عندما كان عبد الإله بنكيران مجرد زعيم لحزب العدالة والتنمية، كان الناس يستغربون طريقته المتفردة في الحديث والجدل؛ وبدا أن هذا الرجل، الذي لا يتوفر على «فْرانات» لسانية قوية، لا يمكنه أن يصل إلى ما هو أبعد من موقعه الحزبي، لأن المناصب السياسية الكبرى تتطلب الكثير من اللياقة وصون اللسان واستعمال لغة ال»إيتيكيت» الممزوجة بنصيب وافر من لغة الخشب. لكن، حدث ما لم يكن متوقعا، وصار السّي عبد الإله رئيس وزراء وليس مجرد وزير أول، وبدأ «يحكم» في ظل دستور جديد وهو يركب سجادة سحرية اسمها «الربيع العربي». لم يتغير بنكيران كثيرا في أسلوبه، وبفضله تحولت الجلسات البرلمانية إلى منافس قوي لمسلسل «حريم السلطان»، واستمتع الناس برئيس الوزراء وهو يستعمل عبارات التماسيح والعفاريت، وتكلم عن نكات حكاها للملك، أو كاد يحكيها له، وبذلك تحول البرلمان إلى مسرح روماني مفتوح على السماء. خصوم بنكيران أدركوا خطورة هذا الرجل، لذلك فعل حزب الاستقلال ما يفعله الصينيون في صناعاتهم المختلفة، فسلكوا طريق التقليد وبوؤوا رئاستهم لرجل اسمه حميد شباط، الذي يملك مواهب فاقعة في الفرجة. جاء شباط من مدرسة تقنية وهو يحمل لقب «سيكليست»، لكنه ترقى سريعا حتى صار عمدة، فسارع إلى إخراج حديث نبوي عن فاس، لا أحد يدري في أي «صحيح» وجده، ثم وعد الفاسيين بأن يأتيهم بالبحر، وفي النهاية اكتشف أن برج إيفل أفضل من البحر، فجاء به إلى وسط المدينة فتبول عليه السكارى، فحمله إلى ضيعته. وتماما كما وصل عباس الفاسي إلى الوزارة الأولى وفي رقبته فضيحة مدوية اسمها النجاة، فإن شباط وصل إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال بينما أبناء له يحاكمون بتهم الاتجار في الكوكايين، وهي تهم لا أحد يملك إلى حد الآن حقيقتها. منذ اليوم الأول لتبوؤ شباط مقعده في الحزب، بدا مستعجلا مناوشة بنكيران حتى اعتقد الناس أن أحدا يهمس لشباط في أذنه ويقول له: إيوا اعْطيه.. زيد اعْطيه.. ربما يأتي وقت قريب، لن تكون الدولة في حاجة إلى بنكيران لكي يسلي الناس، لذلك سيكون شباط أفضل بديل، لأنه بدوره يمكن أن يرفع نسبة مشاهدة الجلسات البرلمانية ويحول القبة المباركة إلى سيرك. الأمور لم تقف عند هذا الحد، لأنه يوجد في المغرب حزب عتيد آخر اسمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو حزب مات إكلينيكيا من زمان، لكن لا بأس من رد بعض الروح إليه ولو لبعض الوقت. هكذا، إذن، وصل إلى قيادة الاتحاد رجل اسمه ادريس لشكر، وهو رجل كان يهاجم بقوة حزب الأصالة والمعاصرة، ثم تحول إلى صديق لهذا الحزب، كما أنه كان يدعو إلى التحالف مع الإسلاميين، ثم تحول إلى عدو لهم، وقبْل ذلك قبِل بنصف وزارة في حكومة بلا معنى، ثم صار يدعو فجأة إلى الملكية البرلمانية، وغدا قد يدعو إلى الماركسية اللينينية، وبعدها قد يطالب بالليبرالية السّكْسفونية. بهؤلاء الفرسان الثلاثة، بنكيران وشباط ولشكر، ستكون هناك فرجة حقيقية، وستتحول السياسة إلى مشهد كاريكاتوري عجيب، وسيتابع الناس صراعاتهم وتراشقهم بالاتهامات وتنابزهم بالألقاب كما لو أنهم يتابعون وصلات المصارعة الحرة في التلفزيون، حيث الجميع يضرب الجميع، ولا أحد يصاب. وصول شباط ولشكر إلى قيادة حزبيهما يعني أنهما يمكن أن يكونا في أي وقت رئيسي حكومة، وهي رسالة واضحة إلى بنكيران تقول له: باشْ قتْلتي باش تْموت أملاك المُوت، لأن السياسة إذا كانت فرجة فهناك من «يُفرّج أحسن»، ولأن المرتبة الأولى التي حصل عليها حزب بنكيران في الانتخابات الماضية يمكنها أن تذوب في الانتخابات المقبلة كما تذوب قطعة ثلج تحت شمس غشت، فالجميع يعرف أن قرابة 80 في المائة من المغاربة لا يصوتون أو غير مسجلين أصلا في اللوائح الانتخابية، لذلك فإن الأصوات المتبقية هي مثل عجين في يد خبراء التزوير الانتخابي العصري، ومثلما أنجحت بنكيران، فيمكنها أن تنجح شباط أو لشكر في أي وقت. ها نحن، إذن، في زمن جديد نسمع فيه عبارات سياسية داخل البرلمان مثل العفاريت والتماسيح والقتّالة والخْنز... فالهدف، في النهاية، هو خلق فرجة من أجل أن ينسى الناس مشاكلهم الحقيقية حتى يأتي الصيف سريعا ويصبح الربيع حكاية من الماضي.