لا يمكن فهم التعاطي الموريتاني مع ملف وحدتنا الترابية دون الرجوع إلى أصل العلاقات المغربية- الموريتانية حيث مرت هذه العلاقات بأخذ و جذب بفعل تدخل فرنسي تارة و تدخل جزائري تارة أخرى ، و يظهر ذلك في عدم استقرار الأنظمة السياسية في موريتانيا ، و كان آخرها الإطاحة بمعاوية ولد سيدي احمد الطايع ، مما يجعل الدولة الموريتانية لها العديد من التخوفات من الدول الإقليمية و خاصة الجزائر التي لم تخف امتعاضها من هبوب رياح الديمقراطية القادمة من المغرب الذي حقق خلال نهاية التسعينيات ثورة على صعيد التغيير ، عبر وصول أحزاب المعارضة بقيادة الأستاذ عبر الرحمان اليوسفي ، هذا الأمر قوى من الملف المغربي كدولة استطاعت بفضل نضج نخبها السياسية إقامة ثورة حقيقية ، الأمر الذي لم تستطع تحقيقه دول الجوار ، و بالتالي رغم العلاقات القوية بين النظام المغربي و النظام الموريتاني ، فإن تخوف معاوية ولد سيدي احمد الطايع من دخول النظام الجزائري لقلب نظامه جعله لا يحسم نهائيا بمغربية الصحراء .و من خلال الديمقراطية التي باثت تعيشها موريتانيا ، أنا جد متفائل بأن النظام الموريتاني سيحسم في مغربية الصحراء عند استكمال مؤسساته الديمقراطية و هنا سأتقدم بقراءة لمسار العلاقات المغربية الموريتانية لمزيد من الفهم ، عبر إعطاء مختلف المراحل التي مرت بها هاته العلاقات. بعد استقلال المغرب ظهرت رغبة قوية من لدن الفاعلين السياسيين لاستكمال الوحدة التربية ، حيث أعلن حزب الاستقلال : ضرورة استمرار الكفاح بهدف تحرير المناطق التي لا زالت مستعمرة من قبل اسبانيا و فرنسا ، ودعت مطالب حزب الاستقلال لإسترداد موريتانيا في يونيو 1657 و سرعان ما انضم الملك محمد الخامس لهذا الطرح من خلال الخطاب الذي ألقاه في محاميد الغزلان ،في 25 فبراير 1958 ، أياما قليلة بعد العملية المشتركة الفرنسية الاسبانية " écouvrillo" – أمام قبائل الركيبات و تاكنا و أولاد الدليم و قبائل أخرى من الصحراء و جاء فيه " ..إن ما يسعدنا أن يستقبلنا في قرية محاميد الغزلان التي هي باب الصحراء من قبائل شنكيطة و أن نسمع إليهم و معهم فقهائهم و أبنائهم و هم يؤكدون لنا كما أكد آباءهم لجدنا تعلقهم بالعرش العلوي ، و استمساكهم بعروة المغرب التي لا انفصام عنها ، و إننا نحيي نفوسهم الأبية و عزائمها القوية و نرحب بهم في وطنيهم و بين أهلهم و نؤكد لهم بدورنا و ليبلغ الشاهد الغائب أننا سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لإسترجاع صحرائنا و كلما هو ثابت بحكم التاريخ و رغبة السكان" و لقد تسلح المغرب في مطالبه بموريتانيا بمجموعة من الحجج تدعم موقفه. الحجج المغربية للمطالبة بموريتانيا أصدر المغرب في أكتوبر 1690 ملفا يتضمن حجج تؤكد أحقيته ببلاد بشنكيط و يمكن تصنيف الحجج إلى نوعين : تاريخية و قانونية : 1 – الحجج التاريخية : + امتداد سلطة السلاطين المغاربة الروحية والزمنية حتى نهر السينغال . + القبائل المنتشرة في إفريقيا حتى السودان حتى القبائل الصنهاجية تنحدر من سلالة واحدة استقروا في عهد المرابطين. + كانت الدولة العلوية تتمتع بالسيادة على شنكيط و هناك وثائق تثبت إرسال البعثاث إلى مناطق " قادان " سنة 1665 م ، و إلى تاكنة سنة 1730 م ، و تحركت من خلاله الساقية الحمراء . إذ عين في القرن 19 الوالي محمد الفاضل من قبل السلطان المغربي الذي ورث أولاده بعد وفاته النفوذ الديني في الصحراء ، فتولى الأمر شنكيط و الساقية الحمراء إبنه الشيخ ماء العينين الذي أنشأ السمارة . و عندما حاولت الجيوش الفرنسية احتلال شنكيط ، طالبت القبائل الصحراوية بمساعدة المولى عبد العزيز الذي احتج على فرنسا ،[الأمر الذي يثبت أن موريتانيا جزء من المغرب ] كما طالب أمير ترازة مساعدة المولى عبد الحفيظ الذي أرسل قواته إلى شنكيط و شارك ضمن هذه القوات الشيخ ماء العينين و استمر القتال إلى سنة 1924 م . الحجج القانونية الظهائر الصادرة و النصوص بمثابة نصوص قانونية التزم الأمراء في إدارة الحكم في أقاليم شنكيط ، الشئ الذي يعطي الدليل على أن السلاطين المغاربة مارسوا سلطة فعلية على جميع أنحاء شنكيط . + تنصيص المعاهدة الفرنسية-الانجليزية سنة 1890 على تقسيم الصحراء حيث يشكل الجزء الفرنسي شمال خط ساري بارد حتى التشاد ، بينما تسيطر بريطانيا على الجنوب ، هذه المعاهدة نصت على أن الأقاليم التابعة لسلطان المغرب هي خارج نطاق النفوذ الفرنسي . + تنصيص معاهدة الجزيرة الخضراء 1906 التي شاركت فيها الدول الثلاث على أن حدود المغرب تمتد إلى حدود نهر السينغال . + تنصيص المراسلات الملحقة ب الاتفاقية الفرنسية الألمانية الموقعة في 4 نوفمبر 1911 م على أن المغرب يشمل الأقاليم التي تقع بين إفريقيا الغربية- سابقا- ووادي الذهب. + الاتفاقية الاسبانية الفرنسية التي وقعت في 27 يونيو 1900 و التي حددت بصورة مصطنعة مناطق النفوذ الفرنسي –الاسباني ، و بالتالي فإن هذه الاتفاقية من الناحية القانونية لا تلزم المغرب لأنه لم يشارك فيها و لم يوافق عليها . في مقابل هده الحجج المغربية ، أصدرت النخب الموريتانية الرافضة للإندماج ضمن المغرب، كتابا اخضرا تولى الرد على الحجج و الأسانييد المغربية و جاءت فيه : - موريتانيا لم تكن خاضعة للمغرب ، إذ لم يدخل أحد المؤرخين أو الجغرافيين موريتانيا داخل الحدود المغربية ، أما الخرائط المغربية فلم تكن تمتد إلى الجنوب حتى تضم موريتانيا . لأن بين المغرب و موريتانيا صحراء كبيرة تمتد 1500 كلم ، لذلك يصعب الاتصال بينهما ، و لم يكن التواصل إلا عن الطريق القوافل في الشتاء. أما الدفع المغربي بتبعية شنكيط له من خلال الاستيناد على طلب الشيخ ماء العينين المساعدة من سلطان المغرب ،فلا تشكل دليلا على الخضوع ، فضلا عن أن المغرب لم يرسل قواته لمساعدة موريتانيا و إعانة المولى عبد العزيز لم تزد عن 70 بندقية. - استطاع المغرب أن يمارس ضغوطا على فرنسا مما دفع بها لتشكيل لجنة مشتركة لرسم الحدود ، إلا انه بعد توقف المواجهة العسكرية بين جيش التحرير المغربي و القوات الفرنسية ، في 21 ماي 1658 ، بزغ عامل جديد يتمثل في اكتشاف الحديد بموريتانيا ، الشئ الذي جعل فرنسا ترفض التفاوض بشأن مستقبل موريطانيا مع المغرب ، و عزمت إلى منح موريتانيا الاستقلال و اتجهت السياسة الفرنسية لخطوات رمت من خلالها إنشاء كيان موريتاني مستقل ، و تحولت هذه اللأخيرة سنة 1957 م فيما يسمى " بالأقاليم الجنوبية لفرنسا" و التي تضم بالإضافة لموريتانيا جزأ من الجزائر مالي و النيجر و تشاد و وأدلي و إيندي و تيبيسي . و بعد ذلك عملت فرنسا أثناء انسحابها من مناطق نفوذها الاستعماري في إفريقيا على إجراء استفتاء للشعوب و الأقاليم التابعة للاتحاد الفرنسي للإختيار بين البقاء ضمن النظام الفرنسي الجديد و هو ما يعرف باسم المجموعة الفرنسية ، وبين الاستقلال التام و جرى هذا الاستفتاء سنة 1958 ، اختارت موريتانيا مثلها مل باقي أقاليم غرب ووسط إفريقيا البقاء ضمن المجموعة الفرنسية لكن و مع توالي الاستقلال لعدد من الجمهوريات ، غيرت النخب الموريتانية موقفها و طالبت بالاستقلال التام ، و في 19 أكتوبر 1960 ، و بناءا على طلب النخب الموريتانية ، جرى اتفاق فرنسي – موريتاني قضى بنقل السلطات إلى الموريتانيين و قضى بنقل السلطات إلى الموريتانيين و تم إعلان الاستقلال في 28 فبراير 1960 . - احتج المغرب على السلوك الفرنسي الذي وضعه أمام الأمر الواقع ، حيث واجهت الدبلوماسية المغربية التصرف الفرنسي بكون المسألة الموريتانية تدخل في إطار تصفية الاستعمار ، و ذلك لكسب مساندة تالدول التقدمية المناهضة للاستعمار في إفريقيا و العالم العربي التي كانت ترفع شعار مواجهة الامبريالية ، و قد عمل المغرب على نهج سياسة عدم الانحياز و قوبلت هذه السياسة برفض المغرب الانضمام لأي حلف من الأحلاف العسكرية و دعا إلى تصفية القواعد العسكرية التي كانت متواجدة بالمغرب و مناهضة التجارب النووية الفرنسية في "صحراء الركان" و هي منطقة كان المغرب يطالب بها ، كما قم بإرسال فرقة عسكرية لمساندة الحكومة الشرعية بزعامة باتريس لومومبا ضد - منشقي كاتنغا " علاوة على ذلك ساهم في تأسيس "كتلة الدارالبيضاء التي ضمت دول معادية للامبريالية التي عقدت أول مؤتمر لها بالدارالبيضاء في 04 إلى 07 يناير 1961، أصدر خلاله قرار يدعم مواقف المغرب المطالبة باستكمال وحدته الترابية و في نفس السياق ساند مجلس الجامعة العربية الذي عقد في شتورة بلبنان 22غشت 1960 مطالب المغرب في موريتانيا . - رغم الحجج المغربية القوية و المساندة التي تسلح بها المغرب ، فانه لم يفلح في فرض طرحه بضم موريتانيا حيث استطاعت هذه الأخيرة بدعم فرنسي الحصول على العضوية في الأممالمتحدة في 27 أكتوبر 1961، انعكس ذلك على الموقف المغربي الذي بدا يضعف تدريجيا بفعل مجموعة عوامل و التي يمكن تقسيمها إلى عوامل داخلية و أخرى خارجية: - تمثلت العوامل الداخلية في غياب الحماس عند الفاعلين السياسيين الأمر الذي سيدفع المغرب إلى مراجعة مواقفه و ظهر ذلك بتقديمه للمشروع إحداث اتحاد مغربي موريتاني. وقصد صادفت ذلك وفاة الملك محمد الخامس و اعتلاء الملك الحسن الثاني العرش الذي ناصر حق تقرير المصير للشعب الموريتاني. - انشقاق الجناح اليساري للحزب الاستقلال في إطار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. - تراجع دور المجموعة الإفريقية التي كانت تدعم المغرب بفعل التحولات السياسية التي عرفها الكثير من أعضاءها. - عدم وضوح الملف المغربي : إذ أن الحجج المغرب كانت تتأرجح بين "مبدأ تصفية الاستعمار" وهو الأمر الذي استندت عليه موريتانيا و أنصارها . و بين مبدأ استكمال الوحدة الترابية و هو الأمر الذي لم يكن ليجد له مناصرين حتى بين الدول القريبة