطور النسبي تجاوبا إيجابيا مع إمكانية تسوية وضعية العلاقات الزوجية غير الموثقة في إبانها. أما بخصوص تعدد الزوجات، شكلت عقوده ما نسبته 0.29 بالمائة من مجموع عقود الزواج المبرمة سنة 2007. كما برز بوضوح ميول الأزواج إلى وضع حد للعلاقة الزوجية بواسطة الطلاق الاتفاقي، الذي سجل سنة 2007 ارتفاعا بلغت نسبته 22.28 بالمائة )أي الذين اختاروا إنهاء علاقتهم بطرق هادئة، وهذا أمر إيجابي في حالات وقوع الطلاق مع وجود أبناء(. في حين شكلت نسبة وقوع الصلح بين الزوجين في دعاوي الطلاق أو التطليق سدس (6/1) مجموع الأحكام القضائية القاضية بالتطليق، مما يبين جهود قضاة الأسرة في مثل هذه القضايا حسب الحصيلة الرسمية. أما فيما يخص تجاوب الأزواج مع المقتضيات المتعلقة بتدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية، فقد بلغ عدد العقود المنجزة خلال سنة 2007 ما مجموعه 900 عقد، علما أن هذا العدد لم يتجاوز 424 سنة 2006. هذه بعض المعالم المهمة للحصيلة الرسمية. تقييمات بعيون أخرى حسب العديد من أهل القانون، سيما المحامين، إن مدونة الأسرة، بعد مرور أربع سنوات على تفعيلها لم تساهم بشكل إيجابي في التخفيف من بعض الظواهر الاجتماعية، وذلك ناتج عن جملة من الأسباب والمعيقات، منها عدم البت بسرعة في الملفات وكذلك التقييد بالآجال. وهناك معضلة كاد المحامون أن يجمعوا بخصوصها، وهي تفعيل مسطرة إرجاع الزوجة المطرودة من بيت الزوجية، إذ ما زالت عراقيل تمنع تفعيل المسطرة، خاصة عندما يفض الزوج عقدة الكراء. بخصوص الولاية في الزواج، رغم أن مدونة الأسرة نصت على أنها حق للمرأة، تمارسه الراشدة حسب اختيارها وإرادتها ومصلحتها، إلا أن طبيعة المجتمع المغربي مازالت تجعل هذا المقتضى من قبيل الاستثناء وليس القاعدة، وأن هذا لا يحدث إلا في حالات نادرة. كما أن خطباء المساجد ظلوا يعتبرون زواج الفتاة بدون ولي باطلا. ويرى الكثيرون أن هناك عددا من الشكليات والعراقيل تقف أمام إبرام عقد الزواج. ولعل احتفاظ الطليقة ببيت الزوجية، من أهم مقتضيات مدونة الأسرة، التي شكلت مصدر فزع بالنسبة للرجال، وقد سجلت عدة نزاعات بهذا الخصوص. كما أن إشكالية النفقة مازالت تطرح الكثير من الإشكاليات، إذ تعددت دعاوى الإنفاق، ويظل التنفيذ بخصوصها يعرف صعوبات جمة مستعصية الحل أحيانا كثيرة، ومازالت هناك تأويلات متضاربة ومتخالفة بخصوص إشكالية النفقة، والخضوع لتقديرات لا تستند إلى معطيات واقعية، يكون ضحيتها إما الرجل أو المرأة، علما أن المبالغ التي تقضي بها المحاكم مازالت عموما هزيلة لدرجة أنها أضحت الآن عرفا قضائيا وقاعدة عامة. ومن المعطيات الجديدة التي جاءت بها مدونة الأسرة توثيق الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج، لكنها مازالت معطلة بفعل العقلية السائدة، ومما ساهم في هذا التعطيل غياب اجتهاد قضائي كاف بهذا الخصوص، سيما صدور أحكام عن المجلس الأعلى. حسب الجمعيات النسوية، يظل زواج القاصرين من المشاكل الخطيرة، حيث ما تزال نسبته مرتفعة، مشكلا 10.03 بالمائة من مجموع عقود الزواج، علما أن مدونة الأسرة نصت على رفع سن الزواج من 15 إلى 18 سنة، إلا أن الوالدين ما زال بإمكانهما الحصول على إذن من القاضي. ومن القضايا العالقة إلى حد الآن، كيفية التعامل والتعاطي مع الأحكام الصادرة في الأحوال الشخصية بالمدينتين السليبتين سبتة ومليلية، وكذلك استحالة إحضار الشهود لإثبات الزوجية بالنسبة للعائدين من مخيمات تندوف والتحاقهم بالمغرب. ومهما يكن من أمر يظل القضاء يشكل قطب الرحى في تكريس مدونة الأسرة كإصلاح مجتمعي على أرض الواقع، لكن القضاء لا يمكنه القيام بهذا الدور الفعال إلا وهو متمتع فعلا باستقلاليته مادام أن قانون مدونة الأسرة على علته، رهين بحسن تطبيقه، وبالتالي مازال الأمل والرهان معقودين على محاكم وقضاة الأسرة حتى يتسنى تحقيق فحوى عبارة طالما رددها الكثيرون " مدونة الأسرة مفخرة في تاريخ التشريع المغربي". وعموما إن وجود العدد الهائل من الجمعيات النسائية والرصيد المتراكم الآن بخصوص قوانين الأسرة، مازال كل هذا لم ينأ بالعائلة عن التشتت وأحيانا عن الدمار، ومدونة الأسرة كمختلف القوانين تحتاج إلى التصويب والتعديل. رأي حقوقي: حقوق المرأة بين مدونة الأسرة والقانون الدولي لحقوق الإنسان يعتبر المغرب ملزما بتطبيق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان نظرا لمصادقته على