تنظم الجمعية البيضاوية للكتبيين المعرض الأول للكتاب المستعمل بتنسيق مع عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان وبشراكة مع مجلس مقاطعة الفداء وجمعية الأعمال الاجتماعية والثقافية والرياضية بدرب السلطان تحت شعار: «الكتاب في خدمة التنمية»، وذلك ابتداء من الخميس 10 أبريل الجاري إلى غاية يوم الأربعاء 30 منه بفضاء ساحة السراغنة التي أصبحت الآن تسمى ساحة الفداء. في أعرق ساحة من ساحات الدارالبيضاء وذاكرتها الحية المتحركة، تلك الساحة التي مر منها خلق كثير وأحداث جسام منذ استقلال المغرب إلى الآن، الساحة نفسها التي تشكل فيها وعي الكثير من المغاربة وبالضبط وعي الشباب البيضاوي أبناء درب السلطان والأحياء المجاورة، حيث كان كل الخلق ينزل إلى الساحة بما في ذلك العمال والطلبة والمثقفون «العضويون» والباحثون عن التزجية والميامون في الموقف ومجانين المدينة والحافلات التي كانت تتخذ من ساحة السراغنة العريقة الموقف الأخير، منها وإليها يذهب العالم ويجيء. هنا أيضا في هذه «الموقعة» ستنتظم النقاشات الأولى، الحب الأول، والوعي الأول بأن للحياة وجهها الماكر في لعبة الصراع الطبقي والصراع بين المصالح والاستغلال البشع لهذه القوة العاملة التي تعود مهدودة في آخر النهار من معامل عين السبع، حيث تكون الساحة نقطة استراحة أخيرة قبل الولوج إلى متاهات الليل الأخيرة. الساحة لاتنام ولأن الساحة كانت لا تنام، كان كل عابر سبيل يجد ضالته، وكل طالب غرض لا بد أن يلقاه، المواعيد كانت تعقد هناك، وكم من حلم كبا وكم من صوت ألجم وكم من ولد جميل خطف وكم من مجزرة أتت على أجساد طرية كانت تعصف بالنشيد في مغرب 65 وفي معرب81 وفي مغرب 84، وكم من يأس حاد جعل قهوة الوطن هناك في «صف المقاهي» الطويل علقما في الحلوق. في هذا المكان الذاكرة، وفي هذه الساحة العريقة التي تحولت إلى رمز سحري لمغرب التحولات، وعلى مرمى حجر من مكتبات الأحباس الضالعة في السر، تقيم الجمعية البيضاوية للكتبيين معرضها الأول للكتاب المستعمل، معرض له سحر خاص، لأنه يرتبط بمكان إذا أردنا أن نضعه في إطاره الرمزي فهو المكان الأكثر أهمية في تاريخ المغرب، فهنا اقتعد في مقاهي مثل الفدا والصباح ودمشق وباطا عدد من المثقفين والمسرحيين المغاربة من مثل محمد التسولي وحميد نجاح ومحمد قاوتي ومحمد سحماوي وسعد الله عبد المجيد وعبد الرؤوف وعبد الرزاق البدوي والراحل حوري حسين صاحب مسرحية «الحرباء»، والرجل الذي سكنه الحلاج حتى «الاستشهاد». يقول يوسف بورة، رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين، في تصريح ل«المساء» إن تنظيم هذه الخطوة يأتي في سياق انفتاح الساحة على ذاكرتها الرمزية وأيضا في سياق إعادة ربطها بمجدها الغابر يوم كانت ملتقى للشبيبة المغربية من مثقفين وعمال ورجال سياسة. وأشار بورة إلى أن معرض الكتاب المستعمل في دورته الأولى يعد خطوة في إطار رد الاعتبار لهذا المكان الحي، وجدان البيضاويين والمغاربة، حيث يشارك حوالي 20 مهنيا ينتمون إلى الجمعية، ويشمل المعرض نوعيات مختلفة من الكتب في جميع حقوق المعرفة من فلسفة وثقافة عامة وتاريخ وكتب تراثية. وذكر أن المعرض سيقدم أكثر من 3000 عنوان، كما يفرد جناحا خاصا لكتاب الطفل باعتبار أن الطفل هو القارئ المستقبلي. ويكرم معرض الكتاب المستعمل في دورته الأولى المسرحي المغربي الراحل حوري حسين، حيث ستحمل خيمة الندوات واللقاءات اسمه في إطار النشاط الموازي للمعرض. وقد كان حوري حسين علامة من علامات ساحة السراغنة ووجها مألوفا في ليلها الساهر، وفي نقاشاتها حامية الوطيس، في إطار التجربة الاستثنائية لمسرح الهواة في المغرب. وقال يوسف بورة إن المعرض الأول من نوعه