افتتح يوم الجمعة الماضي الصالون الوطني الثاني للفن المعاصر، بمنتدى الثقافة (كنيسة ساكري كور)، بحضور وزير الثقافة محمد أمين الصبيحي و والي جهة الدارالبيضاء الكبرى، وعبد الرحمان اليوسفي (الوزير الأول الأسبق)، وعدد من الشخصيات، إلى جانب حضور عدد غفير من الزوار والمهتمين.. وقدم عبد اللطيف الزين رئيس الجمعية الوطنية للفنون التشكيلية، الجهة المنظمة لهذا الصالون، أعمال 130 فنانا من المشاركين في المعرض وعرف بهم. وعمل المنظمون على تقسيم أجنحة العرض بطريقة تجانسية، تم فيها توزيع الأعمال حسب التيارات والأساليب التي تنتمي إليها كل مجموعة على حدة، حتى تتحقق الرؤية الشمولية للاتجاهات الحداثية التي شكلت فضاء العرض، في محاولة لخلق حوار متبادل بين الأجناس التعبيرية التي تم اختيارها في هذه الدورة وهي : التصوير الصباغي، النحت والفوتوغرافيا، مع إقصاء لعامل السن والاعتماد على جودة الإنتاج، واستحضار التجربة فقط لتكسير جدار الأجيال، رغبة في ضمان الاستمرارية الإبداعية. المعرض عكس دور الجمعية الوطنية للفنون التشكيلية في الدفع بمبادرة (الفنان المؤسس)، مع تقديم إمكانية العرض للفنانين الشباب، ورد الاعتبار للفنانين الأموات واستحضارهم من خلال أعمالهم، التي بقيت شاهدة على مستوى عطاءاتهم في المجال الفني، والعمل على ترسيخها في الذاكرة الفنية والثقافية المغربية، من بينها أعمال للفنان محمد نبيلي بما تحمله من دلالات أيقونية، وبما تتضمنه من تراكم على مستوى التفاعل بين كل مقومات المجتمع المغربي، سواء من حيث الموضوع أو التقنية، وأعمال الفنانة الشعيبية طلال، التي جعلت من إبداعها نافذة وجسرا تواصليا مع الثقافات العالمية الأخرى، واحتضانها من طرف أكبر المتاحف العالمية، وانتسابها لبعض التيارات التي بصمت تاريخ الفن العالمي (جماعة كوبرا)، إذ لا يتسع المجال هنا لذكر كل عطاءات هؤلاء المشاركين. الجديد في هذا الصالون، هو اكتشاف مواهب جديدة استطاعت أن تقلب موازين الاعتقاد، و الأحكام المتداولة في بعض الأحيان، عن عدم أو قلة الإنتاج الفني الذي يرقى لطرح أسئلة عميقة تهم القضايا الأساسية في التشكيل، حيث تستدعي كل التحف المعروضة باستثناء البعض، الإنصات لأصحابها، والدعوة لصياغة طريقة جديدة لرؤيتها، وتحديد أبعادها، انطلاقا من الواقع الثقافي المغربي الراهن بمنحى عن الإسقاطات الغربية، التي كانت ولازالت تهيمن بطريقة استيلابية على كيفية رؤيتنا وتحليلنا للأشياء، والتحرر من عامل التبعية في محاولة لتأسيس رؤية جمالية محلية قد تساهم في بلورة تاريخ تشكيلي مغربي مستقل، وخير دليل على ذلك، هو التنوع والاختلاف الذي عرفه هذا الصالون، بما يحمله من إبداعات فنية معاصرة، تجاوزت حدود المحاكاة التقريرية، لعملية استحضرت في أغلبيتها الجانب الإبداعي الذي اعتمد على البحث الحقيقي عن مكنونات وخبايا الثقافة المغربية بأسئلتها الروحية والتراثية والفلسفية، من بينها تجربة الفنان المغمور (عمر اليوسفي)، الذي جمع بين اللوحة بمفهومها التقليدي، والأيقونة بمفهومها المعاصر، حيث جعل من الزمن محورا أساسيا ومحركا لساعته الرملية. لم تقف الأعمال المعروضة عند حدود هذه النماذج، بل استطاعت محاولات أخرى أن تجعل من حضورها، فعلا احتفاليا بالمرأة وأهمية حضورها في وجدان المبدعين عن طريق اللون والشكل... مع اختلاف وتباين في الأساليب وطريقة المعالجة، حيث حضور الفن الفطري بكل أبعاده الروحية والشكلية، والفن التشخيصي بكل تياراته الواقعية الانطباعية منها والتعبيرية، مرورا بفن الخط وانتهاء بالنحت والتجهيز والفوتوغرافيا.