دفعا لكل إيحاء غير مرغوب فيه فإننا نبادر إلى التنويه بأن»النص» المقصود - هنا- هو» النص الأدبي «وفق نطقه الفصيح (بفتح النون وتشديدها). وكل ضمّ لنونِه لا يلزم سوى أولئك الذين صدمهم، تلك الليلة، مشهد راقصة بلا سريولات، لا فوق خشبات» موازين» العمومية وحسب وإنما، أيضا، بعقور ديارهم، وفي ساعات الذروة، نكاية، ربما، في الطهرانيات الزائفة. والواقع أن» دجيسي دجي» ما أتت أمرا فريا بفعلتها تيك تيك (دلالة على القرب). ولكنها كانت، فقط، تتضامن» رأسيا «مع مرضى السرطان، و»شاقوليا» مع الأطفال العراة! تضامنها رمزي لاغير وإلا كانت تبرعت بالمبلغ المالي- وهو معتبر- لا بالشّعر الحليق والسروال. كان الرأس أصلع والتبان الرجالي يُظهِر كل شيء ويُخفي الأساسي، تماما كنص أدبي مفتوح على التأويل. لكن لا أحد استطاع تلك الليلة- وباقي الليالي- أن يحل لغز تلك الاستعارة النصية (من العري). أكان ما رآه الجمهور يجسد «قيمة» إبداعية حقيقية أم أن معناه ودلالته مرتهنان بالسياق لا غير؟ من المرجح أن» الواقعة الشكلية» لا تمتلك في ذاتها ما يستدعي الاتفاق حولها أو الاختلاف بشأنها. هذا إذا كان هناك من بين» الشهود «من تجاوز الشكل إلى المضمون. صحيح أن هذين المحفلين متضافران، إلا أنه من شبه المؤكد ألا أحد أصغى إلى الأغنية المفترضة ولا إلى كلماتها وإنما ظلت العيون مشدودة إلى نص عارٍ تماما. وإذا أردنا أن نكون منصفين قلنا إن» النص» كان بلا إثارة. و»لذة النص» كما وصفها رولان بارث لا تكمن في العري ولا الإخفاء وإنما في البين بين. لكن النصوص العارية عادة ما تربك المتلقين والنقاد. ولا شك أن ما قامت به الراقصة البريطانية خلال» البث الحي «يشبه في بعض الوجوه ما يقوم به بعض الكتاب، بدعوى الحداثة وما بعدها. الأمر الذي يربك أجهزة التحليل والنقد. لنذكر هنا، مثلا، ارتباك النقاد البريطانيين (أهي المصادفة وحدها أن يكونوا مواطنين لدجيسي؟) وهم يتوجون الكاتبة الأمريكية ليديا ديفيس بجائزة «إنترناشيونال مان بوكر» وهي من أرفع الجوائز الأدبية العالمية، منوهين ب»نصوصها «الركيكة القصيرة جدا، تماما كسروال» دجيسي» الداخلي الأبيض؟ ليس في نصوص ليديا ما يثير، ولا ما يسلي (على الأقل في الترجمات الفرنسية والعربية)، لكنها قصيرة وقصيرة جدا، لا تتعدى في بعض الأحيان سطرا واحدا من قبيل ما كتبه الغواتيمالي أوغوستو مونتروسو «حين استيقظ كان الديناصور هنا»، الأمر الذي أدخل الغبطة على بعض كتاب القصة القصيرة جدا، ببلادنا، خاصة أولئك الذين بدأ الشك يتسرب إليهم إزاء ما يكتبون من شذرات بلا أفق. لكن هيهات أن يطمعوا في جائزة تضاهي ما حصلت عليه» دجيسي» أو» ليديا» ولو تعروا في الكتابة والحياة وجابوا الأرض والخيال كما ولدتهم أمهاتهم!