محمد نجاحي، فنان تشكيلي من مواليد مراكش سنة 1959، قضى سنتين من الدراسة بكلية الآداب بمراكش، وقرر أن يمتهن الفن، ونظم أول معرض له سنة 1981، بعده قام بإنجاز معارض فردية وجماعية بالمغرب والخارج، كان عضوا في عدد من الجمعيات الثقافية والفنية منها: الجمعية الدولية للفن AIME بمونبوليي، وجمعية الفن والآداب بمدينة تولوز بفرنسا، وجمعية جماعة أرض، ومؤسس جمعية باليط بمراكش... - ما سبب غيابك طول هذه المدة عن الساحة التشكيلية المغربية؟ حقيقة، كان غيابا لأكثر من عشر سنوات، ولم يكن غيابا كليا، بمعنى أن هذا الأمر حصل فقط على مستوى المعارض الفردية، بينما على المستوى الجماعي كانت لي مساهمات عديدة في مدن أخرى وفي مراكش كما في أروبا، فالفنان ليس ملزما بالحضور في كل مكان، كما أن الفن هو تفاعل ذاتي مع العالم، وذلك يحتاج إلى الإنصات إلى الذات لأجل تقديم عمل فني متكامل وأصيل، فالحضور بالنسبة للمبدع هو في أكثر الأحيان متعدد الأشكال والأساليب، وحسب تجربتي الشخصية خلال العشر سنوات التي ذكرتها، اشتغلت على عدد من السندات الإبداعية، أذكر منها النحت والتصوير الفوتوغرافي ثم الرسم والصباغة أيضا، وساهمت في تنشيط الكثير من الورشات الفنية، سواء لفائدة الأطفال بالأحياء أوالابتدائيات والثانويات، ثم لفائدة هواة أجانب بمرسمي، لأن هذا العمل هو الآخر يحتاج إلى وقت وتفكير. - لماذا اكتفيت فيما سبق، بالعرض فقط بمراكش، دون غيرها من المدن المغربية؟ ليس إلى هذا الحد، بل شاركت في كثير من المعارض والأنشطة الثقافية داخل المغرب وخارجه، بكل من الرباط والدارالبيضاء والمحمدية، كما بفرنسا خلال ملتقيات دولية للنحت ومعارض جماعية وفردية بكل من أفنيون- مونبليي- وبوردو ثم ليموج، أيضا تلقيت خلال السنوات الأخيرة الكثير من الدعوات الفنية للمساهمة في معارض وصالونات جماعية وفردية خاصة من طرف جمعيات ثقافية وفنية وأروقة بكل من إسبانياوفرنسا وكذلك بلجيكا، وهذا في حد ذاته اعتراف دولي بقيمة العمل الذي أقدمه وتحفيز على مواصلة هذا المسار، إلا أن الإكراهات الاجتماعية والمادية، خاصة في غياب دعم فعلي من لدن المؤسسات الثقافية وكذلك الجماعات المحلية التي عليها مسؤولية الدعم الثقافي والفني، عوامل تحول دون تحقيق كل هذه المشاريع، علما أن هذا لا ينفي وجود أروقة فنية تهتم جديا بالحركة التشكيلية، إنما لم تتح بعد الفرصة للتعرف على إبداعاتي، خاصة منها الحديثة التي أتناول فيها سؤال ذاكرة الجدران والإنسان والزمن. أتمنى أن تكون هذه السنة عتبة جديدة لتقديم أعمالي بشكل أوسع. - ماذا أضفت إلى تجربتك من خلال وجود ورشك بين الحرفيين بالمدينة القديمة لمراكش؟ إن فكرة إقامة مرسم تشكيلي في وسط حرفي بسوق الصباغين بالمدينة العتيقة، يختلف من حيث البنى والمكونات ليس بالأمر البسيط. ولكن طبيعة الإشكاليات الفنية المطروحة داخل الوسط الفني والثقافي، خاصة التي تتعلق بوضعية الإبداع والتلقي، تظل دائما من الدوافع التي تحفز الفنان الأصيل على خوض مغامرات لا حدود لها، والعمل على تأسيس جسور ذات أبعاد ثقافية، اجتماعية وإنسانية من شأنها أن تؤسس للذوق، وتجعل الإنسان قادرا على استيعاب قيمة الوجود بشكل حضاري... أيضا إن اختيار سوق الصباغين هو في الأصل اختيار لقيمة تاريخية وفنية ألهمت، وما تزال تلهم العديد من الفعاليات والشخصيات على مستوى أوسع من مختلف الأجناس الإبداعية سينما، تشكيل، فوتوغرافيا... مما أسعفني في الانفتاح على تعدد ثقافي وتواصل متنوع مع فنانين ومواطنين من ثقافات وشروط تاريخية أخرى، أثرت بكل صراحة على مساري الفني وعلاقاتي الثقافية بشكل مهم، كما فسحت لأعمالي التشكيلية مجال الانتشار في كل بقاع العالم مثل فرنسا، إسبانيا، بلجيكا، سويسرا، ألمانيا، البرازيل، البرتغال، بريطانيا، النمسا كندا، إيطاليا، السويد، النرويج وغيرها من مدن العالم. - ما هي الآفاق الإبداعية التي تراهن عليها شخصيا، في ظل هذه التحولات التي عرفها المغرب، وخاصة منها الثقافية؟ من الطبيعي أن تكون لكل مبدع آفاق يراهن عليها من أجل إثبات تصوراته الفكرية والفنية، فرهاني هو تأسيس ثقافة بصرية تساهم في إثراء المشهد التشكيلي وطنيا وكونيا. وقد أشرت ضمن سؤالك إلى التحولات الثقافية التي عرفها المغرب، بصراحة، أي تحولات تقصد والمبدع والمثقف لا يزالان يعيشان العزلة في مجتمع لا يدرك قيمة الفنان إلا بعد موته، ولا زال الإبداع فيه مجرد (خضرة فوق طعام)، إلى جانب وجود مؤسسات جهوية ووطنية لا تنصف ولا تدعم الإبداع بروح وطنية صادقة؟ فكم هي الشراكات واتفاقيات التبادل الثقافي التي عقدها ويعقدها المغرب باسم جميع المغاربة مع دول عربية وغربية، ولا يستفيد منها إلا القليل من الفنانين أنفسهم وفي جميع المناسبات... إذن، فالتحولات الثقافية هي في كل الأحوال رهينة باحترام المشاريع الفكرية والإبداعية واستثمار قيمها بشكل حضاري وديموقراطي، دون الميز بين هذا وذاك.. كما أنها أيضا دعم للوضع الاعتباري للفنان وإشراكه في مشاريع التنمية العامة للمجتمع.