مليكة حدادي في أولى تصريحاتها تعلن الحرب على الشرعية داخل الاتحاد الأفريقي: الزلة التي كشفت نواياها الحقيقية    إسرائيل تتسلم شحنة قنابل ثقيلة بعد موافقة ترامب    المغرب أفضل وجهة سياحية في العالم لعام 2025    البطولة الاحترافية.. الجولة ال21 تختتم اليوم الأحد بإجراء 3 مباريات    لطيفة العرفاوي تغني لتونس    تقرير: المغرب يحصل على تصنيف أحمر في مؤشر إنتاج الحبوب    المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يبرم اتفاقا بشأن الإغلاق المالي لمشروع إنشاء محطة الغاز "الوحدة"    رابطة جبال الريف تطالب بتفعيل البث الإذاعي والتلفزيوني بإقليم الحسيمة    العرائش تتألق في البطولة الوطنية المدرسية لكرة السلة بزاكورة وتتوج بلقبين    توقيف شخصين بتهمة اختطاف واحتجاز سيدة في سيدي بنور    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    حريق يلتهم 400 محل تجاري بسيدي يوسف بن علي مراكش    انخفاض في أسعار الكازوال في محطات الوقود    رشيدة داتي وزيرة الثقافة الفرنسية تزور العيون والداخلة والرباط    إسبانيا: لن نسمح بتنفيذ مقترح ترامب لتهجير الفلسطينيين    ميارة: قانون الإضراب يساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص الشغل وفق تعاقد اجتماعي واضح    المؤامرات الجزائرية ضد المغرب.. محاولات فاشلة لن تنال من حب الشعب لملكه    الجباري يصرح: مشروع قانون "المسطرة الجنائية" يتناقض مع المبادئ الدستورية    كان الشباب 2025: القرعة تضع المغرب في مجموعة الموت    "المغرب يطلق منصة رقمية "Yalla" لتسهيل تجربة المشجعين في كأس أمم أفريقيا"    التصويت في الاتحاد الإفريقي.. من كان مع المغرب ومن وقف ضده: مواقف متوقعة وأخرى شكلت مفاجأة في مسار التنافس    مسؤولون وخبراء يجمعون على أن المغرب يسير في اتجاه عصرنة وسائل النقل المستدام    أكادير.. افتتاح الدورة الثانية للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني    بين الاحتفال بشعيرة الأضحية وإلغائها بسبب الجفاف.. "برلمان.كوم" يرصد آراء مواطنين مغاربة (فيديو)    مراكش.. انتحار مواطنة أجنبية من جنسية بلجيكية بطريق أوريكة    الأمن يفك لغز اختطاف سيدة بسيدي بنور ويوقف اثنين من المشتبه فيهم    تناقضات النظام الجزائري.. بين الدفاع الصوري عن فلسطين والتجارة مع إسرائيل    افتتاح الخزانة السينمائية المغربية في الرباط: خطوة هامة نحو حفظ التراث السينمائي الوطني    مصرع 18 شخصًا في تدافع بمحطة قطار نيودلهي بالهند    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    نتنياهو يرفض إدخال معدات إلى غزة    إعادة انتخاب نزهة بدوان رئيسة للجامعة الملكية المغربية للرياضة للجميع    حمزة رشيد " أجواء جيدة في تربص المنتخب المغربي للمواي طاي " .    فتح باب المشاركة في مهرجان الشعر    غوفرين مستاء من حرق العلم الإسرائيلية في المغرب ويدعو السلطات للتدخل    ابن كيران: تعرضت "لتابياعت" من وزير لايفقه شيئا في السياسة حاول تحريض النيابة العامة علي    ريو دي جانيرو تستضيف قمة دول "بريكس" شهر يوليوز القادم    حقي بالقانون.. كيفاش تصرف في حالة طلب منك المكتري تعويض باش تخرج (فيديو)    رفْعُ الشِّعار لا يُخفِّض الأسْعار!    في أول زيارة له للشرق الأوسط.. وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يصل إلى إسرائيل    بنعلي تؤكد التزام المغرب بنظام تنموي قوي للأمم المتحدة    الصين: 400 مليون رحلة عبر القطارات خلال موسم ذروة السفر لعيد الربيع    ندوة بمراكش تناقش مدونة الأسرة    شعبانة الكبيرة/ الإدريسية الصغيرة/ الزميتة وفن العيش المغربي (فيديو)    مسرح محمد الخامس يقدم مكانش على البال لعشاق ابي الفنون    "أسبوع ارتفاع" ببورصة البيضاء    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    "ليلة شعبانة" تمتع جمهور طنجة    حقيقة تصفية الكلاب الضالة بالمغرب    خبير يكشف التأثير الذي يمكن أن يحدثه النوم على التحكم في الوزن    "بوحمرون" يصل الى مليلية المحتلة ويستنفر سلطات المدينة    تفشي داء الكوليرا يقتل أكثر من 117 شخصا في أنغولا    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ علي الغاياتي.. الشّاعر الأزهري الثائر
جلب عليه ديوان «وطنيتي» غضب الإنجليز والقصر وكان سببا في إدانته بالسجن
نشر في المساء يوم 28 - 07 - 2013

هو واحد من جيل المجاهدين الإسلاميين الذين تخرّجوا من صفوف الحزب الوطني، حيث أنداده، أمثال مصطفى كامل ومحمد فريد، ممن حملوا شعلة النضال الإسلامي الوطني في
بداية هذا القرن، قبل أن يسارعوا إلى حمل نبراس الثورة التي اندلعت بعد ذلك سنة 1919.. إنه علي الغاياتي، عالم الدين المناضل والنموذج الأزهري الثائر، الذي اضطلع بدور رجل الدين الإسلامي الحقيقي في الكفاح ضدّ الاستعمار والاستبداد وتبني مطالب الأمة والدفاع عن قضاياها، ينطلق في الدعوة للجهاد من خلال شعره المُلهِم، الذي يفيض به قلمه رقة وعذوبة لا تقارَن حتما بحماسته ووطنيته، يكتب شعره ويحرّر مقالاته على صفحات الجرائد الوطنية بشكل لافت ومتميز وملتزم بقضايا الشعب وبكبرياء الإيمان والثورة رافضا مدّ يده إلى أحد يبيع قلمه أو إلى جهة مهما قست الظروف»..
