تواجه أول حكومة في تاريخ المغرب الحديث يقودها حزب إسلامي امتحانا عسيرا على الواجهة البرلمانية، بعد أن أفرزت نتائج الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر الماضي تحالفات حكومية وخريطة برلمانية جديدة كان من أبرز عناوينها خروج حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتجمع الوطني للأحرار من صفوف الأغلبية الحكومية ليلتحقا بحزب الأصالة والمعاصرة في لمعارضة. وبرأي الكثير من المراقبين، فإن مهمة بنكيران وحلفائه في الأغلبية لن تكون باليسيرة، إذ ستجد نفسها في مواجهة خصوم سياسيين خبر بعضهم جيدا دروب المعارضة ويعول عليها لإعادة مجده الانتخابي الضائع بسبب مشاركته في حكومات التناوب المتعاقبة، فيما تجمع البعض الآخر منهم خصومة سياسية برئيس الحكومة وحزبه قيل إنها انتهت، وثأرا انتخابيا في ذمة من أجهض حلم التجمعي صلاح الدين مزوار وحليفه في «جي 8» في رئاسة أول حكومة بعد إقرار دستور المملكة الجديد. وكان لافتا أياما قليلة على إعلان قيادة الاتحاد الاشتراكي العائد إلى الاصطفاف في المعارضة بعد 14 سنة من التدبير الحكومي، توعد عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول للحزب، لرئيس الحكومة الجديدة ب«معارضة قوية»، قال إنها «ستتجاوز قبة البرلمان لتمتد إلى الشارع»، ومؤكدا أنها «ستكون نوعية، لا تلتقي في خط التماس مع معارضة حزب الأصالة والمعاصرة». وبدا واضحا أن رفاق الراضي، الذين تمرسوا على المعارضة في فترة ما قبل حكومة التناوب التوافقي في سنة 1998، مما أكسبهم القوة الإستراتيجية لنهج معارضة قوية، لن يسهلوا مأمورية الفريق الحكومي الذي سيقوده الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وهو ما كشفوا عنه مبكرا خلال الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب التي عقدت يوم الاثنين الماضي. وإذا كان الحزب يعتبر عودته إلى المعارضة مصلحة وطنية وضرورة سياسية لتقدم الديمقراطية المغربية على قاعدة الفرز الواضح للتشكيلات السياسية متنوعة المرجعيات وفي اتجاه إرساء تناوب ديمقراطي حقيقي ومكتمل، فإن عددا من المتتبعين يرون أن من شأن التجربة الحكومية التي راكمها الاتحاديون على امتداد السنوات المنصرمة أن تعينهم في مواجهتهم حكومة بنكيران. وبرأي محمد شقير، فإن الرصيد النضالي الكبير الذي اكتسبه حزب الاتحاد الاشتراكي، بفضل سنوات المعارضة الطويلة التي قضاها قبل قبوله المشاركة في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، وكذا اطلاعه على مجريات الشأن الحكومي وملفاته، من شأنه أن يفيد الحزب في معارضته حكومة الإسلاميين. ويذهب أستاذ العلوم السياسية إلى أن توفر حزب عبد الرحيم بوعبيد على فعاليات اقتصادية وفكرية سيسعفه في مواجهة ومعارضة مشاريع الحكومة المرتقبة، خاصة أن تلك الفعاليات خبرت العمل البرلماني وخباياه، وهو ما سيجعل الحزب يشكل معارضة متميزة واقتراحية ليس همها المعارضة من أجل المعارضة فقط. وفيما يبقى الاتحاد هو المؤهل حاليا لخوض غمار معارضة حكومة بنكيران، يعتقد شقير أن حزب الأصالة والمعاصرة سيجد صعوبة كبيرة في ممارسة معارضته للحكومة التي يقودها خصمه السياسي، حزب العدالة والتنمية، بسبب عدم خبرته في طرق اشتغال المعارضة، وهو الحزب الفتي الذي ما زالت شرعيته لم تترسخ. وتبدو نفس الصعوبات قائمة وإن بدرجة أقوى بالنسبة لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي وجد نفسه، يقول المتحدث ذاته، في موقف المعارض المجبر