منذ بدء المواجهات بين قوات الأمن العمومية والمحتجين الداعمين للطرح الانفصالي بمدينة العيون، شكلت اللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في المدينة خلية أزمة تشتغل على مدار الساعة في إطار مراقبتها للأوضاع الحقوقية المترتبة عن تلك الأحداث. «المساء» رافقت بعض أعضاء لجنة الحماية التابعة للجنة، ووقفت على العراقيل والإكراهات التي تواجه عملها اليومي بسبب ضعف إمكانياتها الذاتية، وسوء فهم بعض المتدخلين لطبيعة عملها. لم تختلف مضامين التقارير، التي قدمها المقرر الأممي حول التعذيب والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في شقها الحقوقي كثيرا عن الخلاصات التي خرجا بها من خلال اللقاءات التي عقداها مع أعضاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الصحراء، وبعض الفعاليات المحلية، سواء الداعمة لمغربية الصحراء أو نشطاء منظمات «الانفصاليين». استقلالية المؤسسة ودورها المحايد في التعاطي مع موضوع حقوق الإنسان، بغض النظر عن الخلفيات والمبادئ السياسية لأي طرف، ولد ثقة لدى شركائها، سواء كانوا منظمات حقوقية وطنية أو دولية أو هيئات تابعة للأمم المتحدة، لتكون النتيجة إشادة دولية بالدور الذي تلعبه اللجان الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في النهوض بأوضاع حقوق الإنسان في المنطقة وتطويرها. بيد أن عمل اللجان الموكول إليها الدفاع ومراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية تصطدم ببعض العراقيل، سواء في علاقتها بالسلطات المحلية والجهوية، أو أيضا الإمكانيات المحدودة المقدمة للجان التي شكلت إحدى أبرز النقط المضيئة في التقرير الأممي حول الأوضاع في الصحراء، على مستوى حقوق الإنسان. تدخلات استباقية شارع «مكة» بمدينة العيون. الساعة تقارب الثانية عشرة بعد زوال فاتح ماي الجاري. انتهت مختلف المسيرات العمالية التي شهدتها المدينة، وفضل المعطلون إعلان اعتصام مفتوح أمام مقر المندوبية الجهوية للتشغيل. عناصر الأمن الوطني والقوات المساعدة نزلت من سياراتها، وأخذت مواقعها غير بعيد عن مكان المعتصم. «إنهم يرفضون المغادرة»، يقول مسؤول أمني لزميله بعد محادثة مع ممثلي المحتجين المعطلين. بعد برهة من الزمن دخل أعضاء لجنة الحماية، التابعة للجنة الجهوية لحقوق الإنسان في الصحراء، في مفاوضات مع ممثلي المجموعات المحتجة، في إطار الخطوات الاستباقية التي تقودها اللجنة لتفادي لجوء الأمن إلى التدخل في حق المحتجين. لكن لم تمض إلا بضع دقائق حتى بدأ هاتف ممثلي المحتجين يرن: «قوات الأمن تتدخل لفض الاعتصام». عاد أعضاء اللجنة بسرعة إلى مكان الاعتصام، وبدؤوا في توثيق تعاطي قوات الأمن مع المحتجين، من خلال تدوين ملاحظاتهم وتوثيق مشاهد نقل المصابين بالصور، قبل أن يلتحقوا بالمستشفى الذي سيشهد حالة احتقان حاول خلالها أعضاء اللجنة تهدئة الأوضاع وضمان استفادة جميع المصابين من العلاج، وتفادي وقوع احتكاكات بينهم وبين رجال الأمن، الذين أبدى أعضاء اللجنة انزعاجهم من وجودهم داخل المؤسسة الاستشفائية. نفس التدخلات الاستباقية أو البعدية نفذها أعضاء اللجنة خلال الأحداث التي شهدتها مدينة العيون منذ الخميس الماضي، حيث رابط بعض أعضاء اللجنة في المستشفى للتأكد من استفادة جميع الوافدين عليه من التطبيب والعلاج دون أي تمييز أو إقصاء لأسباب سياسية أو غيرها، وهو الأمر الذي دفع اللجنة إلى التعبير عن ارتياحها بشكل عام لأداء الأطقم الطبية، رغم ضعف إمكانيات المستشفى. ضعف تجاوب السلطة «نتوما بوليساريو» هكذا صرخ عنصر أمني في وجه عضو من اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، الذي هم بدخول المستشفى بعدما كشف عن هويته ومهامه، حسب رواية رئيس اللجنة الجهوية، محمد سالم