لم يكن انتخاب ادريس لشكر كاتبا أول للاتحاد الاشتراكي حدثا عاديا وهو يخلف عبد الواحد الراضي. لقد اعتبره البعض ثورة ضد تاريخ حزب المهدي وعمر، فيما قرأ آخرون في هذا الانتخاب انتكاسة جديدة لحزب القوات الشعبية الذي راهن من خلال مؤتمره التاسع على العودة بقوة، والمصالحة مع الذات. غير أن الكثيرين ربطوا بين وصول لشكر لمنصب الكتابة الأولى للحزب وبين ما سبق أن وصل إليه حميد شباط الذي انتخب أمينا عاما لحزب الاستقلال، قبل أن يصنفوا هذا الجيل الجديد من القادة السياسيين بجيل « الشباطيات». ولم يخف عبد القادر باينة، وهو أحد الفقهاء الدستوريين في الاتحاد الاشتراكي خلال أحد اجتماعات المجلس الوطني، أن يولد بعد المؤتمر الوطني التاسع «شباط» جديد في حزب المهدي وعمر. اليوم يتحدث جل الاتحاديين عن أننا أمام شباط اتحادي اسمه ادريس لشكر. لا يقتصر الأمر فقط على أمين عام حزب الاستقلال، ولا على الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، ولكنه يمتد لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الذي يتوفر هو الآخر على الكثير من المواصفات التي تجعله أحد أقوى هذا الجيل الجديد من القادة الاستثنائيين خصوصا على مستوى الخطاب. كما يمتد إلى أحد رموز حزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري الذي تشكل خرجاته الإعلامية، وقدرته على خلق البوليميك السياسي في مواجهة خصومه، الكثير من الجدل. وبنفس الروح والخفة، يقدم الفيزازي أحد رموز السلفية الجهادية، نموذجا لهذا التوجه الجديد الذي يصنع السياسة في مغرب اليوم. مع ادريس لشكر في الاتحاد الاشتراكي، قد تكتمل الحلقة التي تراهن على إسقاط حكومة عبد الإله بنكيران إذا ما وضع اليد في يد حميد شباط. أما إلياس العماري، فهو رجل «البام» المستعد دوما للمواجهة وفتح النار في اتجاه الإسلاميين. ظل لشكر، وهو في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، من أشد خصوم الأصالة والمعاصرة. بل إنه كان من الأوائل الذين أطلقوا على حزب صديق الملك صفة « الوافد الجديد». وحينما كادت أصواته تصل إلى جموع الاتحاديين وهو ينادي بضرورة التقارب مع العدالة والتنمية، والخروج من حكومة عباس الفاسي، كان لا بد للتعديل الحكومي أن يمنحه حقيبة وزارية أشبه «بصاكادو» زميله محمد اليازغي، ليغير من بوصلته مائة وثمانين درجة، ويصبح من أشد المدافعين عن هذه الحكومة بعد أن كان في الماضي القريب من أشد خصومها. والحصيلة هي أن ادريس لشكر أصبح من أقرب المقربين لحزب التراكتور على مستوى التنسيق الذي كاد يصل إلى قبة البرلمان. ولعل المواجهة التي دخلها لشكر مع رئيس الفريق البرلماني أحمد الزايدي حول طبيعة المعارضة التي يجب أن يسلكها الاتحاد الاشتراكي في مواجهة حكومة بنكيران، هي التي ترجمت في المؤتمر الوطني التاسع. لقد ظل الكاتب الأول الجديد ينادي بضرورة فتح النار على هذه الحكومة سواء أصابت أم أخطأت. فيما كان صوت الحكمة الذي نادى به رئيس الفريق احمد الزايدي يسير في اتجاه إعمال معارضة منصفة تقول للحكومة أصبت حينما تصيب. نفس هذا الخلاف هو الذي اندلع حينما انتخب حميد شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال. ولذلك ظل شباط بطريقته الخاصة يدعو في كل مناسبة إلى ضرورة تعديل حكومي، في محاولة للتشويش على بنكيران الذي انزعج كثيرا من خرجات الأمين العام لحزب يشاركه الحكومة. أما حزب الأصالة والمعاصرة، فلا يخفي أن معركته مع البيجيدي هي قضية حياة أو موت. ولعل الفصول الأخيرة للمواجهة والتي وصلت حد تبادل السب والشتم والتهديد بالمقاضاة، لدليل على أن الحرب لن تضع أوزارها بين «البام» و»البيجيدي» في القريب العاجل. ويشكل إلياس العماري وسط هذه الحرب أحد الذين يعرفون كيف يشعلون حطبها، خصوصا أنها حرب في مواجهة من يعتبرهم خصومه التاريخيين، أولائك الذين جاء فؤاد عالي الهمة، عراب الأصالة والمعاصرة، مباشرة إلى التلفزيون ليعلنها حربا بلا هوادة، قبل أن يختفي عن الأنظار حينما هبت رياح الربيع العربي بأصدقاء بنكيران إلى الحكم. بين ادريس لشكر في الاتحاد، وحميد شباط في الاستقلال أكثر من رابط. وبين إلياس العماري في الأصالة والمعاصرة، وعبد الإله بنكيران في العدالة والتنمية أكثر من عداوة تجعل منهما اليوم خصوما سياسيين دون أخلاق سياسية. لذلك يشكل هذا الرباعي اليوم، بمعية الفيزازي أحد رجال السلفية الجهادية، الجيل السياسي الجديد الذي يحسن «البوليميك» والجدل العقيم أكثر مما يحسن وضع أدوات البناء والإصلاح.
حميد شباط.. زعيم حملته الأيادي الربانية لا أحد صدق وقتها أن حميد شباط، عمدة فاس والرجل الأول في الاتحاد العام للشغالين، وضع ترشيحه لمنصب الأمين العام لحزب الاستقلال، أو أب الأحزاب المغربية. فحزب علال الفاسي يزخر بالكثير من الوجوه السياسية التي تملك كاريزما منصب ومهام الأمانة العامة. بالإضافة إلى مثقفي الحزب واقتصادييه. لكن المفاجأة أضحت واقعا. فحميد شباط، ذلك العامل البسيط سيصبح غدا أمينا عاما لحزب الميزان. انسحب الكثيرون من السباق نحو هذا المنصب احتجاجا على قبول ترشيح شباط. ولم يجد الغاضبون من هذا الوضع الجديد غير الدفع بنجل علال الفاسي عبد الواحد الفاسي ليواجه هذا المستجد. اعتقد الكثيرون أن ذلك سيوقف شباط عند حده. وراهن الكثيرون على اسم عبد الواحد الفاسي باعتباره نجل أحد رموز الحزب، لتنطلق الحملات الانتخابية بين هذا الجناح وذاك. ففي الوقت الذي ظل عبد الواحد الفاسي يتحدث عن ضرورة إنقاذ الحزب وحماية رأسماله الرمزي، انبرى شباط ليتحدث عن محاربته لتوريث الحزب، ومواجهة العائلات الفاسية التي هيمنت منذ تأسس حزب الاستقلال. وبدا أننا أمام حرب غير متكافئة هي بين الفكر والشعبوية. والحصيلة هي أن شباط عرف في نهاية اللعبة كيف يقنع «مناضلي» المجلس الوطني وينتخب أمينا عاما. لم يخف عبد الواحد الفاسي غضبه مما حدث. وقال في أكثر من تصريح صحافي إن شباط اشترى بعض أعضاء المجلس الوطني. فيما رد شباط بأسلوبه الساخر والفرجوي أن أيادي ربانية هي التي حملته لقيادة أقدم الأحزاب المغربية. ولا غرابة أن يحتمي شباط بهذه الصيغة اللاهوتية وقد سبق أن جرب ذلك في معاركه من أجل عمادة فاس حينما قال مرة إن فاس ذكرت في القرآن، ورسم لنفسه صورة وهو نازل على براق فوق سماء فاس. إنها اللعبة التي يحسنها شباط. ففي الوقت الذي يستحضر الآخرون تاريخهم السياسي ونضالاتهم، يستل الأمين العام لحزب الاستقلال من تحته صيغ الدين والأيادي الخفية التي ترسم مستقبله. غير أن هذه الخيوط الربانية، ستتغير اليوم وهو يهدد بنكيران في كل مناسبة بضرورة التعديل الحكومي لكي يقود أتباعه الذين حملوه فوق الأكتاف إلى منصب الأمانة العامة لحزب الميزان، لمقعد وزاري. قد يكون وصول ادريس لشكر لمنصب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بداية تنسيق فرجوي حقيقي مع شباط، خصوصا وأن الأمين العام تمنى، بل تنبأ بأن لشكر هو من سيخلف عبد الواحد الراضي، وأن ذلك سيشجعه على إحياء عظام الكتلة الديمقراطية، على الرغم من أنها اليوم رميم.
إلياس العماري.. الريفي الذي لا خصم له غير البيجيدي لا يخفي إلياس العماري، هذا الريفي الذي ظل رمزا من رموز المجتمع المدني بجهة الشرق قبل أن يصبح من أقرب المقربين لعراب الأصالة والمعاصرة فؤاد عالي الهمة، هجومه الكاسح على حكومة بنكيران وحزب العدالة والتنمية. ففي كل مناسبة لا بد لصوت العماري أن يخرج للعلن. واليوم بعد أن اندلعت المعركة الكبرى بين البام والبيجيدي، ردد عضو المكتب السياسي لحزب التراكتور ان بنكيران يخلط بين صفته كرئيس حكومة، وصفته كأمين عام للحزب. بل إن هذه الجماعة التي تملك سلطات الحكومة، تراهن على امتلاك سلطات الدولة أيضا، رغم أنها تقدم نفسها في كل مناسبة ضحية أمام جلاد. إلياس هو الوجه الآخر لحزب الأصالة والمعاصرة، إلى جانب بن شماس في مجلس المستشارين. وليس صدفة أنهما ينتميان معا إلى جهة الشرق. هو الوجه الآخر الذي يفتح الجبهات، ويصعد اللهجة كلما كان الخصم إسلاميا. أما مكونات حكومة بنكيران، فهم في نظر الياس العماري، مجرد أجراء لا شركاء، لأن صوتهم خافت لا يسمع. لم يكن رئيس الحكومة بنكيران فقط هو المستهدف من خرجات إلياس. فقد وجه سهام نقده لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي دفعت بعض خطبائها لمساندة مرشحي حزب المصباح من أعلى منابر المساجد. لقد حول بنكيران، حسب العماري، الحكومة إلى حكومة الحزب الوحيد. ومشروعه الآن أن يحول الدولة إلى دولة الحزب». وحينما يتحدث بنكيران عن العفاريت والتماسيح، يشرح العماري أن المعني بذلك هو المؤسسة الملكية، وهو يستحضر أن حكاية هذه التماسيح أطلقت حينما تم منع نشاط الشبيبة الإسلامية في طنجة، لأنه كان يريد فتح ملف البيعة والولاء وإمارة المؤمنين. إنه الرجل الأكثر إثارة للجدل بين مناضلي الأصالة والمعاصرة. فبعد تجربة قضاها بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري «الهاكا» حمل حقائبه ليجرب التسيير في عالم الكرة، حيث ظل يرأس فريق شباب الريف الحسيمي قبل أن يستقيل من هذا المنصب حينما وضع الفريق رجله على السكة الصحيحة. لأن مهام إلياس كانت أكبر من الكرة. إنها المواجهة الصريحة لحزب بنكيران ولهذا التوجه الجديد الذي قال إنه يريد أن يحول الدولة إلى دولة الحزب. اتهم العماري من قبل خصومه بالاستبداد. وقالت العدالة والتنمية إنه هو من تسبب في اعتقال جامع المعتصم، أحد نقابيي البيجيدي. ولم يتردد الكثيرون من البيجيدي في وصفه بعبارات قدحية. وهي الاتهامات التي لا يخفي إلياس رأسه في الرمال لكي تمر. بل إنه كثيرا ما وقف في مواجهتها بكل صلابته الريفية. تلك الصلابة التي يحولها أحيانا إلى أداة للمواجهة وإثارة الجدل. اليوم يشكل إلياس العماري واحدا من الجيل الجديد الذي يملك كل مواصفات الفرجة السياسية التي قد تحقق نسبة متابعة جيدة، لكنها غير كافية في وضع طرق الإصلاح في تدبير الشأن العام.