وطنيتي.. عندما تكتمل الصورة
كانت مدينة دمياط يوم الرّابع والعشرين من أكتوبر 1885 على موعد تاريخي، حيث ولادة الشيخ الغاياتي، الذي سارع إلى الالتحاق مُبكرا بكتّاب حفظ القرآن الكريم وهو لم يتجاوز بعدُ سِنه الثامنة، ثمّ في المعهد الديني في دمياط، فالأزهر الشريف، الذي انخرط من خلاله برجالات السلطة الرابعة، إذ عمل صحافيا في العديد من الصّحف الوطنية، خاصة تلك التابعة للحزب الوطني، التي لم تلبَث تدعو إلى مقارعة الاحتلال الانجليزي ومحاربة الاستبداد الخديوي، مُصْدرا بذلك لديوانه الشّعري الأول تحت عنوان «وطنيتي»، الذي حمل مجموعة من قصائده الشّعرية، التي تبثّ الروح الوطنية وتندّد بالاحتلال وسياسات الخديوي، الذي سارع إلى مصادرته وتوجيه الاتهام إلى الغاياتي الذي اضطرّ سريعا للفرار إلى تركيا سنة 1910، ومنها إلى جنيف التي استقرّ فيها يواصل نضاله الوطني عبر صحيفته الجديدة «الشرق»، التي اهتمّت بشؤون العالم الإسلامي ونضاله ضد الاستعمار، صحيفة استمرّت في الصدور بشكل منتظم (رغم الظروف الصّعبة) حتى الخامس من فبراير 1937، لحظة عودته إلى مصر ونقل جريدته إليها التي أخذت تدافع عن القضايا الوطنية المصرية حتى وفاته 27 غشت 1956.
يروي فتحي رضوان في كتابه «عصر ورجال» في وصفه لديوان وطنيتي بالقول «هو بلا شكّ ديوان الوطنية المصرية في الفترة ما بين سنة 1907 حتى سنة 1911. فما إن تقرأه حتى تكتمل لديك صورة كاملة للعهد الذي ظهر فيه، إذ لم تترك قصيدة منها حدثا سياسيا إلا وتعرّضت له بروح ثائرة، مُحبة للوطن، لقد كان الغاياتي يُعبّر بقصائده عن لحظات عودته إلى مصر مغمورا قبل أن يموت في الوضع ذاته. لقد كادت ذاكرة التاريخ أن تهمل هذا الرّجُل العظيم، الذي لم يُحسب على الشّعراء ولم يحسب على إعلام الصحافة بقدْر ما كان خليطا بين هذا وذاك نظير روحه العابرة والثائرة التي مرّت على أحلام مصر وحلّقت بها قليلا إلى الأعلى، وكان من أجمل تلك اللحظات تلك التي شهدت وثبة الرّوح الثائرة إلى بارئها»..