لا المعارض الذي اختار موقع المعارضة، بعد أن سارع رئيسه صلاح الدين مزوار إلى إعلان قرار الاصطفاف على يسار الحكومة الجديدة في وقت لم تكن فيه قيادات تجمعية تزمع الخروج إلى المعارضة. وفي الوقت الذي يعتقد شقير أن حزبي الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار في طور تعلم المعارضة، مع ما يتطلبه ذلك من وقت طويل للتمرس على أشكال التعامل مع الملفات والعمل البرلماني، تبدو مهمة حكومة بنكيران صعبة في مجلس المستشارين في مواجهة أحزاب اصطفت في المعارضة وتتوفر على 150 مستشارا برلمانيا مقابل 119 مستشارا للأغلبية، مع ما يعينه ذلك من تهديد لمشاريع القوانين التي ستتقدم بها، وفي مقدمتها مشروع قانون المالية لسنة 2012، الذي سيجعل الأغلبية مضطرة إلى البحث عن سبل تدارك تأخرها العددي، الذي سيجعلها تحت رحمة معارضيها وخصومها من خلال استقطاب مستشارين غاضبين إلى الأغلبية وتشكيل فريق برلماني. وبالرغم من أن حكومة بنكيران، المشكلة من أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية، ستستفيد من التنافر القائم بين مكونات المعارضة الجديدة، ومن هامش كبير للمناورة السياسية، وقوة عددية تتيح لها إمكانية مواجهة معارضيها على ساحة الغرفة الأولى وتمرير مشاريعها الحكومية، فإن أسئلة عدة تطرح حول قدرة مكونات الأغلبية نفسها على استمرار التجانس بينها، وتفعيل وتنزيل الدستور الجديد، ومعالجة الملفات الكبرى. كما ستواجه الأغلبية الحالية على خلاف سابقاتها معارضة يتيح لها الدستور الجديد آليات رقابية تتمثل في تشكيل لجان تقصي الحقائق، وتقديم ملتمس الرقابة، وطلب عقد الدورات الاستثنائية، وتوجيه الأسئلة إلى الحكومة، وكذا الاعتراف لها ببعض الحقوق الخاصة بمراقبة العمل الحكومي، ومن أهمها حرية الرأي والتعبير والاجتماع، والاستفادة من وسائل الإعلام الرسمية، وممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي. وعلى ضوء الدستور الجديد، فإن الأداء التشريعي للمعارضة البرلمانية يتخذ عدة أشكال، منها رئاستها اللجنة المكلفة بالتشريع، وإحالتها القوانين على المحكمة الدستورية، وتقديم مقترحات لمراجعة الدستور. وحسب إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، فإن المقتضيات التي ينص عليها دستور 2011 تجعل المعارضة الحالية، من الناحية الافتراضية، معارضة قوية وذات وقع وتأثير في مسار العمل السياسي والتشريعي بالبلاد، غير أن استحضار طبيعة التحالفات التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الأخيرة والاختلافات الإيديولوجية الموجودة بين مكونات فرق المعارضة كما الأغلبية، تجعل احتمال ألا يكتب لتلك المقتضيات الدستورية أن تفعل على الوجه المطلوب أمرا قائما، وهو ما يجعلنا أمام معارضتين أو معارضات مختلفة. وبرأي أستاذ الحياة السياسية، فإن من شأن مثل هذا الوضع أن ينعكس سلبا على قوة المعارضة الحالية وأدائها ومواكبتها للعمل الحكومي، مشيرا إلى أن وجود معارضة ضعيفة وهشة سيؤدي إلى تكرار النقائص التي عرفتها المؤسسة التشريعية في السنوات الماضية. ويرى لكريني أن حدوث تقارب بين فرق المعارضة البرلمانية والتنسيق فيما بينها قد يخدم المرحلة السياسية التي يقبل عليها المشهد الحزبي بعد محطة إقرار دستور جديد يحاول تجاوز أعطاب ذلك المشهد، مؤكدا أن المعارضة تواجه تحديا وإكراها دستوريا وسياسيا مرتبطا بقدرتها على استغلال وتوظيف الإمكانيات الهائلة المتوفرة لها اليوم فيما يخص التشريع ورقابة الحكومة.