في الدارالبيضاء يحاول أن يوفر عناوين مهمة بالنسبة للفئات محدودة الدخل، وللطلبة بوجه خاص، حيث سيكون سعر الكتب المعروضة بين درهمين وخمسين درهما. كما يخصص المعرض قسما لكتب تراث المغرب بعنوان «ذخائر المغرب» في إطار تعريف القارئ بأهم الكتب التراثية المغربية. تكريم رواد من اللحظات المهمة في المعرض تكريم «بوجمعة» صاحب مكتبة الفلاح والبالغ من العمر 82 سنة، حيث يعتبر أقدم كتبي في الحبوس، وتعود مكتبته إلى سنة 1946، كما يكرم المحجوب أشهاري صاحب مكتبة «الفكر العربي» الذي توجد مكتبته في البحيرة في المدينة القديمة، وتعود مكتبته إلى سنوات الخمسينات ومن هاتين المكتبتين مر أغلب المثقفين المغاربة والباحثين والجامعيين. عن الفحوى العميقة للمعرض يقول بورة، «نحاول أن نقول للشباب بدل أن يذهبوا لشراء الحشيش أو أقراص الهلوسة بإمكانهم أن يشتروا كتبا بأقل الأثمان تملأ فراغهم وتوجههم». من جهة أخرى قال القاص المغربي أنيس الرافعي أحد المساهمين في برنامج المعرض والقاطن في عمق الساحة في تصريح ل«المساء» بأن أهمية النسخة الأولى من هذا المعرض الذي تنظمه «الجمعية البيضاوية للكتبيين» بتعاون مع لفيف من مثقفي وأدباء منطقة درب السلطان الذين تربطهم علاقة وطيدة بساحتها الشهيرة «ساحة السراغنة» تكمن في ترسيخ بعض التقاليد الأدبية والممكنات التداولية اللصيقة بالكتاب القديم أو المستعمل كما نجدها في «سوق سور الأزبكية» الذي ينشط على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ أو في مكتبات النفائس والمؤلفات العتيقة ب«شارع الرشيد» سابقا ببغداد قبل أن تلتهمه نيران الفتنة الطائفية خلال السنة الماضية. هذا دون أن ننسى «معرض باب دكالة» أو «دلالة الكتب» التي تقام عقب كل صلاة جمعة بالصوان الخلفي لجامع ابن يوسف بمراكش. وهي تقاليد وممكنات كفيلة بإشاعة «ثقافة ديمقراطية القراءة» بين كافة الشرائح المجتمعية؛ خاصة المعوزة منها. ويمضي أنيس قائلا: «وفي ظني؛ أن ما يتم الحديث عنه اليوم من مفاهيم «التنمية» و«سياسة القرب» و«المبادرة الوطنية» يمكن أن يتحقق جزء منه على أرض الواقع من خلال دعم مشاريع ثقافية مناضلة من هذا الطراز؛ الذي له القدرة على إكساب المواطن كفايات التواصل والانفتاح والتسامح وطرح الأسئلة النقدية لإفرازات أزمنة العولمة المتوحشة. ويعتبر أنيس أنه في ظل تنصل الجهات المعنية بالثقافة وبترويج الكتاب فإن مثل هذه المبادرات المدنية تكتسب أهميتها، ويقول متسائلا: «لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا السياق، لماذا استقالت الجهات المعنية وتنصلت من أدوارها الفعلية والطبيعية كمؤسسات لتدبير الشأن الثقافي الرسمية داخل مدينة كوسموبوليتانية مثل الدارالبيضاء، ما نصيبها في تراجع واندحار الهم الثقافي، ولماذا لم تستطع أن تطور إواليات اشتغالها حتى تخلق شراكات بناءة مع الفعاليات الجمعوية التي تعمل داخل الفضاء المدني؟ وفي انتظار الحصول على جواب شاف من أفواه أهل الحل والعقد لهذا السؤال الحارق؛ لا يسعني سوى أن أثمن بحرارة مجهودات «الجمعية البيضاوية للكتبيين»؛ التي وضعت برنامجا تنشيطيا لتقديم وتوقيع جديد الإصدارات النقدية والقصصية والروائية لثلة من أبرز الكتاب المغاربة داخل قاعة تحمل اسم «الحسين حوري»؛ هذا المبدع والفنان الذي أهيل عليه غبار النسيان والإهمال لعقود طويلة. إنها التفاتة تنطوي على الكثير من النبل والرمزية والحنين تجاه واحد من علامات المسرح المغربي في زمنه الجميل. ويبقى الطموح الذي يراود من يقف وراء هذا المشروع، هو أن توافق وزارة الثقافة على تنظيم النسخة الثانية من هذا المعرض داخل أروقة المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء».