حلت صباح أمس الاثنين “مسيرة الجوع” ببني ملال بعد مسيرة جاوزت 60 كيلومترا من تاكلفت وصولا إلى مقر ولاية جهة تادلة أزيلال، وشارك 90 فردا (40 امرأة و50 رجلا من كل الفئات العمرية) من نايت عبدي تاسرافت وجبال تنكارف مشيا على الأقدام، وأكد مشاركون في المسيرة أنهم انطلقوا “مساء الأحد بعد الساعة الثامنة مساء سالكين طرقا جبلية بعد منع الشاحنات ووسائل النقل من طرف السلطات من حملنا، لنصل صباح هذا اليوم على الساعة الثامنة صباحا إلى بني ملال”. وفاجأت مسيرة الجوع السلطات المحلية ببني ملال بعد اعتقادها أن المحتجين توقفوا بتاكلفت، لكن إصرار السكان جعلهم يتحركون ليلا، حيث تركوا باقي المحتجين بتاكلفت معتصمين هناك. المشاركون في المسيرة قالوا إن “كمية الثلوج الكثيفة منعتنا من الخروج من منازلنا رغم الجوع، وبعد أن تمكن الرجال من حفر مسالك وسط الثلوج خرجنا رغما عنا لأن الجوع أقسى من الثلوج”، يؤكد زرار عبد العزيز قبل أن يضيف: “لقد حفرنا ستة أمتار دون الوصول إلى الأرض في البداية، لنكتفي بحفر مسالك وسط الثلوج نتمكن من خلالها من الخروج من وسط الصحراء البيضاء”. فاظمة باسو، أرملة في الستينات من عمرها تنحدر من تاسرافت نايت عبدي، شاركت في المسيرة وأدميت قدماها بفعل المشي الطويل، وتؤكد أن إصرارها على المشاركة في المسيرة أهون من الموت جوعا في تاسرافت نايت عبدي. هنو واحماد، سيدة في بداية الأربعينات من عمرها، تركت ستة أبناء رفقة أبيهم واصطحبت ابنتها الصغيرة رشيدة العشار ذات السنتين وأصغر مشاركة في المسيرة، تجيب عن أسئلة ل”المساء” حول الوضع بتاسرافت نايت عبدي: “والوت، والوت، لا وجود للخبز أو الدقيق أو أي شيء نأكله ولا وجود للطريق ولا للحطب”. موحى مجاضي أكد ل«المساء» أن 8 نساء توفين هذه السنة بسبب البرد وانتشار الأمراض، يضفن إلى ضحايا لا يعلم بهم أحد، ننتظر كل مرة تدخل السلطات دون جدوى قبل أن ندفنهم”. «قبل أسابيع حمل رجال تاسرافت نايت عبدي وتنكارف حمولة 12 طنا فوق ظهورهم وقطعوا مسيرة 6 كيلومترات للوصول بها بعد أن حاصرتهم الثلوج»، يصرح الحسين، أحد المشاركين في المسيرة، في حين أوضح مصطفى حجي، صاحب دكان بتاسرافت، ل«المساء» أن “الدكان أصبح فارغا منذ أشهر لأن المواد الغذائية يستحيل أن تصل إلى المنطقة”. حمو واعبو قال ل”المساء”: “إن قائد تيزي نسلي أوقفنا بتاكلفت ووعدنا بإيجاد حلول، لكننا رفضنا العودة وبقينا معتصمين بتاكلفت، صباح أول أمس الأحد حاولنا الوصول إلى بني ملال لكن ممثلي السلطة منعوا الشاحنات ووسائل النقل من حملنا، فقررنا تجنب الطريق المعبدة لكي لا يمنعونا. انطلقنا بعد حلول الظلام وبتنا بدون أكل، نحن الآن جياع لم نأكل منذ أيام”. منطقة نايت عبدي تاسرافت التابعة ترابيا لجماعة بوتفردة بإقليم بني ملال عرفت “هذه السنة نزوح أزيد من 280 شخصا إلى نواحي بوعرفة ممن يملكون إمكانيات تساعدهم على الرحيل هربا من الموت جوعا أو بسبب الثلوج”. فاظمة أكدت في تصريح ل”المساء” أن “نساء تاسرافت نايت عبدي يمتن رفقة الأطفال جوعا، ومن مرضت تنتظر أن تموت موتا بطيئا لعدم وجود مستشفى أو أدوية، أطفالنا لا يدرسون لأن الثلوج حاصرتنا ولا يمكنهم الوصول إلى المدارس في غياب الطريق”، وتضيف فاظمة مرغادي بنبرة حزينة: “إن أطفالي الأربعة لا يستطيعون الكلام بسبب الجوع، وهم اليوم مهددون بالموت جوعا وبسبب البرد والثلوج، لذلك شاركت في هذه المسيرة لعل المسؤولين ينتبهون إلى حالنا ونتمكن من إنقاذ حياة أطفالنا”. وكان المشاركون في المسيرة قد قاموا، صباح يوم الجمعة الفارط، بمسيرة من تاسرافت وتنكارف إلى تاكلفت، حيث اعتصموا ليومين بعد محاصرتهم من الدرك الملكي وقائد قيادة تيزي نسلي دون أن تستجيب السلطات لمطالبهم، قبل أن يتطوع 90 منهم للوصول إلى بني ملال صباح أمس، حيث رفضت الولاية استقبال المحتجين الذين اشترطوا حضور أربع نساء من المشاركات ومنتدب عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. سلك المشاركون في المسيرة طرقا جبلية من أنركي، مرورا بتاكلفت وآيت تامجوط، ووصولا إلى مودج قبل الوصول إلى منطقة عين أسردون والنزول إلى أمام مقر الولاية. وقد نام أغلب المعتصمين على بعد 60 مترا من مقر الولاية بفعل العياء الكبير والجوع، بعد رفض الولاية شروط المعتصمين للدخول في حوار. “المساء” حاولت صباح أمس أخذ وجهة نظر ولاية جهة تادلة أزيلال، لكن وجود الوالي والكاتب العام حال دون ذلك، كما رفض قسم الشؤون العامة “الإدلاء بأي تصريح مادام المسؤول الأول عن الولاية لم يستقبل بعد المعتصمين”.وأثناء ذلك تقاسم المحتجون قطع خبز وكؤوس شاي وحبات برتقال جادت بها إحدى المحسنات للمعتصمين الذين ينتعل أغلبهم أحذية بلاستيكية وملابس رثة، وتكشف أحوالهم عن مأساة في أعالي الجبال لسكان محاصرين بالثلوج والجوع.