ادريس لشكر..السياسي « البراغماتي» ظل ادريس لشكر من أقرب المقربين لمحمد اليازغي. بل إنه ظل يحمل صفة التلميذ النجيب لليازغي في معاركه، سواء في مواجهة عبد الرحمان اليوسفي، أو محمد نوبير الأموي في عز قوة الاتحاد الاشتراكي. لا أحد كان يعتقد أن هذا المحامي الصغير سيتحول في ظرف زمني قصير إلى واحد من صقور الحزب. فحينما كان اليازغي يزبد ويرغي في وجه اليوسفي، وهو وقتها الكاتب الأول بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد في 1992، ظل ادريس لشكر يصر على أن رفيقه اليازغي هو الكاتب الأول بالنيابة وليس نائبا للكاتب الأول. وفي هذه الصيغة ما يكفي من الدلالات التي ستظهر ملامحها حينما كان الحسن الثاني يرتب للتناوب الأول الذي كان سيقوده محمد بوستة باسم حزب الاستقلال. كان لشكر من أشد المتحمسين لهذه التجربة. وظل يدفع اليازغي لقبول الصفقة، خصوصا وأن اليوسفي كان وقتها غاضبا في منفاه الاختياري. فشل تناوب بوستة واليازغي، وعاد اليوسفي لقيادة التناوب التوافقي. لكن لشكر ظل يترقب متى يصل موعده. انتهت حكومة التناوب وما بعدها مع ادريس جطو بعد الخروج على المنهجية الديمقراطية في 2002. لكن حينما صعد سهم حزب الاستقلال في 2007 واختير عباس الفاسي وزيرا أول، عاد لشكر للواجهة. وكان أول خصومه هو صديق الأمس اليازغي، الكاتب الأول للاتحاد. وبمعرفته بسبل المناورة هنا وهناك، فتح ادريس لشكر النار على كاتبه الأول، وانتقد الطريقة التي دبر بها ملف الاستوزار، ونجح في تهييج أعضاء المكتب السياسي للدفع باليازغي إلى الاستقالة من منصبه بدلا من إقالته. كانت المفاجأة صادمة كيف يقود صديق الأمس هذه الحرب التي حمل لشكر شعارا لها أن الكاتب الأول قبل بمجرد « صاكادو» في حكومة عباس الفاسي، في الوقت الذي كانت الخلفية هي كيف يسقط اسم لشكر من الاستوزار وتصعد أسماء أخرى كجمال اغماني أو الشامي، وقبلهما الكحص مثلا. سقط اليازغي ووجه لشكر نباله في اتجاه حكومة عباس الفاسي الذي دعا الاتحاد إلى مغادرتها. وهدد بوضع اليد في يد العدالة والتنمية الذي كان وقتها يقود معارضة شرسة ضد حكومة عباس الفاسي. بل إنه وصف حزب الأصالة والمعاصرة بالوافد الجديد الذي تجب مواجهته. وصلت الرسالة وتلقى لشكر هديته حينما اختير بعد تعديل حكومي وزيرا مكلفا بالعلاقة مع البرلمان، أو «الصاكادو» الثاني لحزب المهدي وعمر، كما سماه الغاضبون. وتحول لشكر مائة وثمانين درجة نضالية، حيث أصبح من أشد المدافعين عن حكومة عباس الفاسي بعد أن كان يدعو لمغادرتها وإسقاطها. كان لا بد أن تفتح أمامه الكثير من الأبواب ليس فقط بين دواليب الدولة، ولكن وسط الاتحاد الاشتراكي الذي جرب فيه كيف يمكن إسقاط كاتبه الأول، وكيف يمكن تغيير بوصلته من حزب يدعو للخروج من الحكومة إلى ضرورة البقاء فيها وحماية تجربتها. لذلك فهم أن الطريق نحو الكتابة الأولى للحزب لن تكون أصعب من معارك الحكومات والتحالفات. اليوم لا يملك ادريس لشكر غير خطبه ومناوراته وقدرته على الصراخ. لذلك فهو واحد ممن سيصنعون الفرجة السياسية في مشهدنا الحزبي أكثر مما سيصنع مستقبل حزب القوات الشعبية.
