أفادت مصادر حكومية أنّ نزار البركة، وزير الاقتصاد والمالية، سيكشف، خلال «ندوة الحكومة» المرتقب عقدها في الأيام القليلة القادمة، تفاصيلَ «خريطة طريق» الخروج من الوضع الاقتصادي المقلق. وحسب المصادر ذاتها، فإنّ الوزير الاستقلالي سيعرض خلال الندوة ما وُصف بأنه «برنامج متكامل لعلاج الأزمة»، التي دفعت حكومة عبد الإله بنكيران إلى إصدار مرسوم وقف تنفيذ 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار، يقوم على ضبط العجز وتحرير الاستثمار وتشجيع الاستثمارات الخصوصية وتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة. إلى ذلك، اعتبر الوزير الاستقلالي، خلال لقاء جمعه مع عدد من المنابر الإعلامية ليلة الثلاثاء الماضي، أنّ «المغرب لا يعرف أزمة نمو، وإنما بصدد أزمة حسابات داخلية وخارجية»، مشيرا إلى أنّ البلاد تضرّرت فعليا من الأزمة الاقتصادية الدولية بسبب الوضعية الاقتصادية للشريك الأوربي واستعمال كل الهوامش بعد صمود امتدّ لست سنوات. وتابع البركة حديثه عن الوضعية الاقتصادية المقلقة التي دعت الحكومة إلى وقف تنفيذ نفقات الاستثمار، في رد على الانتقادات التي وجّهتها أطراف في المعارضة، كما الأغلبية، بالقول: «ما نعيشه اليوم يشبه شقة في عمارة ناضتْ فيها شوية ديالْ العافية.. واشْ خاصني نستعملْ الما ولا البْطّانية؟.. واشْ خصّني وْالعافية تتزيدْ نسُوّل جميع سكان العمارة على الطريقة باشْ نطفي العافية ولا نطفيها باشْ تنعرفْ؟.. في الوضع الذي نحن فيه نختار ما نعلمه، وفي ما بعد، مرحبا بالاقتراحات».. كلمات لخّص بها وزير المالية دواعيّ لجوء الحكومة إلى إصدار مرسوم وقْف تنفيذ 15 مليارا من نفقات الاستثمار، مشيرا إلى أنّ المؤشرات المسجَّلة في الأشهر الثلاثة الماضية أظهرت صعوبة التحكم في مستوى العجز الذي وصل إلى 7.1 في المائة، ما «حتم علينا خيارين: إما انتظار تطور الحالة بالنسبة إلى المداخيل وقدرات التحكم في الوضعية أو اتخاذ القرارات الصارمة وضبط والتحكم أكثر في عجز الميزانية. وحسب المسؤول الحكومي، فإنّ وقف تنفيذ 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار سيمَكّن من تقليص نقطة واحدة من العجز، ويمَكّن من ربح نقطة واحدة من الناتج الإجمالي الداخلي، دون أن يكون لذلك انعكاس على النمو الاقتصادي للبلاد، إذ ستتم إضافة 6 ملايير درهم إلى 180 مليارا المُخصَّصة للاستثمار العمومي. وحرص البركة على بعث رسائل طمأنة والرّد على منتقدي خطوة الحكومة وقف نفقات الاستثمارات بالتأكيد أنّ «المجهود الاستثماري للدولة سيكون أكبر من السنة الماضية، وبالتالي لا خوف على تعزيز النمو عن طريق الاستثمارات العمومية». وبلغة الأرقام، وجدت الحكومة نفسها مضطرّة إلى التدخل قبل فوات الأوان، إذ بعد أن كانت تراهن في السنة الماضية على عجز ميزانية لا يفوق 5 في المائة اصطدمت بارتفاعه إلى 7 في المائة، وبتراجع على مستوى الموارد الجبائية، خاصة في ميدان الجمارك، إذ «أضعنا مليار درهم في الجمارك مقارنة مع سنة 2011، لكنّ الأمر الخطير الذي سُجّل هو تراجع مداخيل الضرائب على الشركات ب3 مليارات و300 مليون درهم جرّاء تراجع أرباح الشركات الكبرى»، يوضح البركة. وفي تفسيره لعجز الميزانية كشف المسؤول عن مالية البلاد أنّ من بين أسبابه ارتفاع نفقات صندوق المقاصة، التي انتقلت إلى 55 مليار درهم، في وقت كانت الحكومة تراهن على 48 مليارَ درهم بسبب ارتفاع أسعار البترول، وكذا عدم ضبط صرف الدولار مقابل الدرهم، حيث أدّت الزيادة في سعر الدولار إلى «امتصاص» 4 مليارات درهم. وعلى مستوى نفقات الاستثمار كانت الحكومة تراهن على 45 مليار درهم، غير أنها اصطدمت بارتفاعها إلى 48 مليار درهم بسبب الاعتمادات المرحلة التي أحدثت الفرق، بعد أن بلغت 18 مليار درهم في سنة 2011 و12 مليار درهم في ظرف شهر واحد، على خلاف ما كان عليه الأمر في الماضي، إذ كانت تبلغ 8 مليارات درهم. من جهة ثانية، اعتبر البركة أنّ إصلاح صندوق المقاصة أصبح ضرورة مُلحّة، محددا أواخر شهر يونيو القادم كموعد لكي تكون الصورة واضحة لدى الحكومة والأغلبية، مشيرا إلى أنّ هذه الأخيرة لم تحسم في التصور النهائي للإصلاح، بيد أنّ «العمل جاهز على الصعيد التقني ويَلزمه فقط قرار سياسي في مرحلة ثانية تعرف إشراك جميع الفعاليات». وتابع قائلا: «يجب أن تكون هذه السنة سنة الإصلاحات، لا أن يستمرّ الوضع إلى حين تنظيم الانتخابات.. وأعتقد أنّ المسؤول السياسي ليس مَن يفكر في الانتخابات المقبلة بل في الأجيال القادمة ومصلحتِها من خلال حل إشكالات صدوق المقاصة والتقاعد والمالية العامة».. وفي سياق متصل، أوضح وزير الاقتصاد أنّ الدعم المباشر غيرَ المشروط ليس مشروع الحكومة، وإنما هو سيناريو من بين السيناريوهات المُقدَّمة لها للبتّ فيه، مشدّدا على أنّ «المغرب لا يعرف أزمة نمو، وإنما هو بصدد أزمة حسابات داخلية وخارجية». ووفق المُتحدّث ذاته، فإنّ البلاد محتاجة اليوم إلى وقفة مماثلة لوقفة دستور 2011، وبدون وقفة لتحديد الحد الأدنى لمسار مشترَك، لا معارضة فيه ولا أغلبية ولا نقابات ولا حسابات الربح ولا مناصب.. لن نخرج من هذه المرحلة التي تقتضي وقفة مماثلة ل2011، لنبقيّ حرية القرار الاقتصادي كقرار سيادي.