- في أي سياق كانت مشاركتك في إعداد «الكتاب الأبيض»، الذي أنجزه حزب الاستقلال بمناسبة المطالبة بضمّ موريتانيا إلى المغرب؟ اشتغلت شخصيا إلى جنب منير العلوي في إعداد ذلك الكتاب الأبيض في منزل سي علال الفاسي في مارس 1957، وكان عملنا يقضي أساسا بتوثيق ارتباط أرض شنقيط بالمغرب، بناء على الوثائق والتقارير الصادرة عن وزارة الخارجية الفرنسية وحكام المُستعمَرات الفرنسية في إفريقيا الغربية في دكاروالجزائر -الفرنسية، عبر استخراج الفقرات التي تضمّنتها تلك الوثائق، التي تبين علاقة إقليم شنقيط بالمغرب. وبعد انتهاء العمل، الذي دام زهاء خمسة عشر يوما داخل منزل علال الفاسي في طنجة، سلمنا تقرير العمل إلى كل من علال الفاسي والمهدي بنبركة. - كان هذا العمل -كما أشرتَ- في سنة 1957، أي قبل إعلان استقلال موريتانيا بثلاث سنوات، هل أفهم أن علال الفاسي كان يتوقع ذلك الاستقلال؟ ما وقع هو أنه عقب استقلال المغرب سنة 1956، لم تطرَح حدوده بكيفية واضحة، فمن جهة كانت الحدود الشرقية، التي تسمى «الصحراء الشرقية»، التي رفض المغاربة التفاوض بشأنها مع الفرنسيين على اعتبار أنّ تلك المسألة سوف تحَلّ مع الحكومة الجزائرية بعد الاستقلال وانتهاء حرب التحرير، وبالفعل وَقع اتفاق بين المغاربة وحكومة فرحات عباس سنة 1961، إلا اندلاع «حرب الرّمال» سنة 1963 بين المغرب والجزائر حال دون استكمال ذلك الاتفاق، أما مسألة موريتانيا والصحراء فلم تثَر آنذاك، إلا أنّ جيش التحرير أخذ المبادرة لتحرير الصحراء وموريتانيا من المستعمرين الإسبان والفرنسيين، وجل المعارك الأولى التي خاضها جيش التحرير بعد استقلال المغرب كانت في موريتانيا، عقب نزوله من الشمال إلى الجنوب، مستقطبا الكثير من أعيان وشيوخ موريتانيا، وتم بالفعل تحرير جلّ الأراضي الموريتانية سنة 1957 من قبضة التحكم الفرنسي.. لكن الموقف «المُهادِن» للحكومة الإسبانية سينقلب بعد اتفاقها مع الحكومة الفرنسية على دحر جيش التحرير، وهو الأمر الذي تحقق عمليا بعد عمليات «إيكوفيون» العسكرية المشترَكة سنة 1958، التي «سحقت» جيش التحرير في الجنوب نظرا إلى تواضع عتاده العسكري وتواجده في منطقة صحراوية مفتوحة على السماء، الأمر الذي سهّل مهمة الطيران الحربي الاستعماري في القضاء السريع عليه، ودفعه إلى التراجع شمالا حتى منطقة كلميم، وكان من النتائج المباشرة لتلك العمليات العسكرية تنازُل الإسبان للمغرب على منطقة طرفاية.. وفي تلك الفترة بالضبط التحق أعضاء من الحكومة الموريتانية التي أعدّها الحاكم الفرنسي موراك، مثل فال ولد عمير وحرمة الله ولد بابانا، بالمغرب. - هل جائوا مبايعين لمحمد الخامس؟ يقال إنهم بايَعوا محمدا الخامس، وأيضا لطلب الدعم بغية استكمال تحرير موريتانيا والصّحراء وانعقدت مؤتمرات عدة بهذا الصدد. - ما هي هذه المؤتمرات؟ هي مؤتمرات لجيش التحرير اجتمع فيها بقادة موريتانيين وصحراويين، أعتقد أنّ أحدها عقد بكلميم، وآخر بالرباط، لكنْ دون توابع مهمة لتلك المؤتمرات، لأن المغرب ارتكب، في اعتقادي، خطأ جسيما بدمجه جيش التحرير داخل القوات المسلحة الملكية.. الشيء الذي حرَم المملكة من أدوات التحرير، فرغم تراجعه شمالا، كان مُحتمَلا أن يترقب فرصة أخرى لمواصلة قتاله للاستعمار وتحرير منطقة الصحراء، التي شملت آنذاك كلا من موريتانيا و»الصحراء الغربية»، وبالتالي كنا سنتجنب المشكل الذي نعانيه حاليا في الصّحراء.. - كيف كان موقف علال الفاسي من مسألة ضم موريتانيا إلى المغرب؟ موقف سي علال كان واضحا في ضرورة إلحاق موريتانيا بالمغرب، نظرا إلى ثقافته الدينية، التي تعزى إلى تكوينه في جامعة القرويين وارتباطه بعلماء شنقيط وبعض العائلات الصوفية.. - وماذا عن موقف المهدي بنبركة؟ ينخرط موقف بن بركة ضمن موقف الأطر الوطنية ذات التكوين الغربي، التي لم تولِ أهمية كبرى لمسألة الوحدة الترابية، لكنْ بعد اقتناعه بجدوى مطالب علال الفاسي، بتعثني -إلى جانب مجموعة أخرى من شباب الحزب- للعمل مع علال الفاسي في مشروع الكتاب الأبيض، ففي النهاية اقتنع قادة الحركة الوطنية وكذلك محمد الخامس بالأمر، ويبرز ذلك جليا في خطابه في محاميد الغزلان سنة 1958، الذي بيّن فيه أن «موريتانيا هي جزء من التراب الوطني».. - وماذا كان موقف ولي العهد آنذاك؟ لقد كان خطأ الحسن الثاني، كما أسلفتُ، هو إدماجه جيشَ التحرير في القوات المسلحة الملكية .. ورغم أنّ محمدا الخامس كان ملكا حينها، فإنّ ولي العهد كان يلعب دورا أساسيا. - أين كان يتجلى ذاك الدور الأساسي؟ كان له دور أساسي.. فدبلوماسيا، لم المغرب يختر الطرُق الصّحيحة، وفي اعتقادي فقد كان حريا بالمغرب أن يطرح مسألة تقرير المصير في موريتانيا وليس في مشكل الصّحراء حينما سجل القضية في لجنة تصفية الاستعمار داخل الأممالمتحدة سنة 1964.. فلو دفع المغرب بتقرير المصير في موريتانيا كانت النتيجة ستكون في صالح المملكة، بانقسام موريتانيا إلى قسمين: كان القسم الشمالي سوف يندمج حتما داخل التراب المغربي، ويبقى القسم الجنوبي ككيان مستقلّ، ربما.. - كان الفال ولد عمير، الذي ساند موقف المغرب، أميرا على منطقة الترارزة، التي تقع جنوب موريتانيا؟ بالفعل، لكنني أفترض أنّ الجنوب يتميز بمقومات ثقافية وعِرقية تختلف عن الشمال نظرا إلى تواجد ساكنة زنجية، قادمة من السنغال ومالي، التحقت بموريتانيا في ظروف الاستعمار، أمّا الشمال فيتميز بعمق العلاقات مع السلطة المركزية المغربية منذ عهد المرابطين. - نعود إلى الكتاب الأبيض، كيف تم تجميع وثائقه؟ وكيف حصلتم عليها؟ كانت الوثائق في حوزة قيادة حزب الاستقلال، التي تمت مراكمتها منذ عهد الاستقلال، حيث تم تجميع رصيد وثائقيّ مهمّ. - من تكفل بإعداد الخريطة التي تضمّنها الكتاب الأبيض التي أدمجت موريتانيا داخل الأراضي المغربية؟ تكفل بالخريطة سي علال الفاسي، هو الذي اجتهد في وضعها، وقد كانت الآراء مختلفة بشأنها داخل حزب الاستقلال، فلم يكن الكل متفقين على تلك الخريطة، لأنها في الحقيقة بنيت على وضعيات سياسية تاريخية لحدود الدولة المغربية تعود إلى العهدين المرابطي والسّعدي، فقد حرص الاستعمار على قضم الأراضي المغربية في بداية القرن العشرين، حيث تم إلحاق جزء كبير من أراضيه الشرقية في الجزائر الفرنسية، وكذا الجزء الجنوبي، الذي تم احتلاله قبل توقيع الحماية وتم إلحاقه بمُستعمَرات إفريقيا الغربية. - ما هو السياق الإقليمي الذي أعلن فيه استقلال موريتانيا؟ بعد حصول المغرب وتونس على الاستقلال سنة 1956، عقب معارك شرِسة مع الاستعمار، تراءى في الأفق استقلال الجزائر أيضا، فاختارت فرنسا حينها وضعَ نظام جديد لمستعمَراتها، سواء في إفريقيا الغربية أو في إفريقيا الوسطى، التي منحها دوغول نوعا من الاستقلال الذاتي، وأن وحدتها ستكون داخل الاتحاد الفرنسي، في هذا السياق نُظمت العديد من الاستفتاءات داخل تلك الأقطار المستعمَرة أفضت إلى استقلال بعض الأقطار، كغينيا مثلا بقيادة سوكوتوري، أمّا باقي الأقطار فقد خططت فرنسا لاستقلالها في إطار مخطط مندمج ومتدرّج، ومنها موريتانيا، التي حرصت فرنسا أشدّ الحرص على استقلالها حتى لا يكون للمغرب امتداد جنوب منطقة الصّحراء.. - هل كان لاكتشاف الثروات المعدنية دور في استقلال موريتانيا؟ قد يكون اكتشاف تلك الثروات المعنية والشروع في استغلالها سببا ضمن جملة من الأسباب، لكنّ الأهم هو الهدف الإستراتيجي كي يكون المغرب «مقطوعا» عن جذوره الإفريقية. - من سنة 1960، تاريخ إعلان استقلال موريتانيا، إلى سنة 1969، تاريخ اعتراف المغرب بهذا الاستقلال، كيف كانت العلاقات الموريتانية المغربية؟ كانت علاقات المغرب مع موريتانيا خلال تلك المرحلة التي ذكرتَ مقطوعة تماما، فالذي وقع هو أنّ المغرب استطاع الحصول على دعم الاتحاد السوفياتي، لكنّ الإرادة الأممية ودعم تونس لاستقلال موريتانيا دعَمَا هذا الاستقلال الموريتاني، وساهما في عزل الموقف المغربي بضمّ موريتانيا.. حيث إنّ المغرب حاول في مؤتمر الدارالبيضاء سنة 1961 تشكيل تكتل إفريقي كانت أهمّ دوله غانا، غينيا ومصر، في مقابل تكتل آخر في مونروفيا، وسيجتمع هذان التكتلان لاحقا سنة 1963 لتشكيل منظمة الوحدة الإفريقية. * تكلف بإعداد الكتاب الأبيض عن موريتانيا