سيرتكب عبد الإله بنكيران خطأ عمره لو اعتقد أن الذين ينتقدون أداء حكومته يقفون ضده ويريدون فشله، لأن أعداءه الحقيقيين هم الذين يزيّنون له الطريق حاليا ويصفقون ل»حكمته ورزانته» كلما انحنى أكثر للفساد وقدم المزيد من التنازلات. سيخطئ بنكيران كثيرا لو اعتقد أن أعضاء حزبه وأنصاره هم الذين أوصلوه إلى رئاسة الحكومة، لأن الذين أوصلوه إلى منصبه الحالي هم آلاف المغاربة الذين كانوا يخرجون في مظاهرات شبه يومية لكي يلعنوا هذا «الغول الخانْز» الذي اسمه الفساد. الذين يضحكون على بنكيران هم الذين يقولون إن هذا الرجل يرى ما لا يراه عامة الناس، لذلك كلما وقف حماره في العقبة، يجب أن يجنح نحو السلم وأن يميل حيث الريح تميل، ثم يمضي قدما دون أن يلتفت إلى الوراء. الذين عابوا على بنكيران استسلاماته وتنازلاته الأولى، ومن بينها تعيين كبار الموظفين والمدراء والسفراء دون علمه، كانوا يريدون فقط أن يكون هذا الرجل مسؤولا قويا يطبق نظرية «النهار اللوّلْ يموت المشّ»، ولا يريدون له أبدا أن يلعب دور سلحفاة خائفة تتكوم داخل قوقعتها بمجرد أن يظهر لها ظل بشر. عندما تم الكشف عن أسماء المستفيدين من رخص النقل، سعد الناس بذلك، لكن المغاربة ليسوا سُذجا حتى يعتقدوا أن الفساد يبدأ وينتهي بلائحة رخص النقل، الناس يعرفون اليوم الكثير، الكثير جدا؛ وبنكيران، لو اعتقد أن تلك «الحركة» كافية، سيكون قد استهان بذكاء المغاربة؛ لذلك عليه أن يسرع لكي يقدم إلى الناس اللوائح المتوسطة ثم الكبرى، ثم اللوائح العملاقة. سيكون بنكيران واهما لو أنه هدد خصومه، في كل مرة وقفوا له بالمرصاد، بإخراج الربيع العربي من جيب سترته لكي يبتعدوا عن طريقه. الربيع العربي قد يستمر أخضر إلى ما شاء الله، وقد يتحول قريبا إلى صيف أصفر فاقع لونه، لذلك لو كان بنكيران يحتفظ الآن بوردة بيضاء في جيبه، فقد يبحث عنها غدا ليجدها قد تحولت إلى غبار. يعتقد بنكيران أن صناديق الاقتراع هي التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة؛ والحقيقة أن صناديق الاقتراع في هذه البلاد لم توصل يوما أحدا إلى هذا المنصب، بل كانت توصله أشياء أخرى لا علاقة لها بالديمقراطية ولا بالانتخابات. وبنكيران يعرف جيدا أن حزبه كان يحصل في الماضي على مقاعد أكثر من التي يتم الإعلان عنها، لكن حزبه يدخل في مفاوضات مهينة للناخبين، ويتم فجأة تخفيض العدد بدعوى مصلحة البلاد وعدم تخويف الجيران الأوربيين مما يسمى «الفزّاعة الإسلامية». يقال إن بنكيران وصل إلى رئاسة الحكومة لأن الناخبين منحوا حزبه أزيد من مائة مقعد في البرلمان، وصار بذلك القوة الأولى في تلك البناية غريبة الأطوار الموجودة في شارع محمد الخامس بالرباط؛ والحقيقة أن الذين جعلوا بنكيران القوة الأولى في البرلمان هم الذين لا يصوتون، والذين يعتبرون أن الانتخابات المغربية هي مجرد كوميديا؛ لذلك فإن الأصوات الحقيقية هي تلك التي كانت تهدر بها الحناجر في الشوارع من أجل وضع هذه البلاد فوق سكة الديمقراطية الحقيقية، وليس اللعب بالألفاظ مثل «الخصوصية المغربية» أو «الديمقراطية الحسنية». المصوتون في الانتخابات الماضية والممتنعون عن المشاركة فيها كان لهم هدف واحد، وهو أن تكون المرحلة التالية هي مرحلة شعار واحد: «محاربة الفساد.. فقط لا غير»، لأن كل مآسي المغرب نابعة من معضلة واحدة... الفساد. لو كان بنكيران يحب البحر، فسيعرف جيدا أن الأمواج العاتية والمضطربة هي التي تأتي بالسمك إلى صنارات وشباك الصيادين، وأن البحر الهادئ والأمواج النائمة لا تخلق سوى ركود سرعان ما يتحول إلى عفونة لأن المياه التي لا تتحرك ولا تضطرب لا توجد سوى في المستنقعات، ولا تخلق سوى النتانة والرائحة الكريهة؛ لذلك عليه أن يشكر حناجر الناس وقبضاتهم المرتفعة في الهواء، وليس صناديق الزجاج. عندما يفهم بنكيران من الذي أوصله، فعلا، إلى رئاسة الحكومة، آنذاك سيكون قد خطا خطوته الأولى نحو التغيير، وإذا لم يفهم، فأمرنا لله من قبل ومن بعد.