يكذب من يظن أن المغرب لم يدخل زمن ما يسمى «الربيع العربي»، لكن كل ما حدث هو أننا دخلناه بالمقلوب، تماما كما نفعل مع أشياء كثيرة أخرى، لذلك غيرنا اسم «الربيع» قليلا، وتحول مصطلح الربيع إلى مصطلح «التّخرْبيق»، فأصبحت العبارة هي «التخربيق المغربي». منذ أن بدأت الشعوب العربية تبحث عن ربيعها، بدأنا نبحث عن حماقاتنا، ووصل إلى رئاسة الحكومة رجل اسمه عبد الإله بنكيران، وهو الذي لم يعترف، ولو مرة، بالربيع ولا بالخريف، لكنه أحيانا، عندما ترعبه التماسيح، يهددها بأنه سيخرج لها الربيع من جيبه لكي تعود إلى جحورها. جاء الربيع العربي أيضا بينما في المغرب حزب مستأسد يسمى «الأصالة والمعاصرة»، واسمه المختصر هو «البام». هذا الحزب كان على وشك التحول إلى ما يشبه حزب مبارك في مصر أو حزب بنعلي في تونس، لكن الظروف لم تسعفه، فقرر أن يتحول إلى المعارضة؛ يعني أن أعضاءه، الذين كانوا يرون أنهم حصلوا على ملاعق من ذهب، تحولوا فجأة إلى مناضلين ومعارضين أشداء؛ ومن يدري فلعلهم يدخلون السجون ذات يوم إذا ما تجاوز نضالهم حدود المعقول. جاء الربيع العربي فوصل إلى قيادة حزب الاستقلال رجل اسمه حميد شباط، ثم صار بدوره يناضل من أجل تخريب حكومةٍ يعتبر حزبُه أحد مكوناتها الأساسية، وهذه أول مرة في تاريخ السياسة في الكون يخرب زعيم حزب حكومة يشارك فيها. في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية -وهو حزب كان يحظى بتقدير كبير بفضل التضحيات الكبيرة التي قدمها مناضلوه الشرفاء، وليس الإمّعات- حدثت رجة كوميدية حين وصل إلى قيادته رجل اسمه ادريس لشكر، وهو رجل كانت ألسن كثيرة تقول، قبل عدة أشهر، إن جهات نافذة ستساعده على الوصول إلى هذا المنصب، وفي النهاية صدقت التوقعات، ووقف إلى جانبه «بارونات» في الحزب، وآخرون كانوا يعادونه ظاهريا لكنهم دعموه سرا، فتحول الاتحاد الاشتراكي من أكبر معاقل النضال إلى واحد من أكبر معاقل النفاق السياسي، وأكبر دليل على ذلك هو التحقيق الذي أنجزته «المساء» حول كواليس نجاح لشكر، حيث تبين أننا نحتاج فعلا إلى تشطيب هذه الطبقة السياسية المريضة وانتظار ولادة طبقة جديدة ونظيفة. حكومة بنكيران، التي وصلت إلى الحكم بفضل الربيع، كل ما استطاعت فعله هو إشعال النار في جيوب المواطنين. والغريب أن رئيس الحكومة فضل الزيادة في كل المواد القابلة للاشتعال، مثل البنزين والغاز. ربما هذا الرجل لا يدري ماذا يحدث عندما يتحالف البنزين والغاز وقربهما عود ثقاب. في مجال العدل، انتظر الناس وصول رجل من طينة مصطفى الرميد من أجل أن يحظوا ببعض الأمل في إصلاح هذا القطاع المخيف؛ غير أن الرميد بكى على حاله وحال القضاء وقال إنه قد يموت وفي حلقه غصة من إصلاح القضاء. والحقيقة أن ملايين المغاربة ماتوا ويموتون وفي حلوقهم غصة من أحوال هذه البلاد كلها. في مجال الإعلام، لم يف وزير الاتصال، مصطفى الخلفي، بأي شيء مما وعد به، لا دفاتر تحملات ولا كناش تحرير الإعلام ولا منع القمار ولا أي شيء. وفي الأيام الماضية، شاهدنا كيف أن «القايْدة طامو»، التي تحكم القناة الثانية، خرجت لكي تلوح بسيفها البتار في كل الاتجاهات، وكأن أحدا ما ركَّب لها بطاريات قوية وجديدة ثم دفع بها. لكن يبدو أن بنكيران يستحق ذلك، لأن رئيس حكومة يتخلى عن صلاحياته ويتميز بكل هذا الخنوع لا يستحق أن يدافع عنه الآخرون. في الرياضة، لا يزال ذلك الرجل الغريب، المدعو الفاسي الفهري، يتصرف وكأنه ورث جامعة الكرة عن جده، ولا يزال مسؤولو الرياضة يضحكون علينا وكأننا شعب من المتخلفين عقليا. في السينما، لا يزال كثير من المخرجين البلداء يسطون على المال العام بدعوى إخراج أفلام سينمائية، بينما الحقيقة أن كثيرا من هؤلاء يجب أن يقفوا أمام المحاكم ويدخلوا السجون بتهمة اللصوصية. التعليم لا تزال تتعاون من أجل هدمه نفس «اللوبيات» القديمة التي دمرت التعليم العمومي تدميرا، ثم منحت «وحوش التعليم الجدد» فرصا لا تختلف كثيرا عن الفرص التي منحت إياها وحوشَ العقار. في الصحة، يعترف المسؤولون أنفسهم بأن النساء الحوامل يلدن مثل البهائم لأنهن لا يجدن مكانا لهن في المستشفيات. ولا تزال التوابيت في المغرب تستخدم لغرضين.. نقل الموتى وحمل النساء الحوامل. إنه «التخربيق المغربي» في أجلى صوره.