استبق حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، تفعيل قرار الحزب الانسحاب من الحكومة بشكل رسمي، بالإعلان عن وجود توجه لإحياء الكتلة. هذه الخطوة ربطها عدد من المتتبعين بمحاولة لبعث إشارة قوية على أن الانسحاب من الحكومة، لا رجعة فيه، وأن هذا القرار ارتبط برؤية دقيقة للوضع الحكومي وآفاقه، لتفنيد ما راج من حدوث انقسام حول هذا القرار وسط الاستقلاليين، وكذا ارتباطه بأجندة خاصة بالأمين العام. وبغض النظر عن هذه الأهداف، فإن عودة الأمين العام لحزب الاستقلال للحديث عن إحياء الكتلة، خلق ردود فعل متباينة لدى عدد من المحللين، بين من رأى أن الأمر مجرد «فرقعة» لن يكون لها أي تأثير، بحكم الأدوار التاريخية التي ارتبطت بالكتلة، و المتمثلة في إعداد المذكرات، وبين من يؤكد أن توجه كل من حزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال، لإحياء الكتلة، سيمكن من إضفاء شرعية سياسية على شكل المعارضة المتوخاة من هذه الكتلة. التباين الحاصل في الآراء حول الكتلة في صيغتها الجديدة، يجد تبريره في ما إذا كان المناخ السياسي، والشروط المرتبطة بوضعية الأحزاب المعنية، تمكن فعلا من إعادة إحياء هذا الإطار، الذي كان دائما رهينا بمواقع الأحزاب، سواء في الأغلبية أو المعارضة. في هذا الصدد يؤكد الباحث محمد شقير أن الكتلة كانت دائما إطارا للتنسيق، لكن التعامل معها كان يحدد انطلاقا من المشهد السياسي القائم، أي هل الأحزاب المشكلة لها، توجد داخل أم خارج الحكومة. واعتبر شقير أن دعوة شباط للخروج من الحكومة سيلعب دورا كبيرا في إعادة إحياء الكتلة بمكونين أساسيين، هما حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، من أجل تكوين معارضة قوية لحكومة بنكيران، إذا استمرت، ولم تقع تطورات تفرض اللجوء إلى سيناريوهات أخرى. وقال شقير إن الكتلة، والتنسيق الذي تم بين الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، في تجربة سابقة قبل صعود حكومة اليوسفي، مكن فعلا من تحقيق بعض المطالب والشروط، وهو ما يتم السعي إليه. ورغم التغيير الكبير في المشهد السياسي، بعد ما بات يعرف بالربيع العربي، اعتبر شقير أن الكتلة كإطار يمكن إحياؤها، فرغم أنه تم التنكر له في وقت سابق، إلا أنها ظلت حاضرة من طرف مكوناتها، بمن فيهم حزب التقدم والاشتراكية. وقال شقير إن حزب رفاق نبيل بن عبد الله «واعون» أيضا بالأهمية التي يكتسيها الحفاظ على الكتلة، حتى من موقعهم داخل الحكومة، رغم أن الحزب سيجد نفسه في موقف المعارض إذا استمر كحليف لبنكيران، بحكم أن المواقع تحدد المواقف، حيث إن حزب التقدم والاشتراكية، وبحكم عدد الحقائب التي حصل عليها داخل الحكومة، مقارنة بنتائجه الانتخابية، وجد نفسه مندفعا نحو تأييد ومساندة حكومة بنكيران. وقال شقير إن الهدف الأساسي من الحديث عن الكتلة في هذا الظرف، هو سعي كل من شباط ولشكر، إلى مواجهة حكومة بنكيران، وإسقاطها، من خلال معارضة من داخل الكتلة، التي تحظى برصيد تاريخي، وسياسي، سيتم توظيفه من طرف الحزبين. في مقابل ذلك، أكد الدكتور الغالي محمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الحديث عن إعادة إحياء الكتلة، يجب أن يوضع في حجمه الطبيعي، وقال إن الكتلة منذ تأسيسها انحصرت في أدوار محددة، تقتصر على إعداد المذكرات، ولم يكن لها تأثير على المشهد السياسي، وعلى نتائج الانتخابات، وأن الهدف الحقيقي منها كان خلق نوع من «لحمية» بين الأحزاب المشكلة لها. وأضاف الغالي أن الكتلة هي في الواقع، تجمع سياسي أخلاقي ومعنوي، فشل أحيانا في خلق التنسيق بين الأحزاب المشكلة له، وهو ما يعود بنا إلى الصراع الذي حدث بين الاستقلاليين والاشتراكيين، بعد انتخابات 2002 حول مفهوم الأغلبية، هل هي مرتبطة بنتائج الانتخابات، أم بعدد الفريق البرلماني رغبة في الحصول على منصب الوزير الأول، وهو الصراع الذي حسمه القصر بتعيين جطو. وأشار الغالي إلى أن الممارسة الفعلية أكدت عدم وجود رؤية موحدة في الأحزاب المشكلة للكتلة، وقال إن التجارب أظهرت أن «كل واحد كيضرب على راسو في الانتخابات، بغض النظر عن مصالح الحزب الآخر». وحول ما إذا كانت الشروط السياسية ناضجة بشكل يكفي للحديث عن دور جديد للكتلة في المشهد السياسي المغربي، قال الغالي إن الظروف والدوافع السياسية في سنة 1990، ليست هي ذاتها اليوم، وربط الحديث عن إحياء الكتلة، بمنظور شكلي وليس استراتيجيا، أي أنه مرتبط باللحظة بين شباط ولشكر. وأضاف الغالي أنه لا يمكن من الناحية الإستراتيجية الرهان على أشياء مستقبلية من هذا التنسيق، والأمر مجرد «مفرقعات». كما شدد الغالي على أن الكتلة تغيرت كثيرا، بحكم أن هذه الأخيرة نزلت في مرحلة كان الملك فيها هو المهيمن والمسيطر على الحياة السياسية، أما الآن فالوضع تغير، والأحزاب أصبحت شريكة في الحكم، سواء أكانت في الأغلبية أو المعارضة، كما أن الكتلة كانت في السابق تنازع في النظام، وهو ما لم يعد موجودا الآن حيث تحول ذلك إلى منازعة في طريقة التسيير. وحول ما إذا كان التنسيق بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، كحزبين معارضين، انطلاقا من الكتلة، قد يمهد لإسقاط حكومة بنكيران، قال الغالي إن المعارضة لازال أداؤها ضعيفا قبل أن يطرح تساؤلا مفاده، «هل هناك نخبة يمكنها ممارسة المعارضة»، بحكم أن جزءا كبيرا من برلماني حزب الاستقلال هم من الأعيان الذين يعتبرون مكانهم الطبيعي في الحكومة، وليس في المعارضة، وهو ما ينطبق أيضا على عدد من برلمانيي الاتحاد الاشتراكي، وقال الغالي إن النخبة التي كانت تشكل الكتلة قبل 20 سنة تغيرت، كما أن الكتلة كانت تضم خمسة أحزاب، وهي أمور تكفي وحدها لوضع الحديث عن الكتلة في حجمه الطبيعي.