القشلاق الأحمر.. سجّان وثائر
لم تكن الحياة الهادئة المطمئنة التي كان يعيشها الغاياتي في بلده الوديع -أو «المحافظ» كما كان يُسميه- تلائم طبيعته الجامحة إلى الكفاح والنضال بدليل قوله عن شعره البدائي الذي كان يَنظمه في بداية شبابه، بعيدا عن الأغراض السياسية والوطنية «ولقد أضلني ما أضَلَّ الشعراء من قبل، فطرقت في بدء محاولتي للنظم موضوعات لا خيرَ فيها للبلاد ولا ذكر للأمة والوطن، أمّا عذري في ذلك إنْ حاولت الاعتذار فذلك أنني في معزل عن الحركة الوطنية ولا أعرف من أمرها شيئا، وحسبي أني وُلدتُ في مدينة دمياط ونشأت فيها بين قومٍ كرام، غير أنهم «محافظون»، يعبدون الحكام، كأنهم آلهة يُحيون ويُميتون، ثم لا يكادون يذكرون الوطن والوطنية على الإطلاق».. لقد انطلق للثورة والنضال بعد أن نشأ في ظروف تاريخية معقدة، حيث مصر التي وقعت للتو تحت قبضة الاحتلال الانجليزي (1881 -1882) وهي ظروف أخذت معها الحركة الوطنية المصرية، متمثلة في الحزب الوطني، تحاول بثّ الروح الوطنية واستنهاض الشّعب المصري ضدّ الاحتلال وما رافق ذلك من اصطدام واضطهاد من قبَل سلطات الاحتلال الانجليزي وسلطات الخديوي الموالية لها ضد عناصر الحركة الوطنية المصرية، حيث وجهت إلى الغاياتي تهمة مخالفة قانون التجنيد وحكم عليه بالسجن في معتقل «القشلاق الأحمر»، الذي لم يغيّر سجانوه من موقفه وصلابته وتصاعد نبرته الوطنية المناهضة للاحتلال، التي انطلقت من جديد عبر قصائده التي أخذ يكتبها داخل زنزانته الصّغيرة ذات الشباك الصغير.. وبدت تلك القصائد أشبهَ بالشظايا والقذائف التي أخذت تسقط على رأس الاحتلال، خاصة كلمات قصيدته التي حملت عنوان «نحن والاحتلال»، حيث يقول:
كفكفي يا مصرُ دمعَ الوَجَل
وارتقبْ يا نيلُ نَيْلَ الأملِ
جاوزَ الصّبرُ المدى والصّدرُ
لم يُبقِ فيه الوجدُ من مُحْتَمَل..
الأفندي ومنبر الشّرق..
بتلك الأبيات والقصائد انطلقت نية الاحتلال الإنجليزي التخلص من الغاياتي ورفاقه محمد فريد وعبد العزيز جاويش.. لحظات كان يشعر معها الغاياتي أنّ السلطات تتربّص به وستوجه إليه التهم الملفقة سريعا، خاصة بعد سيطرتها على القضاء، فما كان منه إلا أن تنكّر في زيّ «أفندي» (كان يرتدي الملابس الأزهرية دائما) وينجح في الفرار إلى تركيا، رغم صدور الحكم عليه غيابيا لعام كامل، في الوقت الذي حُكم على رفاقه بأحكام مخففة (ستة أشهر لكل منه محمد فريد وعبد العزيز جاويش) ليتجه إلى جنيف مع بدايات العام 1911، مؤسسا صحيفته «منبر الشّرق»، التي أخذت تصدر دون انقطاع حتى وفاته مدافعا عن قضايا المصريين والعرب والمسلمين حتى عُدّتْ منتدى لزعماء هذه الأمّة كلها.
نهاية الوطنية
بعد أن أعلن الغاياتي محبتة الثائرة للوطن من خلال مؤلفه «وطنيتي»، سارعت صحيفة المؤيّد، وصاحبها الشيخ علي يوسف، إلى شنّ حملتها الشّعواء على ديوان «وطنيتي» حتى لفتت إليه أنظار القصر والانجليز والحكومة التي أدركت سريعا أنها أمام قذيفة مركزة من التحريض على الاحتلال والدعوة إلى الثورة والاستقلال، فانطلقت تبحث عن الديوان وصاحبه، بعد أن أصدرت الأمر باعتقاله، الذي أضحى سببا مباشرا (من خلال وطنيتي) لتعديل القانون بشكل يصبح معه النظر في قضايا الصحافة والنشر من اختصاص محاكم الجنايات، وفي هذا الصّدد يقول فتحي رضوان: «بتلك المماحكات بدأت المأساة تقترب من الشيخ الغاياتي، الذي وُجّهت إليه الحكومة تُهما تتعلق بتحبيذ الجرائم وإهانة الحكومة وأمرت بإحضاره قبل أن تصدر حكمها الغيابي عليه بالحبس لسنة كاملة، بعد اختفائه وهروبه إلى خارج مصر.. كان الغاياتي قد غادر البلاد متنكرا في ملابس إفرنجية، فقصّ شاربه ولبس نظارة سوداء وأخذ يسير بجانب أحد الضباط الأتراك، الذي سهّل هروبه من ميناء الإسكندرية في اتجاه الأستانة التركية التي أخذ يتولى فيها سريعا تحرير جريدته «دار الخلافة»، التي طار منها في اتجاه سويسرا، بعد علمه بمعرفة السلطات المصرية بمكانه.. وظلّ فيها (سويسرا) لسنوات طويلة وقلبه يهفو إلى وطنه ويحنّ إلى أهله وعشيرته، قبل أن يلوح شعاع أمل العودة يوم الثامن والعشرين من يونيو 1937 بعد غياب دام سبعة وعشرين عاما. عاد ومعه قلمه وجريدته «منبر الشّرق»، ليبدأ مرحلة جديدة من كفاحه، حيث أعيد إصدار ديوانه «وطنيتي»، الذي باتت قصائده منبرا وشعاعا للجميع، خاصة الإخوان الذين أخذوا يتلقفونها ويردّدون كلمات صاحبها حتى وفاته عام 1956.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.