الشرقاوي. واقعة أثارت، من جهة، قلق واستياء اللجنة، التي أبلغت رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالحادثة، وكشفت، من جهة أخرى، عن «سوء فهم» عملها، وهو ما يثير قلق الأعضاء من تنامي بعض السلوكات الفردية، التي تسيء إلى المقاربة التي يعتمدها المجلس من خلال اللجان الجهوية، مما يؤثر على التنسيق بين مختلف المتدخلين. «نحن نتلقى عددا من الشكايات من المواطنين والمواطنات التي تحمل ادعاءات بالتعرض للعنف، ونقوم بتوجيهها إلى الجهات التي من المفروض أنها يجب أن تقدم إجابات، لكننا لم نتوصل بأي جواب من السلطات الأمنية والمحليات، وهي مسألة من أكبر المعيقات، وهذا أبلغناه في جميع المحطات»، يوضح الشرقاوي وهو يحتسي فنجان قهوة داخل مكتبه بمقر اللجنة الجهوية. خلال لقائنا مع الشرقاوي، كانت بعض العائلات المطالبة بالتعويض عما قالت إنها «انتهاكات» تحتج أمام مقر المجلس للمطالبة بالتسريع بإيجاد حل لمطالبها. أما داخل المكتب فلا يكاد هاتف الرئيس يتوقف عن الرنين. شكايات شفوية وطلبات للوساطة والتدخل تتقاطر بالمئات. عمل دؤوب يعرقله ضعف التجاوب في بعض الأحيان من طرف باقي المتدخلين، وفي أحيان أخرى بضعف الإمكانيات وتعقد الملف بشكل عام. ينهي رئيس اللجنة محادثة هاتفية، ثم يضيف بأسف كبير: «عدم فهم دور المؤسسة لدى السلطات وبعض الفرقاء المحليين ينتج عنه ضعف كبير في التجاوب والانسجام الذي يفترض أن يربط جميع المؤسسات داخل المنطقة، ونحن أعطينا ملاحظاتنا في هذا الموضوع لأن عدم التواصل أو التوافق بين كل الشركاء لن يمكننا من إنجاح التجربة بالشكل الكافي». ادعاءات الانتهاكات في بهو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان في الصحراء ينهمك مسؤول الشكايات في اللجنة بدراسة ملف قاصر في حوالي ال15 من عمره يقول والده إنه تعرض لاختلال نفسي على إثر الأحداث الأخيرة. بعد لحظات قليلة التحق سيدي أحمد بوهدا، رئيس لجنة الحماية، بمكتب رئيس اللجنة الجهوية، ليوضح له بعض الحيثيات المرتبطة بحالة هذا الطفل. وبعد دردشة قصيرة طلب محمد سالم الشرقاوي من رئيس لجنة الحماية أن يقوم طبيب المستشفى بالفحوصات اللازمة ويعد تقريرا في الموضوع. قسم الشكايات في اللجنة الجهوية يتلقى عددا من الادعاءات بالانتهاكات، يرتفع عددها خلال بعض الأحداث. اللجنة الجهوية تتعامل مع الجميع، وتحظى بثقة باقي الشركاء، خاصة أن عددا من أعضائها هم من أبناء المنطقة ولهم ارتباطات عائلية مع عدد من النشطاء الحاملين لأطروحة الانفصال، وهو الأمر الذي يسهل في كثير من الأحيان عملية التواصل والتعامل على مستوى العمل الحقوقي للجنة. خلال زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، في نونبر من السنة الماضية، ادعت أميناتو حيدر، رئيسة منظمة «الكوديسا» أنها تعرضت للتعنيف من طرف قوات الأمن. توجهت اللجنة نحو منزل «الناشطة الصحراوية»، إلى جانب الطبيب العضو في اللجنة، للقيام بالفحوصات اللازمة والتأكد من ادعاءاتها، وبعد ذلك وقعت أميناتو حيدر محضر الفحص بشكل عادي. «عموما الوضع تغير مقارنة بما مضى، رغم أننا لازلنا في مرحلة تجميع المعطيات»، يوضح عضو في اللجنة وهو يهم بتدوين الملاحظات قبل أن توجيهها في تقرير إلى مقر رئاسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الرباط، خاصة أن رئيس المجلس إدريس اليزمي يتابع الأوضاع بشكل يومي عبر الهاتف ومن خلال التقارير اليومية التي تصله. تطوير وتكريس ثقافة حقوق الإنسان وتغيير بعض السلوكات الفردية من أبرز الأوراش التي تشتغل عليها اللجنة، من خلال ورشات تكوينية وتوعية يستفيد منها رجال الأمن والدرك والسلطة، إلى جانب ورشات خاصة بالفاعلين الجمعويين ونشطاء حاملين للطرح الانفصالي، وأيضا مختلف المتدخلين في المنظومة التعليمية. العلاقة هنا بين مكونات الجسم الصحراوي لا تنبني على الوحدة أو الانفصال، بل أساسا على علاقات إنسانية وثقافية وروابط عائلية تحاول اللجنة قدر الإمكان استغلالها لتطوير مسألة حقوق الإنسان وتأكيد أهليتها في مراقبة الأوضاع الحقوقية في المنطقة كمؤسسة وطنية لها من الاستقلالية ما يضمن لها أداء مهام مراقبة حقوق الإنسان وتطويرها في المنطقة.