كما هو الحال بالنسبة لتونس التي اعتبرت مطالب المغرب بمثابة نزعة توسعية . - في ظل هذا الأوضاع اعترف الملك الحسن الثاني بموريتانيا بعد استقبال الرئيس ولد دادة أثناء استضافة المغرب لأعمال أول مؤتمر إسلامي انعقد بالدارالبيضاء تلاه مباشرة الاعتراف الرسمي بموريتانيا بتوقيع اتفاقية الصداقة و حسن الجوار بين البلدين في يونيو 1970 . - لقد شكل اعتراف المغرب بموريتانيا خطوة ليتفرغ المغرب لاسترجاع الصحراء . إذ مكن الاعتراف المغربي بموريتانيا من تقريب وجهات النظر بينه و بين موريتانيا من جهة و الجزائر من جهة أخرى و أسفر هذا التقارب في وجهات النظر عن عقد " مؤتمر نواديبو في 14شتنبر 1970 حيث تبنى المؤتمر استراتيجية تهدف لإنهاء الاستعمار الاسباني في الصحراء و تمثلت قرارات المؤتمر في الآتي: - إنشاء لجنة تنسيق مهمتها متابعة عملية إنهاء الاستعمار الاسباني لإقليم الصحراء الغربية. - تعزيز و إنماء التعاون الاقتصادي بين منظمة الدول المطلة على نهر السنغال و دول المغرب العربي. - تنسيق الجهود بين المغرب و موريتانيا و الجزائر و العمل على توحيد وجهات النظر و الآراء حيال المشاكل المطروحة و العمل على إنهاء الوجود الاستعماري عن القارة الإفريقية. - مكن تقارب بين وجهات النظر من تعزيز العلاقات المغربية الموريتانية الأمر الذي حاول المغرب استثماره للضغط على اسبانيا و الحصول على دعم دولي في قضية الصحراء و تكلل ذلك بحصوله على دعم عربي- فرنسي وأمريكي لاسترجاع الصحراء، فتم طرح قضية الصحراء على الجمعية العامة للأمم المتحدة قصد ثني اسبانيا عن المضي في خطتها الرامية في فرض سياسة الأمر الواقع بإقامة كيان سياسي بمنطقة الساقية الحمراء وواد الذهب كما سبق و فرضته فرنسا على المغرب في موريتانيا فتقدم المغرب و موريتانيا بملف واحد الشئ الذي قوى من موقفهم لدى المحكمة إبان دخولهم للمفاوضات الثلاثية بينهما إضافة لإسبانيا التي أحرجتها المسيرة الشعبية التي نظمها المغرب. غير انه بدخول الأطراف المعنية المفاوضات قصد ترتيب جلاء القوات الاسبانية من الصحراء في 28 فبراير 1976 فاجأت الجزائر الجميع برفضها الاعتراف بالسيادية المغربية الموريتنية على الصحراء بدعوى مساندة حق تقرير المصير للشعب الصحراوي كما عملت على احتضان و دعم جبهة البوليساريو،موفرة لها الغطاء السياسي و الدعم العسكري و مند ذلك الحين توالت هجمات البوليساريو على المغرب و موريتانيا ،و نظرا لكون هذه الأخيرة شكلت الحلقة الأضعف، ركزت جبهة البوليساريو هجماتها عليها ،في المقابل لم تستطع القوات الموريتانية رد الهجمات رغم الدعم العسكري المغربي. ساهم ذلك في كشف النظام الموريتاني الذي تعرض لإنقلاب عسكري بقيادة العميد مصطفى و لد السالك في 10يوليوز 1970. اتجهت سياسة ولد السالك إلى التخلص من المشكل عبر توقيعه للاتفاق مع جبهة البوليساريو تخلت بموجبه موريتانيا عن جزءها بالصحراء ،واجه المغرب هذه المتغيرات بالإسراع بضم الجزأ المتخلى عنه من موريتانيا إلا انه لم يستطع ثني موريتانيا عن الاعتراف بما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية سنة 1984 بسبب الأزمة الاقتصادية التي كان يواجهها و التي دفعت موريتانيا لتبدل تحالفاتها نحو الجزائر .