محمد الفيزازي.. شيخ السلفية الذي لم يختف عن الأنظار ظل محمد الفيزازي، منذ غادر السجن بعفو ملكي، أكثر السلفيين الجهاديين حضورا في وسائل الإعلام. فلم تكن تمر مناسبة إلا وكان صوت الشيخ الفيزازي حاضرا. غير أن خرجاته خلفت دوما الكثير من الجدل والنقاش خصوصا وهو يتحدث عن البوعزيزي التونسي مثلا والذي تردد أنه وصفه بالملحد، أو وهو يتحدث مؤخرا عن الشيخ ياسين، الذي اعترف أنه ظل يختلف مع كل طروحاته الفكرية وإن كان مع ضرورة انخراط العدل والإحسان في الحياة السياسية، لتفك الجماعة العزلة عن نفسها وتشتغل في النور، على حد قول الفيزازي, «باعتبارها قوة بشرية وتنظيمية وعاملا مؤثرا في بناء واستقرار إمارة المؤمنين تحت سيادة النظام الملكي والوحدة الترابية للمملكة المغربية وفق المذهب المالكي السني». وكانت صورة الفيزازي مع الممثلة لطيفة أحرار بداخل أروقة المعرض الدولي للكتاب والنشر في فبراير من سنة 2012 مثيرة ،لأنها فتحت الكثير من النقاش حيث بدا الفيزازي مبتسما في وجه أحرار. غير أن الأكثر إثارة في الفيزازي، الذي لا يخفي استعداده لتأسيس حزب إسلامي جديد، بعد أن كان قريبا للانخراط في حزب النهضة والفضيلة وأبدى استعداده للترشح باسمه في الاستحقاقات الأخيرة، هو زواجه للمرة الثالثة من فتاة فلسطينية هي الأولى بعد مغادرته السجن بعد عفو ملكي حيث قضى ثماني سنوات خلف القضبان. لا يتردد الفيزازي في فتح النقاش والدخول في ملاسنات كلما أثيرت مواضيع من قبل قانون الإرهاب، والسلفية والعلمانية. وعلى العكس من كل الخرجات الإعلامية لشيوخ السلفية التي تتحدث عن المراجعة الفكرية، وممارسة الاجتهاد الفكري الديني الذي يفرضه تطور المجتمعات والحضارات، يصر الفيزازي على رفض كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ويعتبر أن كل من يخالف النص فهو غير مقبول. لأن الشريعة الإسلامية هي أسمى وتعتبر الخلاص. إن كل ما يصدر عن المجالس العلمية بالمغرب، بحسب الفيزازي، صالح ما لم تتعارض مع أفكاره يوما. ولا يخفي في كل مناسبة طرح السؤال: «لماذا تصلح إمارة المؤمنين إذا لم تطبق شرع الله»؟ لذلك فإن رغبته في تأسيس حزب سياسي تصبح ملحة «لأننا في حاجة لحزب جديد يرفع سقف المطالب ويدعو إلى تطبيق شرع الله».