محمد سالم الشرقاوي : روس اقتنع بأن لجنة حقوق الإنسان تشتغل بحياد كاف كيف تتعامل اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان مع ما يسمى بانفصاليي الداخل؟ صراحة أنا من المدافعين عن أن هذا المصطلح لا يجب أن يبقى، لأننا تعاملنا معهم بمنطق نشطاء حقوقيين ولم نكن نتعامل معهم على أساس حمولة فكرية معينة، لأن لدينا علاقة انفتاحية مع الجميع، ولم نكن نربطها بموقف سياسي كيفما كان نوعه، لأننا من المفترض والمفروض أن نكون مدافعين عن حرية الرأي وحرية التعبير داخل هذه المنطقة بشكل سلمي يتلاءم بطبيعة الحال مع القوانين المعمول بها ومبادئ حقوق الإنسان. ونحن نتعامل بشكل إنساني وحقوقي محض، ونحترم المواقف لاحترامنا إنسانية هذا الإنسان. أما الثقة فهي عامل من العوامل التي فقدت في السنوات الماضية، على مستوى علاقة السلطات المحلية بالمواطنين نظرا للتراكمات العديدة التي شابتها مجموعة من الشوائب، التي مزقت تلك العلاقة، وبالتالي مفروض علينا في ظل هذه الإكراهات أن نقنع الجميع بأننا مستقلون وذوو مصداقية ونشتغل وفق الانتظارات الحقوقية للساكنة، وليس بفقه سياسي أو بتوجيهات سياسية. هل يتعامل بعض النشطاء مثل أميناتو حيدر مع المجلس؟ أميناتو حيدر إنسانة في الأخير، وتعرضت للتعنيف في فترة معينة، وقمت بزيارتها، إلى جانب الطبيب، وأنجزنا محضرا في الموضوع قامت بتوقيعه. لدينا علاقة منفتحة، فنحن نقوم بعملنا مع التأكيد على الاستمرارية وتوفير الشروط الكافية واللازمة لأن هذا النهج صحيح، رغم الإكراهات وبعض الملاحظات المقدمة إلينا. لكن المؤكد أننا نقوم بتخليق المشهد الحقوقي لأنه في السابق كانت هناك مجموعة من الممارسات ونحن نبحث عن مقومات الإنسان، وأن يعيش بكرامته وباحترام قيمته التي يمكن أن يعيش بها في أي مكان في العالم يحترم حقوق الإنسان. هل المنظمات الدولية تثق في عملكم؟ المنطقة موضوعة تحت المجهر، والمنظمات الدولية والهيئات الدبلوماسية والأمم المتحدة والمنظمات الوطنية ووسائل الإعلام تتناول الوضع الحقوقي داخل المنطقة، وكان لا بد من استقبالها، حيث استقبلنا منذ السنة الماضية ما يزيد عن 25 وفدا أجنبيا، والتعامل معهم كان على أساس الصراحة وتقييم حقيقي للتجربة، وإطلاعهم على كل ما يمكن إطلاعهم عليه من خلال تساؤلاتهم واستفساراتهم. ومن خلال هذه التجارب ربطنا بغالبيتهم نوعا من العلاقة التواصلية والاستشارية في المنطقة، مكنتهم من الحصول على بعض الحقائق حول الوضع الحقوقي في المنطقة، مما نتج عنه إشادات وتقارير تنوه بالعمل الحقوقي لمؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المنطقة. وماذا عن كريستوفر روس؟ روس هو شخص من الآليات المعتمدة المكلفة بالبحث عن حل لقضية الصحراء، ونحن لا يمكن أن نشتغل بعيدا عن التأثر لأننا في الأخير أحد مقومات المشهد ولا يمكن تجاوزنا. فهو رجل فتح معنا علاقة محترمة واستمع إلينا جيدا، وفتحنا علاقة صادقة معه، وبلغ في غالبية الأحيان رسائلنا وشهادته الأخيرة في التقرير يمكن الاستدلال بها على ثقته في المجلس وعمله وجدوى هذا العمل الحقوقي في المنطقة، وهو أكيد طرح مجموعة من الأسئلة على شركاء آخرين حول علاقتهم بنا، وبالتالي توفرت لديه القناعة بأننا نشتغل بذلك الحياد والاستقلالية الكافية. رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالعيون- السمارة