«إذا أحيا الله ساكنة آيت عبدي بعد ذوبان الثلوج فلن يبقى أي آدمي هناك. لن نعيد تكرار مأساة هذه السنة» بهذه الكلمات ختم احماد الصادق تصريحه ل«المساء» صباح أمس الجمعة . احماد الصادق أخ فاظمة الصادق أم الأطفال الستة، الذين لقوا حتفهم وسط الأسبوع الماضي بدوار تمجيارت بآيت عبدي بأزيلال، كان يحكي فصولا مأساوية من «رحلة الموت» التي قام بها إلى آيت عبدي رفقة تسعة أشخاص للوصول إلى تمجيارت بعد سماع نبأ فقدان أخته لأطفالها الستة دفعة واحدة . «انطلقنا مساء نفس اليوم الذي تلقينا فيه خبر وفاة الأطفال الستة. انطلقنا نحن تسعة أشخاص، وبعد وصولنا لزاوية أحنصال غامرنا في رحلة الموت وسط الثلوج. ورغم معرفتنا بمسالك الجبال فقد جازفنا بحياتنا لأن الثلوج غطت كل شيء، لم نشاهد مثل هذه الكمية طوال حياتنا، وبعض المناطق وصل ارتفاع الثلوج فيها 15 متراً»، يحكي احماد عن نجاته من موت محقق بعد فقدانه الوعي بمنطقة تدعى ألمو نوا فرودجان على بعد ثلاث ساعات من دوار تمجيارت. هرع ثلاثة من مرافقيه لطلب النجدة وهب بعض المتطوعين رغم مآسيهم لإنقاذ احماد بعد عاصفة ثلجية حاصرته رفقة خمسة آخرين . كان الجو مأساويا ببيت أخته فاظمة الصادق التي فقدت أطفالها الستة، والتي كانت تصارع جروحها. زوجها اعليتى محمد لم يسلم بدوره من جروح خطيرة. يحكي احماد نقلا عن زوج أخته: «شعرت بحركة غريبة في حدود الساعة الثالثة من صباح الأربعاء ،كان السقف يسقط علينا. انتبهت وجذبت فاظمة لكن الأحجار لم ترحمنا. أصيبت فاظمة في بطنها وظهرها وعلى جبينها، كما أصبت بدوري بجروح نتيجة حجارة سقطت على ظهري. كان الأطفال بعيدون عني ولم أستطع إليهم وسيلة، لقد غطوا بالكامل بالثلوج والحجارة والأخشاب، حاولت جاهدا أن اخرج زوجتي المصابة ولم أنتبه لجروحي». السكان هناك لايجدون ما يأكلون ورؤوس قطعان الماعز والغنم التي لم تنفق تم ذبحها بعد نفاد كل المواد الغذائية، وطائرة الهيليكوبتر التي أرسلتها العمالة لم تتمكن من الوصول إلى السكان، واكتفت برمي المساعدات من الجو، قد تصل وقد تتوه وسط الثلوج الكثيفة انتظر سكان دوار تمجيارت وصول طائرة مروحية لإنقاذ الأم وزجها الجريحين بعد تلقيهم وعوداً من السلطات بذلك ،لكن طال أمل الانتظار فقرروا التطوع وحمل الجريحين والمغامرة بإيصالهما إلى أقرب طريق. «انطلقنا في السادسة من صباح الأربعاء، حوالي 100 شخص، ووصلنا إلى ماسكو حيث استضافنا أوداد الحسين المستشار الجماعي، وجمع السكان ما تبقى لديهم من شاي وخبز لإطعامنا. أكل بعضنا في حين لم يجد آخرون ما يطعمون به جوعهم ،وبتنا نستمع لحكايات مأساوية للسكان مع الجوع». انطلق المتطوعون ال100 قصد إيصال فاظمة وزوجها لأكرد ندوماز. رحلة النزول كانت محفوفة بالمخاطر حيث سقط أغلبهم وأصيبوا بجراح وسط الثلوج وعاد بعضهم لآيت عبدي، ليصل إلى مكان وجود سيارة الإسعاف 40 شخصاً فقط. «عاد عشرون من المتطوعين لحمل الزاهيري عائشة ،سيدة أنجبت في دوار ماسكو قبل أسبوع، لكنها أصيبت بمضاعفات كبيرة نتيجة البرد والثلوج وقلة الأكل. سيحاولون إن وصلوا نقلها إلى أقرب منطقة لإنقاذ حياتها» يؤكد العبيدي احماد أحد مرافقي الصادق احماد. احماد العبيدي هرب من قساوة آيت عبدي قبل خمس سنوات رفقة علاوي احماد ،لكنهما يشاركان اليوم قريبهما الصادق احماد مأساة اخته بفقدان اطفالها الستة. يؤكد العلاوي احماد أن 500 شخص هربوا من الثلوج ونزحوا إلى ورزازات قبل هذا الموسم ،في حين استقر الصادق احماد ووالده الضرير وإخوانه بتاكزيرت قبل ثلاثة أشهر، وقبل أن تتعمق مأساة سكان آيت عبدي ،لم يترك احماد فرصة وجوده في الأسبوع الفارط بآيت عبدي تمر دون أن يقنع أختيه رابحة والسعدية المتزوجتين بآيت عبدي بالنزول في رحلة الموت. اصطحبت رابحة رضيعها محمد ذا الستة أشهر وبنتيها عائشة (6 سنوات) وفاطمة (3 سنوات)، في حين تحملت السعدية آلام حملها وشاركت في رحلة محفوفة بالمخاطر. «لقد كان يتهددهم الموت هناك في أي لحظة بالجوع ومحاصرة الثلوج فعلى الاقل حاولت أن أصل بهن وأنقذهن والحمد لله وصلنا هذا الصباح لتاكزيرت». مصدر من عمالة أزيلال يؤكد أن تفكيرا جديا بدأ في بناء قرية نموذجية بالقرب من زاوية أحنصال وترحيل السكان إليها. في انتظار ذلك ترقد فاظمة منذ مساء الخميس رفقة زوجها بالمستشفى الاقليمي بأزيلال، حيث يمنع الصحفيون من زيارتها رفقة زوجها، ويؤكد احماد أن حالتها خطيرة نتيجة مضاعفة البرد القارس والثلوج وحالتها النفسية سيئة بفقدان أطفالها الستة ،في حين يحاول الأب اعليتى محمد أن ينشغل بجروحه ومصير زوجته يغالب التفكير المسيطر عليه بفقدان فلذات كبده وسط الحصار والثلوج.