أيام عصيبة تعيشها الصحافة المغربية مرة أخرى. لقد كتبنا، كما فعلت الصحافة المغربية، عما وقع لزملائنا في أسبوعية «الأيام» الأسبوع الفارط، كتبنا عن الحادث والذهول لم يبرحنا بعد. لن نعود إلى سبب جر الزميلين نور الدين مفتاح ومرية مكريم إلى أقبية المخافر، فقد عرف الجميع أن السبب هو حيازة صورة ب«نية نشرها». ما يهمنا هو محاكمة النوايا هاته والطريقة الفرعونية التي تصرفت بها الأجهزة حيال مفتاح ومرية. الإنزال الذي قامت به أجهزة الاستخبارات والفرقة الوطنية للشرطة القضائية في مقر الجريدة، والطريقة التي تم بها اعتقال مرية مكريم من بيتها وسط ضيوفها، والكيفية التي تم بها تحديد موقع مفتاح وتوقيفه من بيت أحد أصدقائه، والكم الهائل من رجال الأمن بمختلف أجهزتهم... كل ذلك يطرح علينا كإعلاميين أكثر من سؤال. ما المقصود من كل هذه «السينما»؟ تخويف وترويع وترهيب «قبيلة» الصحافيين..! إنها فعلا أساليب بالية، تذكر بحقبة سنوات الرصاص التي كانت فيها الأجهزة ضالعة في الاختطاف واستعمال وصفات الشرطة السياسية بألمانيا النازية..«الإس. إس». لم تكن الصورة موضوع الحدث، رغم حساسية الموضوع، هي الوحيدة التي جعلت الأجهزة تتصرف بذلك الشكل الذي لا يشرف بلدا كالمغرب لا يتوانى مسؤولوه في تقديم صحافته إلى الخارج على أنها صحافة تشتغل في كامل الحرية وبدون رقابة في حين تستعمل في الداخل كل سلطاتها من أجل كسر شوكة نفس الصحافة. إنها قمة الانفصامية. الزاوية المظلمة الأخرى في هذه النازلة هي تعمد استقدام مرية مكريم لليوم الثاني على التوالي إلى مقر «الكوميسارية» لاستكمال البحث، دون أن تفعل الشيء ذاته مع مفتاح.. رغم أنه مدير النشر. كانت الأجهزة تراهن بذلك على خلق تصدع في البيت الداخلي لأسبوعية الأيام، تماما كما فعلت مع أسبوعية الوطن عندما استكملت التحقيق إلى أبعد الحدود مع حرمة الله وخففت المتابعة في حق أريري.. مدير النشر. أسلوب بال لم ينطل على الزملاء.. كما أن أسلوب تسليط جرائد «وسخة» على جرائد ذات مصداقية انقلب على الأجهزة كحكاية السحر مع الساحر! أما حكاية استقالة مفتاح من منصبه ككاتب عام للفيدرالية المغربية لناشري الصحف احتجاجا منه على السلطات العمومية التي تعتبر شريكا للفيدرالية في بناء صرح صحافة قوية، فإنها تحرج الفيدارلية قبل السلطات. فإذا كان المقصود بالسلطات العمومية الشريكة هو وزارة الاتصال أو حتى الحكومة، فإن الجميع يعرف أن هاتين الجهتين هما آخر من يعلم، ولو سألتم الناصري عن الموضوع لقال إن «المسطرة تأخذ طريقها، والإجراءات القانونية تأخذ مجراها الطبيعي والقانون يطبق على الجميع»، وهي لازمة لم تفارقه في كل المحطات الإعلامية العصيبة. فلا تحملوا الرجل أكثر مما يحتمل! الحرج يقع على الفيدرالية وكل الهيئات القطاعية التي تسكت عن مثل هاته التصرفات وتكتفي بإصدار بيانات بئيسة لا تقدم ولا تؤخر. فكم من مرة فكر الزملاء في الاحتجاج خلال يوم بدون جرائد.. وهو إجراء لم يفعل أبداً. الكرة في مرمانا، لأننا أصبحنا نعامل كلصوص ومهربين وإرهابيين دون أن تجد الأجهزة من رادع... الكرة في مرمانا لأننا نقبل أن نمارس مهنة الصحافة.. بحرية موقوفة التنفيذ.