ارتفعت حرارة المشاداة بين حزب العدالة والتنمية وخصومه بشكل دراماتيكي،قبل المواجهات الانتخابية المتوقعة في الصيف المقبل،وبشكل أربك حسابات الحزب الاسلامي الذي أظهر رغبة قوية في تبني خطة هجومية والأستفادة من التعاطف الكبير للشعب المغربي مع ضحايا العدوان الصهيوني الاجرامي ضد الفلسطينيين في غزة لتسجيل أهداف مبكرة في شباك بدت له ضعيفة الحراسة. ذلك أن خصوم حزب العدالة والتنمية المتعددين، والراسخين في اللعب في رقعة السياسة، كانوا في انتظار حامل الكرة لتضييق مجال تحركه وإكراهه على التنازل للإبقاء على سلامة رجليه، مراهنين على تسرعه في محاولة الهجوم وعلى تراجعه بسرعة أيضا أمام الضغط. وهكذا، ورغم نفي الداخلية لأي استهداف لحزب بعينه، فإن حزب العدالة والتنمية وجد نفسه يكرر الإعتذار تلو الإعتذار، بعد خطاب ساخن لزعيمه لم يكن الاهم فيه إرجاع الفضل في إحداث حساب اغاثة غزة إلى حزبه، وأن كانت صيغة التبني قد استدعت صدور بيان شديد اللهجة بتوقيع الوزير الاول عباس الفاسي أربك عبدالاله بنكيران وجعله يبحث عن مخرج مما اعتبره ورطة بالنفي والاضافة، وإنما كان هوتعبيره عن عدم الاستعداد لأي تنازل أو تسوية في الانتخابات الجماعية المقبلة، واستعداده بالمقابل للدفاع عن فوز يراه في متناوله قبل حصوله فعليا، الشيء الذي لم يكن ليمر دون إثارة انتباه الكثيرين ممن يخشون أن يترتب عن مسلسل انتخابي انجرار الى صراعات خطيرة على الاستقراروالتوازنات الكبرى للدولة. وكان الاعلان عن عزل بلكورة، رئيس بلدية مكناس،والإعلان عن تقديمه للمحاكمة بتهم فساد وسوء التدبير لحظة تصعيد قصوى، فالضربة موجعة جدا لجزب يراهن على خطاب أخلاقي لتحقيق التميز وهزم الخصوم في مختلف ساحات الصراع وليس في الانتخابت وحدها. اذ صارت لحزب العدالة والتنمية ، والحالة هذه، بصمته في ملف الفساد، وصار له وجه يحمل وصمة في أعين جمهور لايعير اهتماما كبيرا للاحتجاج بالانتقائية ولاتسترجعه المرافعات الهادفة الى اثباث البراءة، وفقد جراء ذلك ماظل يتباهى به كامتياز مقارنة مع الأغيار. لكن آثار الضربة لاتقف عند حدود ادانة تدبير أحد وجوه حزب العدالة والتنمية با لفساد، وانما تمتد إلى ماهو أبعد من ذلك بكثير، حيث يحمل قرار عزل بلكورة رسالة واضحة الى رجال الأعمال والأعيان مفادها أن من يختار الترشح مع الحزب الاسلامي ،أو من يسانده ماديا أو بأي طريقة أخرى،لايلومن إلا نفسه، وهذا مامن شأنه أن يحد من قدرة أصدقاء بنكيران على تعبئة موارد مهمة لمواجهة المصاريف التي يتطلبها تطلعهم الى تجاوز ضعف الحضور في تديبر الشأن المحلي وأن يحول ذلك التطلع إلى سراب في ظل انتخابات أصبحت الميزانيات الضخمة حاسمة في نتائجها النهائية. كما أن القراريحمل رسالة أوضح لمن يتولون الانتخابات في كل الوحدات الترابية . ورغم أن عبد الاله بنكيران، الذي انتزع قيادة العدالة والتنمية من العثماني، قد انتقل من لغة التصعيد ،التي تأثرت بالعدوان الغاشم على غزة وتصدي حماس بالامكانيات التي أتيحت لها، إلى لغة أخرى بعيدة عن الاولى ، وصولا إلى الاعلان عن تنازل واضح عن الطموحات الانتخابية التي سبق له التعبير عنها في الاستجواب الذي أجراه مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، فإن كل شيء يبين أن الضغوط لن تتوقف وأن العدالة والتنمية قد يبلغ محطة الانتخابات الجماعية المقبلة منهكا مرتبكا. والانسحابات،التي ماتزال محدودة رغم كل شيء، قدتجعلها الضغوط المتواصلة تأخذ أحجام أخرى، وقد تفجر تلك الضغوط خلافات قائمة أصلا حول التدبير السياسي للمرحلة، وحول القدرات القيادية للقادة المتصدرين للحزب في هذه المرحلة ومدى ثأثير تسخين خطابهم على الوضعية التي آلت إليها الأمور، أو أيضا حول تراجعاتهم وتنازلاتهم السريعة أمام الضغوط وثأثيراتها. ورغم أن لحزب العدالة والتنمية تجربة في إدارة الخلاف بين المكونات المندمجة فيه، فإنه لايتبين كيف سيدبر المرحلة في غياب الدكتور الخطيب الذي كانت له سلطة معنوية على من تكفل بإدماجهم، وكانت له شبكة علاقات تمكنه من تخفيف الضغوط عليهم بضمانته الشخصية، وهو الرجل الذي كان من أعمدة المخزن وأسلاكه على مدى عقود.