عبد الإله أو «بنكيران شو» يحسب لعبد الإله بنكيران أنه أول رئيس حكومة يستطيع أن يصنع الفرجة وهو في التلفزيون. لقد ظل يحقق نسبة مشاهدة عالية إذا ما قورن بالوزراء الأولين الذين تعاقبوا على تدبير الشأن العام. فبالقدر الذي عرف عن سلفه عباس الفاسي الاختفاء عن كاميرات التلفزيون، أضحى بنكيران وجها مألوفا لدى جمهور الشاشة لدرجة لا يتردد الكثيرون في وصف اللحظات التي يحضر فيها إلى التلفزيون بأنها لحظة فرجة يمكن أن نسميها ب«بنكيران شو». في أول ظهور له في التلفزيون، وهو يحمل صفة رئيس الحكومة، عرف عبد الإله بنكيران كيف يستميل عطف المشاهدين الذين رأوا في حماسة الرجل واندفاعه وصراخه أحيانا مؤشرت على أن القادم أفضل. تحدث بنكيران وقتها عن المقهورين والمظلومين، وتحدث عن ربطة العنق التي لا يحسن تثبيتها، وعن علاقته بالملك محمد السادس، الذي تمنى أن يحكي له نكتة وهو يستضيفه أول مرة ويعينه رئيسا للحكومة. وبدا أننا أمام شخصية استثنائية يكتشفها المغاربة أول مرة. كاد الكثير من التفاصيل التي حكاها بنكيران في أول ظهور تلفزيوني له أن يغطي على الأهم الذي يعني ما الذي جاء به حزب العدالة والتنمية لإنقاذ البلاد بعد أن منحته صناديق الاقترع المرتبة الأولى. تحدث بنكيران عن التحالفات الممكنة لتشكيل حكومته، وتمنى لو أن الاتحاد الاشتراكي قبل دعوته لدرجة أنه سيعتبر ذلك « تسخينا لكتفه»، قبل أن يغازل بقية الأحزاب، مع وضع خط أحمر أمام حزب الأصالة والمعاصرة. ولعل هذا الخط الأحمر هو الذي لا يزال يؤجج الصراع بين البام والبيجيدي. ولأن الدستور الجديد فرض على رئيس الحكومة الحضور للرد على أسئلة نواب الأمة فيما يشبه التقرير الشهري، فقد كان أول حضور لبنكيران فرجة حقيقية ستحقق نسبة مشاهدة عالية ليس لأن بنكيران حمل معه مشاريع حقيقية تبشر بغد أفضل، ولكن لأن الرجل سيتحدث عن العفاريت والتماسيح التي تقف أمام حكومته. وبحركات «المان وان شو» ظل بنكيران يصرخ أحيانا، ويخفت صوته أحيانا أخرى. بل ويسمي بعض النواب بأسمائهم ويهدد البعض الآخر من على منبر الخطابة. بل إن الجلسة ظلت تعرف لحظات مد وجزر لم تنته إلا برفعها. لم تكن أول جلسة يخسر فيها بنكيران رهان الإقناع هي الأخيرة. فقد ظل كلما حضر إلى البرلمان بغرفتيه إلا وصنع الفرجة، وأخرج من جيب سترته صيغة جديدة للرد أو لتبرير عجز حكومته عن تدبير الملفات الحساسة التي تباشرها. اليوم يبدو أن حدة المعارك التي فتحها بنكيران، لن تخفت خصوصا في مواجهة حزب الأصالة والمعاصرة الذي وصفت إحدى مناضلاته حزب المصباح بالقتلة ليكون الرد عنيفا وتصل القضية إلى ردهات المحاكم. ويتحول مجلس النواب بالقوة والفعل إلى «سيرك»، كما سبق أن وصفه الراحل الحسن الثاني.