حي الاحباس أو «الحبوس» من الأحياء العريقة في الدارالبيضاء، ومن أهم أسواق الكتب في المغرب. هنا تنزل شحنات الكتب القادمة من مختلف أنحاء العالم، عبر ميناء الدارالبيضاء، كي تسافر إلى مكتبات المغرب.كتب قديمة و جديدة، بالعربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية. في هذا المكان المحاط برمزية تاريخية، لأنه يرمز إلى المنطقة التي انطلقت منها الرصاصات الأولى للمقاومة المغربية، هنا في منطقة درب «درب السلطان» توجد منطقة الأحباس، وهي منطقة مشيدة على النمط المعماري التقليدي للمدينة العتيقة المغربية، ألق خاص، وسحر لا يقاوم. في الطريق من مركز مدينة الدارالبيضاء، حيث العمارات الزجاجية، والنمط المعماري الجديد، تمر، من أعرق منطقة، وهي « المدينة القديمة» وهي منطقة مسورة تطل على الميناء مباشرة، كانت مشهورة بحيها المعروف ب»بوسبير» حيث كان أكبر «مبغى» مرخص له من طرف الاستعمار الفرنسي، ويخضع لشروط الحماية الطبية والأمنية، والتي كانت تتمتع بها الكثير من « المباغي» في شمال إفريقيا، سواء في تونس أو في الجزائر أو في المغرب. لكن حي «بوسبير» هذا، سيء السمعة، لم يحجب عن المدينة القديمة جمالا آخر، هو توفرها على أحد أهم ساحات بيع الكتب المستعملة في المغرب، وفي العالم العربي، مثل سور الأزبكية في القاهرة.وتسمى هذه المنطقة الموجود على طول السور الخلفي للمدينة القديمة ب»البحيرة»، وهي منطقة كانت تنبت فيها في الماضي كروم وأشجار مثمرة متنوعة.. والحقيقة أن «البحيرة» هي بغية كل طالب لكتاب مفقود من هواة المطالعة أو من طلبة المدارس والجامعات، وفي حوانيت كتبيي «البحيرة»، كانت تباع مخطوطات ووثائق كولونيالية وغيرها من النفائس التي لا تقدر بثمن. حي الأحباس.. رائحة الكتب اللذيذة مدينة الدارالبيضاء هي مدينة التعدد والتنوع الديني، ففيها إلى جانب ثلاثة آلاف جامع ومسجد، عدد من الكنائس والمعابد: ست كنائس كاثوليكية بناها الإسبان أقدمها كنيسة (Buenaventura) في العام 1891، وثلاثة معابد يهودية. وتعتبر سنة1923 نقطة تحول في الدارالبيضاء، ساهمت في تأسيس المدينةالجديدة التي سمّيت «حي الحبوس» على يد المهندس الفرنسي ميشيل إيكوشار، الذي ساهم قبلا في التخطيط لمدينتي دمشق وبيروت. وكان الهدف هو الفصل بين الحي الأوروبي في مدينة الدارالبيضاء والأحياء المغربية، عن طريق بناء مدينة بمواصفات وطراز مغربيين. وقد بنيت المدينة في وقت قياسي بين عامي 1946 و1952. كان الفرنسيون يأملون من خلال المشروع إكمال صورة المدينة لزيادة علاقتهم بها والسيطرة على خيراتها. لكن ازدياد الحركة الاقتصادية في المدينة أرغم الفرنسيين على التراجع عن المعمار التقليدي لصالح الأنماط الأمريكية الحديثة. وقد شهد فندق «أنفا» مؤتمر الدارالبيضاء في يناير 1943، الذي حدّد فيه تشرشل وروزفلت الاستسلام غير المشروط لألمانيا. مر»حي الأحباس»- وسمي كذلك لأنه كان عبارة عن وقف، كغيره من المناطق الوقفية، التي هي اليوم، تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- بتحولات كثيرة، ويعرف بسوقه التقليدي، الذي يضم أهم منتجات الصانع التقليدي المغربي، علاوة على حي المكتبات، الذي توجد فيه أهم المكتبات ودور النشر المغربية والعربية، والتي ساهمت في إثراء الحياة الثقافية في البلاد.من هذه المكتبات نذكر المركز الثقافي العربي ومكتبة الأحمدية للنشر، ودار الثقافة، زيادة على المكتبات المتخصصة في الكتب الكلاسيكية العربية، وفي الكتاب الديني.. هنا يمكن أن تعثر على كتب التفاسير، وعلى لسان العرب، وعلى كتب محمد عابد الجابري، وعبدالله العروي، وعلى آخر الترجمات من الفرنسية أو من الإنجليزية، وعلى ما تجود به مطابع القاهرة وبيروت ودمشق والخليج العربي. وتعود ملكيات هذه المكتبات قبل أكثر من خمسين سنة إلى بعض التجار الفاسيين القادمين من فاس، الذين فضلوا المتاجرة في الكتب، قبل أن ينضم إليهم تجار جدد، في الكتب المستعملة، يطلق عليهم رواد الكتب «البوكينيست»، أي باعة الكتب المستعملة، وهم اليوم ينظمون معرضا سنويا، وأصبحت لهم جمعية تطالب بحماية تجارة الكتب المستعملة وتوفير مكان قار لها في منطقة الحبوس التاريخية. لكن منطقة الحبوس تتميز أيضا بسوقها الشهير بسوق «الزيتون»، الذي يعرض المنتجات الجيدة من زيت الزيتون ومن الزيتون. كما تعرف ببزاراتها العتيقة، التي تعرض منتوجات الصناعة التقليدية، من ملابس ومطرزات وأدوات جلدية وجلابيب مغربية أصيلة غالية الثمن ونعال، و»بلاغي» صفراء، ومنقوشات، وخزفيات، ويمتد الأمر إلى «أعمال فنية» فطرية ولوحات لرسامين ورسامات غير معروفين، وإلى المنتجات التقليدية المتوارثة، من الحلوى الفاسية ذائعة الصيت.