العديد من هذه المواثيق والتي يرتبط جزء كبير منها بحقوق النساء والأطفال الذين اهتمت بهم مدونة الأسرة. فما هو مدى اقتراب مدونة الأسرة من المبادئ المعلنة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟. إن ميثاق الأممالمتحدة ينص على مبدأ المساواة ونبذ التمييز بسبب الجنس أو العرق أو الدين ... وذلك ما تم التأكيد عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، إلى جانب تأكيده أيضا على الكرامة المتأصلة في الإنسان والتي تنتهكها بطبيعة الحال القوانين التمييزية بن الجنسين، وفي نفس الاتجاه سار العهد الدولي الأول ثم العهد الدولي الثاني . وقد صادق المغرب على اتفاقية كوبنهاغن )اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة) لكنه وضع عددا من التحفظات المنشورة بالجريدة الرسمية، وبالتالي أصبحت هذه الاتفاقية ملزمة للمغرب وتتطلب وجوبا ملاءمة تشريعاته الداخلية مع مقتضياتها. وللوقوف على مدى احترام مدونة الأسرة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان يمكن استعراض بعض أهم القضايا التي ظلت تشغل بال الحقوقيين والحركة النسائية الديموقراطية، مقارنة مع ما جاءت به مدونة الأسرة وبما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان: أولا: مسألة التعبير عن الإرادة الحرة عند الزواج أو عند الرغبة في إنهائه تنص المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي: "-1 للرجل والمرأة متى أدركا سن الرشد، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. وهما معا يتساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج وعند انحلاله. 2- لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملا لا إكراه فيه." كما تنص المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في بعض بنودها على ما يلي: " 1 - أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة: (أ)- نفس الحق في عقد الزواج؛ (ب)- نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل؛ (ج)- نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه....." إذن فالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان تنص على ضرورة أن تتوفر حرية الإرادة الكاملة لدى طرفي الزواج عند الرشد، سواء في حالة قيام الزواج أو عند انحلاله، لكن مدونة الأسرة احتفظت بمبدأ الولاية الاختيارية في الزواج وهو مبدأ يناقض حرية الإرادة الكاملة. فرغم أن مدونة الأسرة قد نصت على عدم فرض قيود على النساء عند الزواج بعد بلوغهن سن 18 سنة إلا أنها تركت مبدأ الولاية الاختيارية على المرأة في الزواج، والجميع يعلم مدى صعوبة التحرر من هذه الولاية في المجتمع المغربي، حيث ستظل الولاية هي الأصل أما حرية الإرادة في الزواج فستصبح هي الاستثناء. نفس مبدأ حرية الإرادة يجب أن يسري في حالة حصول أمور تكره الزوجين على إنهاء علاقة الزواج بينهما، حيث يتطلب لجوء الطرفين للقضاء لإشهار قرار الطلاق، حسب ما تنص عليه المواثيق الدولية. لكن في إطار مدونة الأسرة فإن الطلاق ظل حقا بيد الزوج رغم التنصيص على ضرورة الحصول على مجرد إذن بذلك من القاضي، والحرص على حضور الزوجة، كما تحيل المدونة القضية على القانون الجنائي إذا ما ثبت تلاعب الزوج. إلا أن مبدأ المساواة بين إرادة الرجل والمرأة في هذا المقام غير متوفرة نظرا لصعوبة تخلص المرأة من رابطة الزواج في إطار مساطر التطليق والخلع مع ما يستتبع ذلك من اجترار ومساومات مهينة لحقوق المرأة إذا ما لجأت إلى مسطرة الخلع مثلا. ثانيا: كرامة المرأة ومساواتها بالرجل تتطلب إلغاء مبدأ تعدد الزوجات تنص المادة 5 من العهد الدولي الخاص بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على ما يلي: "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي: أ- تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة...." لكن من المظاهر الصارخة التي تعبر عن تناقض التشريع لمدونة الأسرة مع ما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان مسألة تعدد الزوجات نظرا لما يجسده هذا التعدد من تمييز في حق المرأة واختلال التوازن في المساواة بينها وبين الرجل، فليس هناك في مدونة الأسرة ما يمنع الرجل من التعدد. حيث يكفي أن يدلي الزوج بما يعتبر "مبررا موضوعيا أو استثنائيا" لكي يبقى هذا الموضوع قابلا لاستعمال مختلف أساليب التحايل على القانون لتحقيق التعدد.